الثلاثاء, 11 يوليو 2023
1,264
كانت محاولة فاشلة منك يا أمي ..
وأنت مصرة على تعليمي دروس الوطنية.. قولي لي ..
كيف أكون وطنيًا وقد تم نفيي عن هذا الوطن؟
لقد حفظتيني عبثًا مساحته، ما الفائدة وقد تغيرت ملامحه بعد ما انقسم لأشطار؟
كم مرة أجبت عن هذا السؤال: ما هي حقوقك وواجباتك كمواطن؟ لقد تم نهب ممتلكاتنا بالكامل من قبل الحوثيين بعد تهميش وجودنا في الوطن ثم ترحيلنا عنه.
اليوم يا أمي..!
ليس من العدل والمنطق حساب نمو السكان من خلال عد الفروقات بين المواليد والوفيات فقط؟ فكيف لي أن أتجاهل آلاف القتلى من الأطفال والشباب الذين فقدوا حياتهم في ميادين القتال، بعيدًا عن سرر المستشفيات.. وغيرهم من المعتقلين والمنفيين والمهاجرين والمشردين والجياع من هنا وهناك..
قولي لي يا أمي ما هو تعريف الأسرة في الكتاب ومما كانت تتكون؟ فاليوم كل فرد في مجتمعي لا ينتمي لأسرته ونجد الأُسر وقد فككتها الحروب والنزاعات، وفرقتها السياسة وضيعتهم في دهاليزها، وهكذا صار ((لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )) .
باختصار شديد يا أمي..!
لقد سمعت كلامك وحفظت مواد التربية الوطنية لنيل الدرجات فقط في الامتحان، مع إيماني بأن الوطن هو وطن القلوب، والمواطنة هي المشاركة في خدمة وبناء مجتمعي وإسعاد قلوب الناس من حولي، بينما عليّ أن أقيس مدى وطنيتي بدرجة التضحية والحب والعطاء حين أداء تلك الخدمة المقدسة، بكل شفافية ودون أدنى تفكير في المصلحة وحب الذات..
لقد تذكرت إصرارك بـ "الأمس" يا أمي على تعليمي دروس الوطنية، لأقول لك بأنه من " اليوم" سيتغير منهج هذا الكتاب، وسامحيني يا أمي عندما وصفت مجهودك بالمحاولة الفاشلة، صدقيني سيحل محله منهج محبة العالم بأسره، فما وطني سوى صفحة من كتاب عالمنا الكبير، ومحبة البشرية هي المنهج السليم، فبدون الحب لن نتحد وسيظل الآخر غريبًا مختلفًا منعزلًا في أنظارنا، بينما الحب هو تجربة الاتحاد وتطبيقه العملي.
والوطنية دون الاستيطان في القلوب والتضحية في ميدان خدمة وبناء المجتمع ستظل منهجًا تلقينيًا نحفظه بالغصب كي ننال درجات على الورق ..
يا أمي سأعيد وأكرر لك..! إن " الوطن" هو قلوب الناس وارتباط هذه القلوب معًا بعلاقات اجتماعية سليمة، و"موارده" هي عقول ومواهب سكانه،
حدوده" عظيمة تعتمد على مدى انفتاحنا وتعايشنا مع بعضنا البعض و"مساحته" قابلة للتمدد وفق معايير الاتحاد والتسامح، "عَلَمه" هو "الوحدة في ظل التنوع والاختلاف".
فالقلوب عندما تنبض بالحب والولاء لهذا الوطن الحقيقي؛ تكون مرنة في تعاملها مع الآخر مهما تباينت خلفياتهم ومعتقداتهم، ترفض أن تتعامل مع الغير، معاملة "أنا والغريب" ..
وإذا لم يتم تغيير منهج هذا الكتاب فمن الأفضل أن يهتموا المعلمين ويركزوا في ممارسة مادة "الرياضة" ، وتعليم الطلاب والطالبات "السباحة" ..
نعم ..!!
علموهم السباحة والغوص؛ لأنهم سيضطرون للهجرة؛ فوطن التراب والموارد والخيرات هو مكان المسؤولين، أما الشعب ماله إلا الله وأرض الله الواسعة.
ودمتم سالمين.