​هجمات الحوثيين.. أزمة طريق السويس الجديدة تهدد الاقتصاد العالمي

> «الأيام» الإيكونوميست:

>
سلطت مجلة "الإيكونوميست" الضوء على تهديدات جماعة الحوثي للسفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل عبر مضيق باب المندب، الذي يعد شريًانا اقتصاديًا مهمًا في البحر الأحمر، ويؤثر إغلاقه على قناة السويس المصرية، مشيرة إلى أن تداعيات الحرب في غزة تتجه إلى أن تأخذ بعدًا عالميًا.

وذكرت المجلة البريطانية، في تقرير، أن أربع من أكبر 5 شركات شحن حاويات في العالم، وهي: CMA CGM وHapag-Lloyd وMaersk وMSC، قررت إيقاف أو تعليق خدماتها في البحر الأحمر، بعدما صعّد الحوثيون، المدعومون من إيران، هجماتهم على تدفقات الشحن العالمية، ما دفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى تكثيف نشاطهم البحري في الشرق الأوسط لتكوين قوة بحرية مشتركة ربما تهاجم الحوثيين.

وأضافت أن باب المندب هو مضيق ضيق بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية يتدفق من خلاله عادة ما يقدر بنحو 12 % من التجارة العالمية من حيث الحجم، و30 % من حركة الحاويات العالمية، مشيرة إلى أنه تحول إلى منطقة محظورة، حيث يهاجم الحوثيون السفن، تحت شعار ظاهري هو دعم الفلسطينيين في غزة.

واستمرت الاضطرابات بالمضيق منذ أسابيع، لكنها تصاعدت خلال الأيام الماضية بشكل حاد، وفي 15 ديسمبر هدد الحوثيون بمهاجمة إحدى السفن، وضربوا أخرى بطائرة مسيرة وأطلقوا صاروخين باليستيين على السفينة "إم في بالاتيوم 3"، أصابها أحدهما، وهو أول هجوم يستخدم فيه الحوثيون صاروخا باليستيا مضادا للسفن، رغم أن السفينة كانت ترفع العلم الليبيري.

وفي 16 ديسمبر، أسقطت سفينة البحرية الأمريكية "يو إس إس كارني" 14 طائرة مسيرة فوق البحر الأحمر، بينما دمرت السفينة البريطانية "إتش إم إس دايموند" طائرة أخرى.

وفي مواجهة المخاطر المتزايدة، المتمثلة في إصابة السفن بالشلل ومقتل أطقمها، تتحول صناعة الشحن العالمية إلى وضع الطوارئ، وفي هذا الإطار، أعلنت شركتا "ميرسك" و"هاباج لويد"، في 15 ديسمبر، وقف خدماتهما مؤقتًا.

وفي 16 ديسمبر، أعلنت شركة CMA CGM التوقف عن الملاحة بمضيق باب المندب، وتبعتها شركة MSC، مالكة "إم في بالاتيوم 3"، التي قالت إن سفنها لن تستخدم قناة السويس في أي من الاتجاهين "حتى يصبح الممر في البحر الأحمر آمنًا"، وستوجه بعض سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

وتمثل هذه الشركات الأربع مجتمعة 53 % من تجارة الحاويات العالمية، وقد يحذو مشغلو الحاويات الصغيرة، فضلاً عن شركات ناقلات النفط، حذوها، ما تشير المجلة البريطانية إلى نتيجتين كبيرتين له، الأولى تتعلق بالاقتصاد العالمي، والثانية تتعلق بمخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط في ظل محاولة الدول الغربية إعادة ترسيخ النظام.

وتلفت "الإيكونوميست" إلى أن إيرادات قناة السويس تعد مصدرًا رئيسيًا للدخل في مصر، التي تعاني بالفعل من أزمة مالية، بينما ستكون إسرائيل أقل تأثراً بالتجارة المارة بالبحر الأحمر، التي تمثل 5 % فقط من مجمل تجارتها.
  • الاقتصاد العالمي
وبالنسبة للاقتصاد العالمي، فإن الإغلاق المطول لطريق قناة السويس من شأنه أن يرفع تكاليف التجارة مع إعادة توجيه الشحن حول أفريقيا (طريق رأس الرجاء الصالح)، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف شحن التجارة، بارتفاع أقساط التأمين، فضلا عن طول مدة الشحن.

ويمكن أن تسفر تعطلات سلسلة التوريد على المدى القصير أيضًا عن إعادة توجيه التجارة على نطاق واسع، ففي عام 2021، جنحت سفينة "إيفر جيفن"، وهي سفينة تديرها تايوان، في قناة السوي، وأغلقتها لمدة 6 أيام، ما أدى إلى تكثيف أزمة سلسلة التوريد العالمية.

وإذا كانت الأزمة الأمنية في البحر الأحمر تهدد الشحن البحري في بحر العرب القريب، والذي يمر من خلاله ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحراً، فإن التكاليف الاقتصادية ستكون أعلى بشكل كبير، ما يدفع الولايات المتحدة وحلفائها إلى التحرك.

لكن التهديد الحوثي "شاق ومعقد"، بحسب توصيف "الإيكونوميست"، التي أشارت إلى أن شعار جماعة أنصار الله هو عبارة "الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود"، وأن الجماعة تدعي أنها تستهدف "جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية" حتى يتم إيصال الغذاء والدواء إلى غزة، لكن معظم السفن التي تتعرض للهجوم ليست متجهة إلى إسرائيل ولا تخضع لملكية إسرائيلية، وقد تأثرت بلدان من جميع أنحاء العالم بالهجمات الحوثية، حتى أن إحدى السفن التي هاجمها الحوثيون كانت تبحر تحت علم هونج كونج.

ويشدد تقرير المجلة البريطانية إلى ضرورة "عدم الخلط بين عدم التماسك الواضح لأهداف الحوثيين المعلنة وبين عدم فعاليتهم"، فلسنوات قامت إيران بتدريبهم وتسليحهم في تمردهم الناجح داخل اليمن، وفي حربهم ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المنافسين الإقليميين للجمهورية الإسلامية.

ويؤكد التقرير أن "مستوى تطور بعض الأسلحة (لدى الحوثيين) مرتفع"، ونقل عن "فابيان هينز"، الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن، قوله إن منظومة أنصار الله العسكرية تشمل صواريخ يصل مداها إلى 800 كيلومتر، وترسانة صواريخ عملاقة مضادة للسفن.

وليس من الواضح للمسؤولين الغربيين ما إذا كانت إيران هي التي توجه الهجمات الحوثية أم لا، ولم تقتنع المخابرات الإسرائيلية بعد بأن الضربات الأخيرة تمت بموافقة الفيلق 6000، وهي وحدة تابعة لفيلق القدس الإيراني الذي يعمل مع الحوثيين في مركز قيادة مشترك. ومع ذلك، يُعتقد أن المجموعة تتلقى معلومات استخباراتية عن الشحن من سفن المراقبة الإيرانية في البحر الأحمر.
  • الضغط المدروس
وتتناسب الحملة الواسعة للحوثيين في باب المندب مع استراتيجية إيران المتمثلة في "الضغط المدروس"، وتجنب شن هجوم شامل على إسرائيل مع الاعتماد على وكلائها الإقليميين لمهاجمتها بعنف من جميع الجوانب، لكنها "لا تملك سيطرة كاملة على هجمات الحوثيين"، بحسب المجلة البريطانية.

وبحسب تقرير الإيكونوميست فإن "الدبلوماسية قد تساعد في تهدئة الأزمة"، مشيرا إلى أن عام 2015 شهد تدخلا عسكريا من السعودية والإمارات في الحرب الأهلية في اليمن لصالح الحكومة المعترف بها دوليا ضد الحوثيين، وانتهى الأمر في مارس 2022 إلى موافقة السعوديين على وقف إطلاق النار، تاركين الحوثيين يسيطرون على العاصمة صنعاء والساحل الغربي الاستراتيجي. ومن المتوقع قريبا الإعلان عن خريطة طريق لجعل وقف إطلاق النار في اليمن دائما وإنهاء الحرب، وربما تصبح الالتزامات بوقف الهجمات الحوثية البحرية جزءًا من أي محادثات، بحسب "الإيكونوميست".

ومع ذلك، يرجح التقرير ردا عسكريا أكبر على تهديد الحوثيين، عبر القوة العمل متعددة الجنسيات، بقيادة البحرية الأمريكية، والتي اقتربت بالفعل من الساحل اليمني في محاولة لردع الحوثيين عن الصعود على متن السفن التجارية بالقوة.
وفي الأسابيع الأخيرة، اعترضت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية والفرنسية طائرات مسيرة وصواريخ حوثية، وطلبت أمريكا من أستراليا إرسال سفينة حربية إلى البحر الأحمر.

وتشتمل إحدى الخطوات التالية المحتملة فرض الحراسة المسلحة على الشحنات التجارية، والتي استخدمتها أمريكا في الثمانينيات خلال ما يسمى بحرب الناقلات بين إيران والعراق، لكن ذلك يتطلب عددًا كبيرًا جدًا من السفن الحربية.
أما البديل الرئيسي عن ذلك فهو ضرب الحوثيين وترسانتهم البحرية بشكل مباشر، وقد وضعت أمريكا وإسرائيل خططًا لمهاجمة مستودعات الجماعة اليمنية ومنصات إطلاق صواريخها.

لكن الولايات المتحدة غير راغبة في توسيع نطاق تدخلها في الشرق الأوسط، ولذا ركزت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على توسيع فرقة العمل بالبحر الأحمر وممارسة الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على إيران.

كما أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة حرب جديدة، خاصة أنها تواجه بالفعل ضغوطا من جانب الولايات المتحدة لحملها على إنهاء هذه المرحلة من الحرب في غزة، كما تشعر بالقلق إزاء حزب الله اللبناني، الذي يطلق الصواريخ على إسرائيل بشكل شبه يومي.

وتخلص "الإيكونوميست" إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها تحاول احتواء التصعيد في باب المندب والبحر الأحمر، لكن إذا استمرت إيران ووكلاؤها الحوثيون في شن الهجمات، التي تُبقي أحد طرق التجارة الرئيسية في العالم مغلقاً، فقد يكون التصعيد أمراً لا مفر منه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى