بدا أن ضوءًا عند باب النَّفَق، شَرَعَ يستكشف أخبار البلد.. الشعب حزين البتّة بسبب الغلاء:
"تصل إليها أضخم السُّفن التي تفرغ حمولتها من فاخر اللباس، وأغلى العطور، وأثمن الجواهر"
حين تسأل بعض الوافدين من أرياف ومدن البلد.. لِمَ تأتون إلى عدن؟
وحين تلحُّ بالسؤال: وهل في عدن رزق، وفُرصة عمل؟!
اسمعوا يا قوم.. في عدن رزق.. بل رزقٌ وفير..
اليوم الأهالي حُرِموا من "الروتي" كوجبة عشاء اعتادوا عليها منذ عقود.. أتدرون لماذا؟
بينما يستطلع العليمي بن مبارك من الرياض عن أخبار البلد.. "كأنهُ لم يعلم!!
سَمِعَ الناس عن فتْح ملفات فساد، لابأس.. ربما "أشرق المسعى" يا لطفي أمان!
أليست هي عدن التي قال عنها ابن البرهان: "المقيم بها في مكاسب وافرة، وتجائر مربحة، لا يبالي ما يغرمه بالنسبة إلى الفائدة، ولا يفكِّر في سوء المقام لكثرة الأموال النامية".
اقفزي يا عدن:
اقفزي.. من ذروةِ الطودِ لأعلى الشُّهبِ..
اقفزي.. فالمجدُ بسّام السناء عن كَثَبِ..
هل من وثبَة إذَنْ، يا مدينة لطفي؟!
أين طعامكِ الذي كان يشبع منه الرائح والغادي؟
يابلادي.. يا ثرى جدّي وابني وأبي..
يا رحيبًا في وجودي لوجودٍ أرحبِ..
نختم مع لطفي الأنيق، الشاعر والأديب والخطّاط والرسّام وهو يبشِّر:
والسناء يغمرُ أُفقي وطريقي الذهبِ..
يا بلادي كلّما أبصرتُ شمسان الأبي
شاهقًا في كبرياءٍ حُرّةً لم تغلبي
صحِتُ يا للمجد في أسمى معالي الرُّتَبِ..
سلامًا على لطفي حيًّا وميّتًا..
كانت عدن أغنى المدن، قال عنها المؤرخون:
اليوم يعوز أهالي المدينة "كيلو طماط واحد"!
يقولون: نبحث عن الرزق.. "نشقى" من أجل قُرص العيال..
يقولون: نعم.. "جازمين"..
هذه شهادة من التاريخ عن عدن الغنيّة.. جاء في كتاب "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" عن عدن: لا يخلو أسبوع بها من عدة تجار، وسُفن، وواردين، وبضائع شتى، ومتاجر منوّعة"..
لأن القرص الواحد من "الروتي" الصغير الضعيف الضئيل بـ"100" ريال!
كانت عدن أيام الدكاكين غنيّة، فتحولت أيام المولات إلى فقيرة!
لهفي على أطفال حارة القاضي وكل حواري المدينة.. "هل شبعوا من البطاطس"؟!
ليستكشف الشعب الآن الثقب الذي يلتهم المال العام..
اقفزي.. من ذروةِ الطودِ لأعلى الشُّهبِ..
اقفزي.. فالمجدُ بسّام السناء عن كَثَبِ..
اقفزي.. فالمجدُ مادانَ لِمَنْ لم يثبِ..
لن يدوم الحال بؤسًا يا عدن.. فـ"دوام الحال من المحال"، لكن يخبركِ ابن حارة القاضي لطفي أمان أنْ "اقفزي"!
أين ماءكِ الذي كان يسقي العِطاش الهائمين على وجوههم؟
أين ضوؤكِ الذي كان يملأُ الآفاق، وينير طريق التائهين؟
يا بلادي.. يا نداءً هادرًا يعصفُ بي..يابلادي.. يا ثرى جدّي وابني وأبي..
يا رحيبًا في وجودي لوجودٍ أرحبِ..
يا كنوزًا لا تساويها كنوز الذهبِ..
لقد حلّق لطفي أمان في بلاد العربِ كلها خلال قصيدته، لكنه ابنُ عدن حيث ثرى جدّه وابنهِ وأبيه، وهي في القلب من بلاد العروبة، وقد سُميت "العربية السعيدة" كما سُميت "الثغر المحروس"، أجمل مدن "الجنوب" التي بلغت شهرتها الآفاق..
أشرقَ المسعى.. فللنور شذىً من مطلبي..
يا قومنا.. لِمَنْ يسأل عن الجنوب.. وكيف حالُه - بعيدًا عن صراع الساسة - هو بخيرٍ كشمسان رغم الرياح العاتية..
شاهقًا في كبرياءٍ حُرّةً لم تغلبي
صحِتُ يا للمجد في أسمى معالي الرُّتَبِ..
سلامًا على لطفي حيًّا وميّتًا..