> ربى عياش:
تمامًا كما يحدث اليوم، هكذا كانت تُحاك الحروب العالمية، وهكذا كانت وتيرتها. الحروب العالمية التي شاهدناها كأفلام من تسعين دقيقة، أو قرأنا عنها في كتب لا تتجاوز المئة صفحة، كانت تسير في الواقع بوتيرة غامضة، متكررة، مستنزفة للدول وللأفراد، ومخطط لها بعناية، بشكل يشبه ما يحدث اليوم، وما نشاهده على شاشات التلفاز وعلى مسرح مواقع التواصل الاجتماعي.
قصف كثيف، ثم صمت على هيئة مفاوضات شكلية لا تلبث أن تُهجر، يتبعهما سباق تسلّح واستعراض للقوة بين أطراف متعددة.. تهديدات، بيانات، وعيد، تحذير ورفع من وتيرة الخوف والتأهب في الشرق الأوسط، وصدى ترددات الخوف يصل إلى العالم أجمع.
دعوات لضبط النفس لمنع التصعيد، في وقتٍ أضحت فيه الخرائط من رماد، تتغير على وقع كل صاروخ يُطلق، وكل تحذير يُنشر.
وفي الخلفية، يتحرك الإعلام كأداة تعبئة وتوجيه، تمامًا كما حدث خاصة في الحرب العالمية الثانية؛ يرفع المعنويات تارة، ويكسر أخرى، يقلب الشعوب على حكّامها، يحاول تغيير أنظمة وتثبيت أخرى، ويعيد تشكيل وعيها باسم “الحقيقة”.
هذا تمامًا ما حدث قبل ثمانين عامًا. وتمامًا كما يحدث اليوم، في ذروة الحشد والتصعيد.
قذف وصراع بين طهران وواشنطن وتل أبيب، والعالم كله يقف على الحافة. يتأهب، يستعد، يخاف، يدعم، يستنكر. بينما الكل يصرخ: “شرق أوسط جديد!” لكن، أي جديد؟ كل “شرق أوسط جديد” يُعلَن عنه لا يكون إلا نسخة مشوّهة من قديمه.
هذه البقعة لا تبرأ من جراحها، بل تعيد إنتاجها، وتورثها من جيلٍ إلى جيل. صراع تلو آخر، توتر لا ينتهي، وعمر شعوبها يُبدد بين خراب وآخر، وأحلامهم أضحت سرابًا، ومستقبلهم مشوَّش، ولقمة عيشهم مغمّسة بعلقم الواقع.
الاستقرار؟ مجرد هدنة قصيرة، وقت مستقطع بين شوطين من الحرب.
اليوم، نشاهد إيران وإسرائيل في سباق تسلّح علني، وفي سباقٍ أخطر على من يملك الرواية. كل طرف يكشف عن أسلحة جديدة، ويخفي خسائره، ويحاول حشد جمهوره عبر الدعاية، تمامًا كما كانت تفعل الأنظمة في الحرب العالمية الثانية.
لكن ثمّة عنصر جديد قلب المعادلة: وسائل التواصل الاجتماعي. لم تعد الكاميرا حكرًا على الجيوش أو الصحافيين؛ باتت في يد الجميع. وأصبح التحكم في السردية مستحيلًا تقريبًا. مهما حاولوا، دائمًا هناك ثغرة وقدرة على رؤية الواقع.. كل صورة تُسرّب، وكل مشهد يُوثّق، يمكن أن يُفجّر السردية الرسمية لأي طرف.
وهذا ما يجعل الحروب الحديثة أكثر فوضوية، وأكثر قسوة، لأنها تُعرّي ذاتها أمام الجميع، بلا أقنعة ولا مونتاج. الفرق الوحيد، وربما الأخطر، أن العالم بات أكثر اعتيادًا على العنف، وأكثر لامبالاة. وهذا أمر مرعب.
على وقع صواريخ إيران وتل أبيب وواشنطن، نسي العالم غزة.. البقعة الفاصلة في تاريخ السنوات الحديثة. اللحظة الفارقة في حاضر ومستقبل المنطقة، والتي غيّرت وجه الشرق الأوسط إلى الأبد.
كل هذا الدمار يُبثّ مباشرًا، والجثث تُنشر على منصات الترند، ثم تُنسى بعد يومين. تمامًا كما تم ضرب هيروشيما وناغازاكي، ولم يبقَ من كثير من اليابانيين سوى “ظل”.. ثم ماذا؟ ثم نسيهم العالم على وقع عبارة “الحياة تستمر..”
لم نتغير كثيرًا حقًّا خلال ثمانين عامًا. ما زلنا في ذات اللااكتراث واللامبالاة، وفي ذات سلم الانحدار الإنساني والقِيَمي بشكل جمعي. أصبحنا نعيش في زمن “اللاحدث”، حيث كل شيء يحدث.. ولا يحرّك ساكنًا.
ومع كل إعلان عن “شرق أوسط جديد”، يُعاد رسم الحدود، لا لإيجاد حلول، بل لإنتاج أزمات مستدامة. حدود مشكوك بها، مرسومة وفق توازنات سلاح ونفوذ، لا وفق إرادات شعوب.
شرق أوسط مسموم منذ ولادته السياسية، يُعاد تدويره كل مرة تحت لافتة جديدة. إننا لا نعيش لحظة نادرة في التاريخ، بل لحظة سقيمة مكرّرة. لحظة يعتقد فيها كل طرف أنه قادر على حسم شكل العالم، بينما تتآكل الشعوب بصمت وعلى الهامش.
قصف كثيف، ثم صمت على هيئة مفاوضات شكلية لا تلبث أن تُهجر، يتبعهما سباق تسلّح واستعراض للقوة بين أطراف متعددة.. تهديدات، بيانات، وعيد، تحذير ورفع من وتيرة الخوف والتأهب في الشرق الأوسط، وصدى ترددات الخوف يصل إلى العالم أجمع.
دعوات لضبط النفس لمنع التصعيد، في وقتٍ أضحت فيه الخرائط من رماد، تتغير على وقع كل صاروخ يُطلق، وكل تحذير يُنشر.
وفي الخلفية، يتحرك الإعلام كأداة تعبئة وتوجيه، تمامًا كما حدث خاصة في الحرب العالمية الثانية؛ يرفع المعنويات تارة، ويكسر أخرى، يقلب الشعوب على حكّامها، يحاول تغيير أنظمة وتثبيت أخرى، ويعيد تشكيل وعيها باسم “الحقيقة”.
هذا تمامًا ما حدث قبل ثمانين عامًا. وتمامًا كما يحدث اليوم، في ذروة الحشد والتصعيد.
قذف وصراع بين طهران وواشنطن وتل أبيب، والعالم كله يقف على الحافة. يتأهب، يستعد، يخاف، يدعم، يستنكر. بينما الكل يصرخ: “شرق أوسط جديد!” لكن، أي جديد؟ كل “شرق أوسط جديد” يُعلَن عنه لا يكون إلا نسخة مشوّهة من قديمه.
هذه البقعة لا تبرأ من جراحها، بل تعيد إنتاجها، وتورثها من جيلٍ إلى جيل. صراع تلو آخر، توتر لا ينتهي، وعمر شعوبها يُبدد بين خراب وآخر، وأحلامهم أضحت سرابًا، ومستقبلهم مشوَّش، ولقمة عيشهم مغمّسة بعلقم الواقع.
الاستقرار؟ مجرد هدنة قصيرة، وقت مستقطع بين شوطين من الحرب.
اليوم، نشاهد إيران وإسرائيل في سباق تسلّح علني، وفي سباقٍ أخطر على من يملك الرواية. كل طرف يكشف عن أسلحة جديدة، ويخفي خسائره، ويحاول حشد جمهوره عبر الدعاية، تمامًا كما كانت تفعل الأنظمة في الحرب العالمية الثانية.
لكن ثمّة عنصر جديد قلب المعادلة: وسائل التواصل الاجتماعي. لم تعد الكاميرا حكرًا على الجيوش أو الصحافيين؛ باتت في يد الجميع. وأصبح التحكم في السردية مستحيلًا تقريبًا. مهما حاولوا، دائمًا هناك ثغرة وقدرة على رؤية الواقع.. كل صورة تُسرّب، وكل مشهد يُوثّق، يمكن أن يُفجّر السردية الرسمية لأي طرف.
وهذا ما يجعل الحروب الحديثة أكثر فوضوية، وأكثر قسوة، لأنها تُعرّي ذاتها أمام الجميع، بلا أقنعة ولا مونتاج. الفرق الوحيد، وربما الأخطر، أن العالم بات أكثر اعتيادًا على العنف، وأكثر لامبالاة. وهذا أمر مرعب.
على وقع صواريخ إيران وتل أبيب وواشنطن، نسي العالم غزة.. البقعة الفاصلة في تاريخ السنوات الحديثة. اللحظة الفارقة في حاضر ومستقبل المنطقة، والتي غيّرت وجه الشرق الأوسط إلى الأبد.
كل هذا الدمار يُبثّ مباشرًا، والجثث تُنشر على منصات الترند، ثم تُنسى بعد يومين. تمامًا كما تم ضرب هيروشيما وناغازاكي، ولم يبقَ من كثير من اليابانيين سوى “ظل”.. ثم ماذا؟ ثم نسيهم العالم على وقع عبارة “الحياة تستمر..”
لم نتغير كثيرًا حقًّا خلال ثمانين عامًا. ما زلنا في ذات اللااكتراث واللامبالاة، وفي ذات سلم الانحدار الإنساني والقِيَمي بشكل جمعي. أصبحنا نعيش في زمن “اللاحدث”، حيث كل شيء يحدث.. ولا يحرّك ساكنًا.
ومع كل إعلان عن “شرق أوسط جديد”، يُعاد رسم الحدود، لا لإيجاد حلول، بل لإنتاج أزمات مستدامة. حدود مشكوك بها، مرسومة وفق توازنات سلاح ونفوذ، لا وفق إرادات شعوب.
شرق أوسط مسموم منذ ولادته السياسية، يُعاد تدويره كل مرة تحت لافتة جديدة. إننا لا نعيش لحظة نادرة في التاريخ، بل لحظة سقيمة مكرّرة. لحظة يعتقد فيها كل طرف أنه قادر على حسم شكل العالم، بينما تتآكل الشعوب بصمت وعلى الهامش.
ووسط هذا الجنون، وحدهم الأفراد، أولئك من لا حول لهم ولا قوة، من لم يكونوا سببًا في كل هذا العبث، هم من يدفعون الثمن، مرة بعد أخرى.
عن "العرب اللندنية"