> عدن «الأيام» عبدالقادر باراس:

  • محافظ عدن يدعو للحفاظ على الوثائق التاريخية ويتعهد بدعم المركز
  • مديرة مركز الدراسات: المركز يحمل إرثا ثمينا ويحتاج إلى اهتمام جاد
> نظم مركز الدراسات والبحوث في عدن في مقره بقصر السلطان العبدلي بمديرية صيرة بالعاصمة عدن صباح اليوم الإثنين، ندوة علمية بعنوان "الموروث الوثائقي لعدن وقيمته العامة"، ناقشت واقع المركز والتحديات التي يواجهها، في ظل غياب الدعم والاهتمام من الجهات الرسمية، ما يحول دون تطويره ليواكب مكانته العلمية والتاريخية. وشهدت الندوة حضور نخبة من الباحثين والمهتمين.


وفي حضور لافت ألقى وزير الدولة محافظ عدن أحمد حامد لملس، كلمة خلال الندوة أكد فيها اهتمامه بمداخلات المشاركين في الندوة، داعيا إلى أهمية الحفاظ على الوثائق التاريخية والثقافية لمدينة عدن وتشجيع البحث العلمي والثقافي في مجال التراث الوثائقي، وإبراز قيمة الأرشيف والوثائق المتعلقة بمراحل عدن وبضرورة صونها.

وختم محافظ عدن كلمته إلى أهمية تشكيل لجنة مشتركة لتحديد الأولويات والاحتياجات لدعم المركز لكي يظهر بما يليق، كما تعهد بدعم المركز بموازنة تشغيلية والإبقاء على مقره الحالي والعمل على تهيئته بما يليق بدوره كمركز دراسات.


وتحدثت مدير عام مركز الدراسات والبحوث اليمنية د. إيمان ناجي، في بداية افتتاح الندوة قائلة: "تأتي هذه الندوة ضمن جهود مركز الدراسات والبحوث لتعزيز البحث العلمي والثقافي في مجال التراث الوثائقي وتسليط الضوء على أهمية حفظ الوثائق التاريخية لدورها في ترسيخ الهوية الوطنية، وفي ظل إعلان مشروع "عدن محمية تاريخية" تمهيدا لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، أكدت د. إيمان ناجي، أهمية الحفاظ على المركز بما يحتويه من وثائق تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسية، باعتبارها مصادر مرجعية ثمينة للباحثين والمؤرخين. وأشارت إلى أن المركز، رغم محدودية الموارد، نجح في حفظ هذه الوثائق الممتدة من ما قبل الاستعمار البريطاني وحتى اليوم.


وأضافت: "المركز كما تعرفون يعد من أقدم المراكز العلمية ذات الطابع البحثي والأكاديمي في البلاد وكان يعرف سابقا باسم المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف قبل أن يتحول منذ عام 1990 إلى فرع لمركز الدراسات والبحوث اليمنية، ويتبع وزارة التعليم العالي، وله ارتباط مباشر بجامعة عدن في مجالات البحث العلمي، ولهذا نتمنى أن يدرك الحاضرين أهمية هذا المركز بدرجة رئيسية، خاصة في ظل تخصصه واهتمامه العميق بالموروث الوثائقي لمدينة عدن، وبما يمتلكه من وثائق تاريخية نادرة تعود إلى ما قبل فترة الاستعمار البريطاني وحاليا نسعى للحفاظ على المركز وما يحمله من إرث وثائقي كجزء من الهوية الثقافية والحضارية لعدن، إلا أن المركز يعاني من إهمال كبير على الرسمي رغم ما تحويه من مكتبات ووثائق ودوريات يشكل مرجعا أساسيا للباحثين في مختلف التخصصات والمستويات، مؤكدة أن مسؤولية الحفاظ عليه وصيانته تتطلب دعمًا رسميًّا حقيقيًّا".

وختمت مدير عام مركز الدراسات والبحوث حديثها بالقول: "نجدد دعوتنا للحكومة بضرورة إيلاء المركز والمعالم التاريخية في عدن اهتماما جادا ونأمل أن يحظى المركز وسائر المعالم التاريخية في مدينة عدن بما يستحق من رعاية وعناية بما يفسح المجال لإدراجها مدينة ضمن قائمة المدن التاريخية المصنفة عالميا لما تحمله من إرث حضاري وثقافي فريد".


وقد أُلقيت في الندوة عدة مداخلات، حيث تحدثت منار محمد شودري، في أولى مداخلتها بالندوة عن تاريخ مبنى قصر السلطان العبدلي والمراحل التي مر بها، مستعرضةً تجربتها في العمل بمركز الدراسات والبحوث.

في المداخلة الثانية، تحدثت الباحثة في مجال التاريخ د. سماح العزاني، عن دور ونشاط مركز الدراسات والبحوث، مشيرة إلى أنه يمثل بوابة مهمة للباحثين نحو المعرفة، لما يوفره من مصادر ووثائق تسهم في دعم البحث العلمي وتوثيق التاريخ.

تناول الباحث والمهتم بتاريخ عدن، جبران شمسان، في مداخلته سيرة السلطان العبدلي بوصفه الثائر الحر والمستقل، مستعرضًا مواقفه من السلطات البريطانية، وقدّم ملاحظات حول تاريخ بناء قصر السلطان، موضحًا أن تشييده جرى في عام 1912 كتعويض للسلطنة اللحجية بعد خسارتها في الحرب ضد العثمانيين وهجومهم على لحج.

أما الباحثة والصحفية في تاريخ عدن د. أفراح الحميقاني، ركزت في مداخلتها على ما تحتضنه مدينة عدن من وثائق تاريخية محفوظة في مركز الدراسات والبحوث الواقع في قصر السلطان العبدلي، وأشارت إلى أن هذا المعلم التاريخي يعد شاهدًا على مراحل زمنية مهمة تعكس عراقة عدن وتاريخها الحضاري والمدني. وطالبت بضرورة الاهتمام بهذا المعلم المرتبط بتاريخ المدينة، والحفاظ على ما يحتويه من وثائق، مؤكدة أن القصر لا يمثل مجرد مبنى، بل هو رمز تاريخي تفوح من أروقته ومضات الماضي، ويحمل في طرازه المعماري دلالات فنية مميزة. كما ذكّرت بأنه من هذا القصر تم إعلان الاستقلال الوطني، ما يجعل من الواجب صونه وتعزيز وعي الأجيال القادمة بأهميته وبقيمة عدن التاريخية.


تطرق نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، عيدروس باحشوان، خلال مداخلته في الندوة، إلى الوضع المتردي الذي تعيشه معالمنا التاريخية وذكر بحال وضع المكتبة الوطنية بعدن التي تعد من أبرز الصروح الثقافية في المدينة. موضحا أنه قام مؤخرا مع عدد من المهتمين بتقييم وضع المكتبة، وخلصوا إلى أنها تعاني من حالة بائسة رغم ما تحتويه من كتب ووثائق ودوريات هامة.

وأشار إلى أن المفارقة المؤلمة تكمن في أن موازنتها التشغيلية بأنها لا تتجاوز 8 آلاف ريال يمني، متسائلًا: "كيف يمكن أن تنهض مؤسسة ثقافية بهذا الحجم والعراقة في ظل هذا الدعم الهزيل؟ مضيفا: "خلال تقييمنا للمكتبة رأينا ضرورة مخاطبة وزير التخطيط، د. واعد باذيب، خاصة أن المكتبة الوطنية تحمل اسم والده، ما يضع على عاتقه مسؤولية مضاعفة للمساهمة في إنقاذ هذا الصرح وانتشاله من واقعه الحالي".

ولفت باحشوان إلى أن المكتبة، رغم إغلاقها، لا تزال تتلقى إهداءات من الكتب والدوريات من دول الجوار، غير أن هذه الإصدارات مكدسة دون استفادة حقيقية منها، نتيجة غياب الدعم والتشغيل.

وفي سياق الندوة، شدد باحشوان على أهمية موضوع الحفاظ على الوثائق، مشيرا إلى زيارة العالم الأثري البرتغالي د. نونو أولي فيرا مدير منظمة اليونيسكو الذي زار عدن مؤخرا والتقى بعدد من الأكاديميين والباحثين في عدن، بالإضافة إلى مسؤولي السلطة المحلية. وأوضح أن العالم الأثري وضع خطوطا عريضة لمشروع إدراج مدينة عدن ضمن قائمة المواقع التاريخية العالمية.

وأشار إلى أن العالم الأثري البرتغالي طلب تزويده بوثائق رسمية تؤكد القيمة التاريخية لمدينة عدن ومعالمها، وبهذا الخصوص فقد تم تشكيل لجنة من ذوي الاختصاص والباحثين لإنجاح المشروع الذي ستقدم اليونيسكو قاعدته العلمية وتتولى اللجنة تعبئة البيانات حيث شدد العالم الأثري على أهمية أن تكون الوثائق معتمدة من بعثات أثرية دولية وجهات موثوقة وليس مجرد أحاديث، وانه سيعود إلى عدن في سبتمبر القادم ويتوقع أن تكون الاستمارات الخاصة بالمشروع قد اكتملت تعبئتها بتحديد الأماكن والمعالم الأثرية بطريقة صحيحة معتمدة بالوثائق حينها ليتمكن من تقديمها إلى منظمة اليونسكو لاعتماد معالم عدن ضمن قائمة المدن والمواقع التاريخية.

كما تطرق د. علي عبدالكريم، عن أهمية تحمل الجميع روح المسؤولية في الحفاظ على معالم مدينة عدن وخاصة في ظل هذه الظروف والزمن الترادفي الذي نعيشه ولنتدارك على ما تبقى من الوعي بحيث يؤهلنا في الحفاظ على الثقافة وهي عنوان حضارات الشعوب.

فيما استعرضت الأكاديمية والباحثة د. أسمهان العلس، دورة الحياة التي مرّ بها قصر السلطان العبدلي، مشيرة إلى ما شهدته مدينة عدن من عبث طال معالمها التاريخية، واصفة ذلك بـ"الضربة القاصمة"، ومؤكدة أن العديد من تلك المعالم باتت مهددة بالانهيار.

وأكدت العلس في مداخلتها على ضرورة تقديم بدائل، قائلة: "لا بد لنا من المواكبة في إطار مدني، بحيث نستطيع حمل رسالة واضحة. لماذا لا نطرح البديل ونتحلى بالشجاعة لنفرض واقعًا معينا".

وقدم المحامي جسار فاروق مكاوي مستشار قانوني لدى الهيئة العامة للآثار والمتاحف بعدن، مداخلته بمقترح حماية وتفعيل مركز الدراسات والبحوث بعدن الكائن في قصر السلطان علي عبدالكريم فضل العبدلي بكريتر عدن، موضحا بان مركز الدراسات والبحوث يعد أحد أعرق وأهم المراكز البحثية والثقافية في عدن، ويقع في قلب معلم تاريخي عريق هو قصر السلطان العبدلي، ما يمنحه بعدا إضافيا كأحد أعيان المدينة ذات القيمة العامة والتاريخية. وأشار المحامي جسار إلى أنه، في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه المرافق العامة في عدن واندثار معالمها التاريخية كما حدث مؤخرا مع متحف مبنى الاتصالات تم تقديم وثيقة مهنية تتضمن مجموعة من التدابير المقترحة لحماية مركز الدراسات والبحوث وتفعيله كمؤسسة علمية وثقافية مستدامة.

موضحا بأن وثيقته المهنية تدعو إلى تحصين المركز قانونيا من خلال تثبيت صفته كمرفق عام غير قابل للتصرف أو النقل أو الخصخصة، والتنسيق مع الجهات المختصة لتسجيله ضمن الممتلكات الثقافية المحمية، إضافة إلى المطالبة بقرار رسمي يصنفه كمحمية ثقافية بحثية. واقترحت وثيقته حزمة من الخطوات الثقافية والإدارية لتفعيل دور المركز، أبرزها إطلاق مبادرة مجتمعية لحماية ذاكرة المدينة، ودعوة المواطنين للمساهمة في التوثيق بالمقتنيات الشخصية والروايات الشفهية، إضافة إلى فتح أبواب المركز للباحثين وطلاب الدراسات العليا، وتنظيم ندوات وزيارات تربوية لربط الأجيال الناشئة بتاريخ مدينتهم. وأكدت الوثيقة أن ما جرى في مبنى الاتصالات من نقل عشوائي للمقتنيات التاريخية يكشف هشاشة آليات الحماية الحالية، مشددة على أن مركز الدراسات ليس مجرد مبنى، بل يمثل ذاكرة المدينة وهويتها، وحمايته مسؤولية جماعية تبدأ من الجهات الرسمية وتصل إلى المجتمع، وخاصة البيوت العدنية التي ساهمت في صناعة تاريخ المدينة ورمزيتها.