هآرتس.. الأمن الإسرائيلي: أنفاق غزة تفوق هندستنا وتكنولوجيتنا

> «الأيام» القدس العربي:

> في الأسابيع الأولى للحرب، نظر ضابط في الجيش الإسرائيلي بخيبة أمل في غرفة عمليات إلى خارطة الأنفاق في القطاع الموجود تحت مسؤوليته، وقال: “هذه لم تعد ذات صلة”، قال بامتعاض وألقاها جانباً، وهو يعرف أن قواته قد عثرت على عشرات فتحات الأنفاق والأنفاق في أماكن لم تظهر في الخارطة الموجودة أمامه، التي ارتكزت إلى تقديرات استخبارية. ومثل جهات أخرى في كل المستويات في الجيش الإسرائيلي، فإنهم جميعاً شركاء في الاعتقاد بأن شبكة الأنفاق في قطاع غزة أكبر بكثير مما قدروا في البداية، ومتشعبة أكثر. إضافة إلى ذلك، يزداد الاعتقاد لدى أوساط كبار في الجيش بأن القوات لم تدمر كل أنفاق حماس و”الجهاد الإسلامي” في القطاع، وكما يبدو أيضاً ليس معظمها.

 الجيش الإسرائيلي يقلص القوات في القطاع بعد حوالي ثلاثة أشهر من القتال بمشاعر مختلطة – من جهة، بسبب إنجاز غير مسبوق بتدمير أنفاق وفتحات أنفاق. ومن جهة أخرى، خيبة أمل بسبب بقاء الكثير منها، وكما يبدو لن تدمر أيضاً في المستقبل الكبير. الأنفاق تحت القطاع كانت قائمة حتى قبل إقامة حماس في 1987، والآن يتبين أن الكثير منها سيبقى هناك بعد الحرب الحالية.

منظومة تحت أرضية

 تم حفر الأنفاق الأولى في القطاع بعد احتلاله على يد إسرائيل في حرب الأيام الستة، عندما استخدمتها التنظيمات الإرهابية بشكل قليل لتخزين السلاح والذخيرة. تم تنفيذ الحفر الأول الكبير بعد التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر. عندما تم تقسيم مدينة رفح إلى قسمين في أعقاب الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. تنظيمات إرهابية ومنظمات جريمة وكبار رجال السلطة الفلسطينية وقبائل بدوية وسكان محليين، جميعهم استخدموا الأنفاق لتهريب البضائع والسلاح. في العام 1999 تم اكتشاف النفق الأول لحماس الذي خططت حماس عبره لاختطاف جندي من الجيش الإسرائيلي وتهريبه إلى خارج القطاع والمطالبة بإطلاق سراح مئات المخربين مقابله. كان من بين المخططين يحيى السنوار الذي كان في تلك الفترة في السجن.

 منذ الانفصال في 2005 ازدادت الأنفاق وتوسعت، واعتاش آلاف سكان القطاع من خلال التهريب. في عملية “الرصاص المصبوب” في نهاية 2008 تم تدمير الكثير من الأنفاق في القطاع، لكن المئات منها بقيت عاملة. حل الجيش الإسرائيلي الأول لهذه الظاهرة كان النشاطات في محور فيلادلفيا، وهو قاطع عازل قرب الحدود أقيم في 1982 بعد الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. استمرت في هذه المنطقة مواجهات تحت الأرض بين إسرائيل والفلسطينيين لعقدين، وتم خلالها تفعيل أنفاق تفجير ومهاجمة مواقع الجيش الإسرائيلي وقتل الكثير من الجنود. من ناحيته، قام الجيش بحفر واستخدام المواد المتفجرة لاكتشاف الأنفاق وتدميرها. تطورت الوسائل مع مرور الوقت، لكن بالمقابل تطورت قدرة الفلسطينيين، الذين في كثير من المرات تفوقوا على الجيش في ذلك.

 منذ العام 2005 بدأ الجيش الإسرائيلي في تفجير أنفاق بواسطة القصف في جولات القتال، وفي أوقات التهدئة اعتمد على مصر كي تعمل ضد هذه الأنفاق. ورغم هذه الجهود، فإن الأنفاق ازدادت وتطورت وتعمقت على يد حماس والقبائل البدوية وتمدد “داعش” في شبه جزيرة سيناء، وفيها تم تهريب بالأساس السلاح وأعضاء لتنظيمات إرهابية، الذين خرجوا لإجراء لقاءات تنسيق والتدرب خارج القطاع. بعد ذلك، انتقلت الشبكة تحت الأرض من فيلادلفيا إلى محور هوبرز الموجود على الحدود بين إسرائيل وغزة. وبعد أربعة أشهر على الانفصال، تم اكتشاف النفق الأول قرب معبر إيرز. في حزيران 2006 تم اختطاف جلعاد شاليط في العملية الأولى التحت أرضية التي اجتازت الحدود بعد الانفصال، التي نفذتها حماس وتنظيمات إرهابية أخرى. دخل المهاجمون عبر نفق اخترق 100 متر للحدود تقريباً في منطقة كرم أبو سالم وعادوا مع شاليط في فتحة فتحوها في الجدار الحدودي.

 منذ أن سيطرت حماس على القطاع في 2007 وسعت الأنفاق الهجومية المخترقة للحدود بشكل كبير. في العقد التالي، ركز جهاز الأمن الجهود من أجل تدميرها، لكن النجاح كان جزئياً، وفي عملية “الجرف الصامد” في 2014 اجتاز مخربون بواسطة أربعة أنفاق خارقة للحدود وقتلوا 11 جندياً إسرائيلياً. تحقيق “هآرتس” بعد العملية كشف أن القوات التي دخلت إلى مدخل غزة لم تأت مستعدة لمعالجة الأنفاق ولم تكن لديها الوسائل والتدريب المناسبين. تقارير مراقب الدولة في 2007 و2017 أشارت إلى إخفاقات شديدة في استعداد الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي أمام تهديد الأنفاق.

 لقد مر عقد تقريباً منذ اكتشاف النفق الأول في معبر إيرز في العام 2005 حتى بدأت وزارة الدفاع في الأعمال لهذا العائق التحت أرضي، الذي يشمل جدراناً إسمنتية عميقة ومجسات جيوفونية. استكملت إقامة هذا العائق في نهاية 2021 مع وعود كبيرة، وكانت القيادة العليا الأمنية على ثقة بأنه سيحبط أي هجوم واسع في أراضي إسرائيل، لذلك لم يشعروا بإلحاحية العمل ضد الأنفاق الموجودة داخل القطاع. “العائق أدى إلى انخفاض الاهتمام بموضوع الأنفاق في القطاع بشكل كبير على مستوى الإشارة إلى الأخبار الهامة”، قال مصدر استخباري يتابع منذ سنوات حماس بالإشارة إلى سلم الأولويات لدى الأجهزة الاستخبارية. “هذا ليس لأننا لم ننشغل بهذا الأمر، لكنه شعور لدى الجهاز بأن هذه الأنفاق ما لم تجتز الحدود فإنها أقل تهديداً لنا”. لم ينجح العائق في اختبار الواقع في 7 تشرين الأول. فالجدار الموجود فوق الأرض تم إهماله، وأكثر من 250 مخطوفاً ابتلعتهم أنفاق القطاع.

مسألة وقت – ثمن

 في عملية “حارس الأسوار” في 2021 شن الجيش الإسرائيلي عملية “جنوب أزرق”، التي سميت أيضاً عملية “المترو”. كانت الخطة جعل رجال حماس يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي سيهاجم كي يختبئوا في الأنفاق. عندها يتم تفجيرها بالقصف، وهكذا سيقتل مئات وربما آلاف المخربين تحت الأرض. عملياً، قتل عدد قليل من المخربين، وفشلت محاولة التمويه. ولكن حتى لو نجحت هذه العملية، فقد تبين في هذه الحرب أن الجيش لم يعرف في حينه جميع أماكن الأنفاق، وهكذا أمكن لحماس نشر رجالها في نقاط كثيرة تحت الأرض.

 الافتراض العملياتي للجيش الإسرائيلي في بداية الحرب الحالية هو أن التهديد الأساسي من الأنفاق استخدامها كنقطة خروج لكمائن ضد قواته. ولكن كمائن الأنفاق في العملية البرية الحالية قليلة نسبياً. “حسب معرفتنا عن تشكيلة قوات حماس، اعتقدت أننا سنشاهد المزيد من الكمائن من جراء الأنفاق”، قال أحد ضباط الألوية المقاتلة.

 في البداية، اعتبر الجيش الإسرائيلي ذلك أفضلية. وتحركت الفرق من خط شاطئ غزة نحو الشرق بقوات مدرعة. “بدلاً من التوقف عند الأنفاق، نمر فوق الأنفاق”، قال جنرال إسرائيلي في تلك الفترة. ولكن بالتدريج، تسرب إدراك لدى الجيش بأن شبكة الأنفاق أكبر ومتشعبة أكثر مما قدر، وأن استخدامها الرئيسي من قبل حماس ليس لمهاجمة الجيش الإسرائيلي، بل حماية قواتها.

 والافتراض أنه كان يكفي “احتلال” الأراضي الموجودة فوق الأنفاق لبضعة أسابيع لإجبار رجال حماس، بسبب نقص الأوكسجين والطعام والمياه، على الخروج إلى الخارج، ولكن تبين أنه افتراض خاطئ؛ ليس فقط لأن الأنفاق مزودة جيداً للمكوث لفترة طويلة، بل لأنها سمحت أيضاً بالانتقال بين عدة مناطق في المدينة والقطاع. خلال القتال، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تدمير كتائب لحماس في شمال القطاع، لكنه وجد نفسه يقاتل بقايا هذه الكتائب في قطاعات مختلفة، وعندما وجدت علامات على وجود مخطوفين في أنفاق، كان قد تم نقل هؤلاء المخطوفين منذ فترة طويلة إلى نفق آخر.

 في صالح سلاح البر، بالأساس سلاح الهندسة، يجب القول إنهم أخذوا تحدي الأنفاق في السنوات الأخيرة على محمل الجد. تم توسيع طواقم وحدة “يهلوم” ومعداتهم التكنولوجية للتحقيق في الأنفاق. الوحدات الخاصة، من بينها “عوكتس”، تدربت في المدى التحت أرضي وتم تشكيل طواقم خاصة لتدمير الأنفاق الأكبر، وحسنت قوات الهندسة الأخرى من قدراتها التحت أرضية، وتم تطوير مواد متفجرة جديدة لمكافحة الأنفاق.

 ولكن كل ذلك لم يكن كافياً. فقد كشف قادة في الميدان أن الكتائب احتاجت في بعض الأحيان إلى بضعة أيام وحتى أسابيع للعثور على الأنفاق وتدمير المئات منها. في هذه الأثناء، كان يجب على مئات الجنود المكوث في ساحة المعركة والدفاع عن أنفسهم وتأمين قوات الهندسة. وفي المحيط المدني الذي يخلو من الكمائن أو الصواريخ مضادة للدروع، فإن تدمير مئات الكيلومترات من الأنفاق تبدو عملية هندسية معقدة وواسعة وتحتاج إلى أشهر طويلة. حسب منشورات في وسائل الإعلام الأجنبية، فإن الجيش علق الآمال على مشروع باسم “أطلانتس”، الذي سيتم في إطاره ضخ مياه البحر إلى الأنفاق على أمل إغراقها. نشرت هيئة “كان 11” أن هذا المشروع الريادي كان ناجحاً. عملياً، هناك شك في أنه تم تسجيل أضرار ملموس جراء هذه العملية، وربما كان الهدف من نشرها جعل المقاتلين في الأنفاق يهربون إلى سطح الأرض.

 في الأسبوع الماضي، اقتبس ضباط كبار في “نيويورك تايمز” حيث قدروا بأن طول شبكة الأنفاق في القطاع يبلغ نحو 700 كم، هذا خلافاً لتقديرات استخبارية كانت في البداية تبلغ 400 كم. أحد قادة الألوية الذي عمل ضد الأنفاق في مدينة غزة، قال في الشهر الماضي: “الأمر يتعلق بمسألة الوقت المتاح لنا هنا، والثمن الذي نحن مستعدون لدفعه”. بعد ذلك، غادر هذا القائد القطاع، في حين أن جزءاً فقط من الأنفاق تم تدميره.

 سيضطر جهاز الأمن للاعتراف بأن تدمير الأنفاق كان من البداية هدفاً غير واقعي، وأن الجيش الإسرائيلي ربما يمكنه التعامل معها كتهديد عسكري، لكنها ستبقى تحت غزة. وكما قال المهندس يئير رماتي، الذي لم يتعامل في أي يوم مع الأنفاق ولكنه يعتبر أحد الآباء لخطة الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ: “سيكون لإسرائيل تفوق تكنولوجي في السماء، لذا ستحاول حماس دائما جرنا إلى تحت الأرض”.

 انشل بابر

 هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى