حلّ رمضان على اليمنيين هذا العام كما حل عليهم في الأعوام الماضية مثقلاً بالأزمات التي أفرزتها الحرب والصراعات الداخلية، ليحرمهم من أجواء الشهر الكريم التي كانوا يعيشونها في السابق. فبينما يُفترض أن يكون رمضان شهر الرحمة والتآخي، تحوّل في اليمن إلى موسم للمعاناة المتفاقمة، حيث يجد ملايين اليمنيين أنفسهم غارقين في الفقر، غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الطعام والماء والدواء.
  • رمضان في ظل الحرب والجوع
أدت الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات إلى انهيار الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر والجوع إلى مستويات غير مسبوقة، حيث بات أكثر من 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ومع حلول رمضان، تتضاعف معاناة الأسر الفقيرة التي بالكاد تجد قوت يومها، في وقت ترتفع فيه أسعار السلع الأساسية بشكل جنوني نتيجة للاحتكار وانهيار العملة.

في مدن مثل صنعاء وعدن وتعز، يشكو المواطنون من عدم قدرتهم على شراء احتياجاتهم الرمضانية المعتادة. فالتمر، الذي كان رمزًا للإفطار في كل بيت يمني، أصبح رفاهية لدى البعض، فيما تحوّل الحليب والعصائر إلى سلع نادرة لا يقدر على شرائها إلا القلة. أما اللحم، فصار حلمًا بعيد المنال للكثير من العائلات التي تعتمد على ما توفره المنظمات الإنسانية من مساعدات غذائية شحيحة.
  • مشاهد من البؤس والحرمان
في الأسواق، تبدو الحركة خجولة، فلا زحام المعتاد ولا أصوات الباعة التي تعلن عن بضائعهم. النساء يجوبن الأسواق بأعين يملؤها الحزن، يبحثن عن أقل الأسعار لتوفير أبسط مائدة رمضانية. أما الأطفال، فعيونهم ترنو إلى المخبوزات والحلويات التي اعتادوا عليها في رمضانات سابقة، لكنها اليوم بعيدة المنال بسبب الغلاء الفاحش.

في المقابل، تنتشر مشاهد التسول بشكل غير مسبوق في شوارع المدن، حيث تضطر العائلات إلى إرسال أطفالها لاستجداء المارة بحثًا عن لقمة تسد رمقهم. وفي بعض المناطق، تتجمع النساء قرب المطاعم في انتظار بقايا الطعام، بينما يفتقر كثير من الصائمين حتى إلى الماء النظيف لكسر صيامهم.
  • أين المساعدات الإنسانية؟
رغم تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن، إلا أن الفساد وسوء التوزيع حرم الكثيرين منها، حيث يتم استغلالها سياسيًا وعسكريًا من قبل الجماعات المسيطرة. فالمنظمات الإغاثية تشكو من عراقيل تضعها السلطات المحلية، فيما يشكو المواطنون من عدم وصول المساعدات إليهم إلا عبر وساطات وشبكات محسوبية.
  • موائد تجار الحرب عامرة بما لذ وطاب
وبينما يعاني الشعب من الجوع والفقر، تظل موائد المسؤولين وتجار الحروب عامرة بما لذ وطاب. هؤلاء الذين جعلوا من الحرب مصدر ثراء لهم، استغلوا الأزمة لصالحهم، فتضخمت أرصدتهم من تجارة السلاح والوقود والمساعدات الإنسانية التي يتم التلاعب بها وبيعها في السوق السوداء. وفي حين لا يجد الفقير ما يفطر عليه، تتكدس أطباق المشويات والمأكولات الفاخرة على موائد من يعتاشون على معاناة الناس، في مشهد يجسد أبشع صور الفساد والاستغلال.
  • رمضان.. بين الفقر والتضامن
ورغم هذه الظروف القاسية، لا يزال التكافل الاجتماعي حاضرًا في بعض المناطق، حيث يبادر الخيرون إلى تقديم وجبات الإفطار للصائمين المحتاجين، وتوزيع السلال الغذائية على الأسر الأشد فقرًا. كما أن المساجد ما زالت تؤدي دورها في جمع التبرعات وتوزيعها على المحتاجين، في محاولة لتخفيف وطأة الجوع ولو بشكل جزئي، لكن هذه الجهود تبقى محدودة أمام حجم الكارثة الإنسانية التي تعصف بالبلاد، مما يجعل رمضان في اليمن شهرًا تختلط فيه مشاعر العبادة والخشوع مع الألم والحاجة، في انتظار فرج قد يأتي بوقف الحرب وإنهاء المعاناة التي طال أمدها.