مرت الذكرى (48) على مغادرته الأبدية لنا وتركنا بين الشك واليقين، كيف مات؟! وما السبب؟! لم يعانِ مرضًا ولم نره واهنًا! كان ذلك قدره وكانت تلك مشيئة الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إنه الأستاذ العبقري، الإنسان الطيب، الصحفي السياسي، المفكر التنويري الذي لو كان يعيش، حتى يومنا هذا؛ فهل كنا سنصل إلى ما نحن عليه اليوم من معاناة، نتيجة الوحدة التي كان هو أول من أطلق شعارها وطالب بيمن ديمقراطي موحد؟!

فقيدنا العظيم عبدالله عبدالرزاق باذيب، عبقري زمانه؛ فأفكاره السياسية التي كان أول من أطلقها والتي كانت نبراسًا لنا، منذ صبانا، حول الاشتراكية العلمية واليمن الديمقراطي الموحد، ما زالت في أعماقنا، لكن، ما هو شكل نظام اليمن الموحد الذي كان يحلم به الأستاذ والمفكر باذيب؟!

في مقالٍ له تحت عنوان (هذه هي القضية في اليمن) والتي نشرها في الذكرى الأولى لثورة 26 سبتمبر، كان الفقيد عبد الله باذيب، يروم إلى يمن حر وديمقراطي موحد، منتقلًا من عصر التخلف والرجعية الكهنوتية في الشمال ومن عصر الاحتلال البريطاني في الجنوب، لبناء يمن عصري متقدم، مؤكدًا، دومًا، على وجود اشتراطات للوحدة بين البلدين وهي: تأسيس جيش يمني مسؤول عن حياض الوطن وحماية الثورة والنظام الجمهوري، هزْم العدوان الرجعي الاستعماري، سحق فلول الملكية، تصفية مخلفات العهد البائد وآثار حكم الإقطاع والعصور الوسطى، خلق مشاريع إصلاحات جديدة، استثمار موارد وثروات الوطن وتفجير طاقات الشعب الحبيسة، عملًا وخلقًا وإبداعًا والقضاء على الطائفية المتخلفة.

كان ذلك حلم فقيدنا باذيب في خلق اليمن الواحد والموحد، اليمن الديمقراطي والمتقدم والقوي وليس يمن اليوم! كان دائمًا يتحدث عن ضرورة الاهتمام بالإنسان في اليمن، شمالًا وجنوبًا والارتقاء بمستوى وعيه وثقافته، ليتمكن من النهوض بوطنه، في مختلف مجالات العمل والدفاع عنه والمباهاة به أمام الأمم الأخرى.

إن اليمن الديمقراطي الموحد في فكر السياسي العبقري، باذيب، لا يتحقق بمجرد التوقيع على ورقة، بل على توفر عوامل واشتراطات تحقيقه. لذلك؛ فإن الوحدة التي تمت في 22 مايو عام 1990م، إنما كانت بين نظامين سياسيين مختلفين وثقافتين مختلفتين وكان الهدف من الاستعجال في الإعلان عن الوحدة المشؤومة، هو رغبة نظام صنعاء في الاستحواذ على الجنوب، الغني بثرواته الطبيعية والانقضاض على نهضته في مختلف جوانب الحياة، لذلك أُعلنت الحرب عليه وتدمير كل منجزاته ومكتسبات شعبه، منذ الاستقلال. والخطأ الذي ارتكبه ساسة النظام السياسي في الجنوب، يكمن في تغليب العاطفة على العقل واعتقادهم بأن مستوى الوعي السياسي والثقافي عند الجنوبيين، كفيل بأن يؤثر على وعي وثقافة الإنسان في الشمال وغاب عن أذهانهم أن تعداد شعب الجنوب، آنذاك، مليون ونصف نسمة، فيما كان الجانب الآخر يبلغ اثنا عشر مليون نسمة.

الرحمة والمغفرة للأستاذ، المفكر والعبقري عبدالله عبدالرزاق باذيب الذي لو كان بين ظهرانينا؛ ما كان حالنا، كما هو عليه اليوم!