الاستعداد للدولة الفلسطينية: لقاء لندن حول تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية

> توني بلير

> الصراع ما بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها يصنف من بين أشد الأزمات السياسية التي يواجهها المجتمع الدولي، وأكثرها ضررا وأطولها استمرارية. وهو يقوض الأمن والرخاء لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، حيث يعيش كلا الشعبين في حالة من الترقب خوفا من العنف، ويعانون من الصعوبات الاقتصادية. والأطفال الإسرائيليون والفلسطينيون لا يعرفون معنى الذهاب إلى مدارسهم دون شعورهم بالخوف وعدم اليقين.

لا يمكن أن يكون هناك تسوية مع العنف. أدين الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الجمعة في تل أبيب بأشد اللهجات. هذا الهجوم الداعي للتشاؤم يؤكد على أهمية الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية لتأسيس جهاز أمني يتمتع بالثقة ولديه القدرات للرد بحزم على التهديد الذي يشكله الإرهاب. وأرحب بعزم الرئيس محمود عباس على العمل في مواجهة الإرهابيين وإنهاء العنف.

وفي غياب الأمن ليس هناك أساس صلب لإحراز أي تقدم. والتحدي الكامن أمامنا هو العمل معا للتوصل لتسوية نهائية ودائمة تلبي الاحتياجات وتعالج الهموم الشرعية للشعوب المعنية. وهذا يتطلب الانخراط بمفاوضات تتسم بالصبر ورؤية واضحة للغاية المنشودة.

الحديث عن مبادرات سلمية جديدة في مثل هذه البيئة والظروف قد يؤدي للتشكك والتشاؤم والإحساس بأنه قد تمت تجربة جميع المبادرات في السابق، وأن لا شيء سيتغير. وأنا لا أتفق مع فكرة أن لا شيء يمكن أن يتغير. فليس هناك عذر لعدم القيام بأي شيء. لكنني أؤيد النظرة القائلة بأن التصريحات الكبيرة لا تحقق سوى القليل. وعوضا عن ذلك علينا أن نثبت إحراز تقدم حقيقي على أرض الواقع.

ولهذا السبب أستضيف لقاء في لندن اليوم للنظر في السبل العملية لدعم ومساندة السلطة الفلسطينية.

ولهذا السبب أيضا وضعت أنا والرئيس بوش، في واشنطن في 12 نوفمبر ، خطة من خمس نقاط. وقد تشجعنا جميعا لمشاهدة التقدم المحرز حتى الآن مقابل هذه الخطة.

النقطة الأولى هي العودة للالتزام بالرؤية الداعية لوجود دولتين بموجب ما تدعو له خارطة الطريق. هنالك حاليا إجماع دولي حقيقي أكثر من أي وقت مضى على السبيل نحو المستقبل. وأكبر دليل على هذا الإجماع هو أن هنالك إدارة أمريكية تقف على أهبة الاستعداد لتلعب دورا في ذلك. وقد أوضح الرئيس بوش مرة أخرى في بروكسيل في الأسبوع الماضي بأن السلام في الشرق الأوسط يحتل أعلى سلم أولوياته - واصفا إياه بأنه "أكبر فرصة له وهدفه المباشر". فالريادة السياسية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تعد عنصرا حاسما في إحياء عملية السلام. لكن يتعين أيضا على سائر المجتمع الدولي، وخصوصا في المنطقة واللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تقديم مساهمات كبيرة بهذا الصدد.

وحقيقة أن حوالي ثلاثين من القادة الدوليين، بمن فيهم كوفي أنان والعديد من وزراء الخارجية من المنطقة ومن الاتحاد الأوروبي، سيحضرون لقاء لندن اليوم تؤكد على تجديد التزام المجتمع الدولي.

النقطة الثانية هي دعم ومساندة الفلسطينيين خلال عملية انتخابهم لرئيسهم الجديد. هنالك الآن قيادة فلسطينية جديدة وصلت لسدة الحكم عن طريق الانتخابات، بالرغم من الظروف الصعبة، مما بيّن عزم الشعب الفلسطيني على التعبير عن أهليته الديموقراطية. أعطت هذه الانتخابات للفلسطينيين وللعالم أجمع أملا جديدا.

النقطة الثالثة هي تحريك الدعم الدولي لخطة تضمن أن يكون للفلسطينيين البنية التحتية السياسية والاقتصادية والأمنية التي يحتاجون إليها لتأسيس دولة قادرة على البقاء. حين التقيت بمحمود عباس في شهر ديسمبر، طالب المجتمع الدولي بأن يدعم بناء المؤسسات الفلسطينية كخطوة نحو الحصول على الاستقلال والسيادة. ومن الضرورة بمكان أن نفعل ذلك، وهذا هو التوقيت الصحيح لنفعل ذلك.

لهذا السبب دعوت لعقد لقاء لندن اليوم. الغرض من هذا اللقاء هو حشد المجتمع الدولي دعما لخطط السلطة الفلسطينية لبناء مؤسسات دولة قادرة على البقاء. سيحقق هذا الاجتماع عددا من النتائج العملية الهامة، من بينها رؤية شاملة لتدعيم السلطة الفلسطينية وضعها الرئيس محمود عباس تغطي المجالات الرئيسة في الحكم والاقتصاد والأمن.

واستجابة لذلك، سوف يلتزم المجتمع الدولي بفريق تنسيق جديد حول الأمن بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومراجعة وتوجيه المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية، ودور جديد للمفوضية الأوروبية والبنك الدولي لضمان المتابعة في مجاليّ الاقتصاد والحكم، والمساعدة في أولويات السلطة الفلسطينية الاقتصادية على المدى القصير، والاتفاق على اجتماع دولي للجهات المانحة يعقد في نهاية شهر يونيو، وجهود جديدة بقيادة البنك الدولي لتحفيز مشاركة القطاع الخاص الدولي، وبرنامج جديد لضمان القروض.

النقطة الرابعة هي المصادقة على خطة رئيس الوزراء شارون للانسحاب من غزة وأجزاء من الضفة الغربية، وتأييد هذه الخطة. كان ذلك قرارا صعبا بالنسبة لإسرائيل، لكنني أرحب بموافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي في الأسبوع المنصرم على المضي قدما بهذه الخطة. هذا الانسحاب ما هو إلا خطوة أولى تجاه التوصل لتسوية نهائية تؤدي لتأسيس دولة فلسطين قادرة على البقاء تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل. لكنها خطوة أولى هامة وكبيرة، والقيادة الفلسطينية تعلم علم اليقين بأن عليها أن تكون على أتم الاستعداد لهذه الخطوة وأن تتمكن من إنجاحها.

ومرة أخرى، فإن لقاء لندن سيساعد الفلسطينيين على الاستعداد لهذه الخطوة. وفي ذات الوقت، يتعين على إسرائيل تطبيق خطتها للانسحاب على نحو يتيح للسلطة الفلسطينية العمل بنجاح. فيجب أن يكون الانسحاب من غزة انسحابا تاما. ويجب أن تتوقف عمليات الغزو والتوغل بالأراضي الفلسطينية، ويجب رفع إغلاقات الطرق مع أخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار. كما يجب فتح غزة أمام التجارة، بما في ذلك عن طريق الميناء البحري ومطار غزة الجوي.

والنقطة الخامسة هي أن الخطوات الأربع الأولى ستمهد الطريق وتضع الأساس لإحراز تقدم أسرع في خارطة الطريق. خارطة الطريق هامة وحيوية، ويبقى الجميع على التزامهم بها، مما يوفر إطارا متفقا عليه لإنهاء العنف واستئناف المفاوضات حول أصعب القضايا. لكن تعرقل إحراز أي تقدم خلال العامين الماضيين بسبب انعدام الثقة على كلا الجانبين. علينا العودة لعملية تضم إجراءات متبادلة تعمل على بناء الثقة والتشجيع على إحراز تقدم حقيقي.

يجري عقد لقاء لندن خلال أوقات محاطة بالوعود والفرص لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. وهو يبني على الزخم الإيجابي الذي نجم عن الاجتماع ما بين أرييل شارون ومحمود عباس في شرم الشيخ في 8 فبراير.

ويعد هذا اللقاء فرصة هامة للسلطة الفلسطينية للسعي للحصول على الدعم الدولي الذي تحتاجه لتحقيق أهدافها، ولتأمين هذا الدعم.

وسوف يتيح هذا اللقاء للسلطة الفلسطينية لأن تبين بأنها شريك في السلام جدير بالثقة وقادر على أن يعمل على نجاح الانسحاب الإسرائيلي، وقادر على أن يفي بالتزاماته بموجب خارطة الطريق.

وبذلك تستطيع السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بمساندة دولية، تطبيق خارطة الطريق ووضع حد للعنف الذي تسبب بالكثير من المعاناة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. أريد أن أرى ذلك يصبح حقيقة واقعة. وأعتقد بأن الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني أيضا يريدون ذلك.+

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى