> عبدالواسع الفاتكي:

الميليشيات الحوثية هي جماعة دينية، تعتنق المذهب الجارودي الإثنى عشري، تأسست في محافظة صعدة تحت رعاية ودعم وإسناد إيراني، دشنت حروبها ضد الدولة اليمنية في عام 2004 حتى أسقطت العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وما زالت حتى اللحظة الراهنة تشن حربا ضد الشعب اليمني ومؤسسات الدولة الشرعية والقوى المناهضة لها، صارخة بصرختها المعروفة الموت لأميركا والموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام، متمددة ومسيطرة على أجزاء من اليمن، مستخدمة العنف المفرط والقتل والتهجير القسري للسكان، وفتحت المعتقلات؛ لتعذيب المخالفين لها، متهمة لهم بأنهم عملاء لإسرائيل وأميركا، وعندما يدمر أفراد جماعة الحوثيين المساجد أو منازل معارضيها يرددون صرختهم، وكأن من دمروا منازلهم أميركيون أو إسرائيليون.

حرصت ميليشيات الحوثيين، ومازالت أن تقدم نفسها منذ أن أنشأت في خروجها المسلح على الدولة اليمنية بأنها ضمن المحور المعادي لإسرائيل، والذي تقوده إيران متخذة من الصرخة دليلا يثبت صحة مزاعمها، مبررة تمردها على مؤسسات الدولة، وسلوك العنف والقتل، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ومصادرة أموال خصومها وتهجير السكان، بأن ذلك نصرة لفلسطين ودعما للقضية الفلسطينية، ومقاومة لإسرائيل وأميركا؛ على اعتبار أنها تقاتل عملاء ومرتزقة لتل أبيب وواشنطن؛ فهي تنظر للآخرين الذين لا يعتنقون مذهبها بأنهم عملاء ومشكوك في ولائهم ونصرتهم لفلسطين.

بعد طوفان الأقصى الذي انطلق في 7 أكتوبر 2023، وجدت جماعة الحوثيين فرصة ثمينة؛ لتسجيل موقف لها تؤكد من خلاله سرديتها المزعومة في عداء إسرائيل، مستغلة التعاطف الشعبي اليمني الكبير مع الشعب الفلسطيني وسكان غزة، مغطية بذلك على الجرائم التي ارتكبتها في حق اليمنيين، متسببة بانقلابها العسكري بقتل مئات الآلاف من اليمنيين، وحصارها المدن لسنوات عدة كحصار مدينة تعز، وتحويل اليمن لساحة حرب لتصفية حسابات إقليمية ودولية.

تبنت ميليشيات الحوثيين منذ نوفمبر من العام الماضي 2023 قيامها بقصف مناطق داخل إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولا يكاد يمر أسبوع حتى يطل الناطق العسكري باسمها؛ ليعلن عن تنفيذ هجوم على أهداف في إسرائيل، تزامنت هذه المواقف من قبل ميليشيات الحوثيين مع مواقف أخرى، تتمثل باستهداف خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي عبر سلسلة من العمليات العسكرية، التي تبنتها ضد السفن المتجهة لإسرائيل أو تلك السفن المرتبطة بإسرائيل وأميركا، وهو ما استدعى تكوين تحالف سمي بتحالف حارس الازدهار، بقيادة الولايات المتحدة؛ بغرض حماية السفن التجارية من هجمات ميليشيات الحوثيين، التي عللت تلكم الهجمات بنصرة غزة وفك حصارها ووقف الحرب عليها وفرض حصار اقتصادي على إسرائيل.

تبنت ميليشيات الحوثيين عددًا من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على تل أبيب؛ ما دفع الكيان الصهيوني للتوعد بالرد، وبالفعل قامت طائرات العدو الصهيوني باستهداف ميناء الحديدة مدمرة عددا من مستودعات النفط وخزانات وقود محطة الكهرباء، كما ذهب ضحية هذا العدوان الإسرائيلي عدد من المدنيين وأصيب عدد آخر.

ينظر اليمنيون لموقف ميليشيات الحوثيين وأفعالها المتعلقة بما يحدث في غزة بأنه في سياق استغلال ما يجري؛ لتكسب ميليشيات الحوثيين شرعية إقليمية وداخلية استغلتها في تجنيد عشرات الآلاف من الشباب؛ لتهيئتهم لخوض معارك جديدة ضد السلطة الشرعية؛ لإسقاط بقية المناطق الخارجة عن سيطرتها، كما أن ميليشيات الحوثيين تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها في مواقفها الداخلية أو المتصلة بفلسطين تتلقى التوجيهات من طهران، وترهن تلكم المواقف لخدمة أهداف إيران ومصالحها في المنطقة.

كيف لجماعة انقلبت على مؤسسات الدولة الشرعية، وارتكبت مجازرًا ضد المدنيين نساء وأطفالا وشيوخا أن يكن موقفها من فلسطين، وما يجري فيها موقفًا صادقًا وحقيقيًا، وينطلق من موقف أخلاقي وعروبي؟! فأنى لجماعة داست على كل القيم والمبادئ والأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية، وارتكبت جرائم شنيعة، وانتهاكات جسيمة بحق اليمنيين، أن يكن لها ذلكم الموقف الداعم لفلسطين وغزة والمقاوم الكيان الإسرائيلي، والذي تحاول تصويره وتصديره للرأي العام العربي والإسلامي؟!

لا تهتم ميليشيات الحوثيين بأي تداعيات عسكرية أو اقتصادية أو إنسانية؛ جراء سيناريوهات الهجمات المتبادلة بينها وبين الكيان الإسرائيلي، فهي جماعة تعيش على الحرب، وترى بأن الحرب تمنحها مشروعية البقاء في المناطق التي مازالت تحت سيطرتها، وتوفر لها فرصة التهرب من أي التزامات خدمية تجاه المواطنين القاطنين في مناطقها، فهي تتمنع عن صرف الرواتب للموظفين منذ عدة سنوات، رغم إيراداتها الضخمة من ميناء الحديدة والاتصالات والضرائب وتجارة السوق السوداء خاصة تجارة المشتقات النفطية.

من المحتمل أن تستمر ميليشيات الحوثيين في إطلاق صواريخ أو طائرات مسيرة نحو إسرائيل، أو تكثف من هجماتها على خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي، في المقابل من الممكن أن ترد إسرائيل بشن غارات جوية على أهداف مدنية في المناطق التي مازالت تحت سيطرة ميليشيات الحوثيين، وهو ما سيتيح لها أوراقا إعلامية وسياسية، تقنع من خلالها المشككين في عدائها لإسرائيل بأنها فعلا في حالة حرب مع تل أبيب.

على فرض استمرار التصعيد بين ميليشيات الحوثيين والكيان الصهيوني فإن المنطقة تتجه نحو مزيد من التواجد العسكري الغربي في المياه الإقليمية العربية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي، وهو ما يخدم توجه نتنياهو لجر المنطقة لحرب شاملة؛ للخروج من المأزق الذي وصل إليه، فهو يرى أن توسيع الحرب يوفر له دعما كبيرا من واشنطن وحلفائها، ويوفر له خلط الأوراق؛ ليهرب إلى الأمام خاصة بعد الخسائر السياسية والأخلاقية، التي خسرتها إسرائيل في المجتمعات والشعوب الغربية توجت بإصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرات اعتقال بحقه وحق وزير دفاعه السابق.

توفر الميليشيات الحوثية مبررات الحضور العسكري الغربي في خطوط الملاحة البحرية، وتؤدي مهمة ثمينة لاستمرار الصراع في اليمن والمنطقة، طالما أن ذلك يصب في مصالح التدخل الغربي في الشرق الأوسط، وقبل ذلك خدمة وتحقيق الأجندة الإيرانية، التي تتلاقى مع أهداف الغرب في زعزعة استقرار العرب؛ عبر استمرار الحروب الطائفية، التي تكفلت إيران بقيادتها، ملتحفة بلحاف القضية الفلسطينية وعداء أميركا وإسرائيل.

"ميدل إيست"