يا ليت عدن..!!

> تتماهى في قلوب أهل القرية، وترتسم في تباريح أشواقهم، كما لا تزال مخيلة الأديب والفنّان تستلهم دقّة الأحاسيس خلال طريق السّفَر إلى المدينة، حتى أن أحمد الجابري طالما استأنس بأجواء الرحلة من الراهدة إلى عدن، وهو يحدِّق في الجبال والأودية، ويرسم في لوحة قلبه أشجار "العِلب" و"السُّمَر" المنتشرة على طول الطريق، بينما يتقافز فوق أغصانها "طائر الأشجان".

هي أجمل مدن الجنوب التي تسحر اللُّب، وهي مهوى أفئدة الناس من كل الربوع.

ينسِّق العشّاق بين حبّهم لعدن وحبهم للقرية بطريقة بديعة وأسلوب متفرِّد، هذا الجابري مثلًا يعرِّج من "الميْ والرملة" في شواطئ صيرة، ثم يذهب يهيم بالصبايا اللائي يردن الماء من "بئر أملح" في ريف الراهدة..

لنستمع إلى أحمد قاسم وهو يعسجد الكلمات بلحن أثير:

الميْ والرملة

تشهد على حُبّي

نبلة على نبلة

مغروزة بجنبي

باذكّرك بالبحر

والليل في صيرة

وأخاف عليك الجسر

يفلت من الغيرة

الميْ والرملة

ثم يجي أيوب طارش يدهده المشاعر بأوراق ألفاظه:

يا صبايا فوق بير الماء

والدنيا غبش

من يسقّي في الهوى قلبي

ويروي لي العطش

لأجل روحي ترتوي بالحُبِّ

رشّنّي رشَش

واسكبين العِطر من قطر الندى

الندى حالي الوَرَش

كان الأهالي يعتادون إرسال الهدايا من القرية إلى عدن، بعضها من محاصيل الأرض، كالسنابل التي يحرقونها على النار لتصير جهيشًا يؤكل.

الشاعر الجابري ذهب بعيدًا إلى ريف العُدين وهام بسنابل الدُّخن والذُّرة هناك، لكنه لم يجد صوتًا أشجى من المرشدي، ينساب كسحابة تطوف فوق الحقول:

أخضر جهيش مليان

حلا عُديني

بكّر غبش شفته

الصباح بعيني

يملي الجِرار

ريق الندى رحيقه

يا ليتنا ظلُّه

شا سير خلاله

قلبي كَرِب

وزاد من كريبه

كيف اصطبر والناس

تشوف حبيبه

لا هو قدر ولا وصل رسوله

يعطي الجواب

كيف الهوى قولوا لُه

لنعلم نحن أبناء الجنوب أن لنا مدينة تجذب النفوس وتستهوي الأرواح، لكن ماذا فعلنا من أجلها؟!

مدينة تسقي العِطاش وتبرِّد لواعج المشتاقين.. لكن كيف هو حال عدن؟!

بلاد يهيم بها البعيد، ويتمنى أن تٌطوى لهُ الطريق ليسير إليها على الأقدام وروحه تسابقُه..

عدن.. عدن يا ليت عدن مسير يوم

شا سير بليلة ما شرقد النوم..

كنا نتمنى لو أن لعدن محبّون يحملونها بين الضلوع، فيحفظون لها الود، ويوفون لها بالعهد، ولا يبخسونها أشياءها..

كأني بعدن في هكذا حال تناجي "طائر الأشجان" الذي يشكو لها حاله وتشكو له حالها:

طائر الأشجان مايشجيك في تيك الرُّبى مَنْ لوّعك؟

تشتكي مثلي ضنى الأيام في حُبّك وتبكي مربعك..

مَنْ لأحراقي وأشواقي يطفّيها ويمسح أدمُعك؟

إيش معك غير الذي عندي يكفّيني.. ويكفي ما معك..

رحم الله الشاعر أحمد الجابري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى