السادة آل الكاف وآل بقشان والجامع المشترك بينهم

> حسن بن حسينون

> الخير والفضيلة وحب الناس هو ذلك الجامع المشترك. فالسادة آل الكاف كغيرهم من الأسر ورجالات حضرموت، هاجروا الى أنحاء مختلفة من بقاع العالم بهدف نشر الدين الإسلامي الحنيف، وأسباب أخرى مثل كسب العيش والتجارة وغير ذلك من المجالات الحرة، والحصول على العلوم والمعارف الثقافية. ومن بين أسباب تلك الهجرة واقع حضرموت - آنذاك - الغارق في قمة الجهل والتخلف والفقر، إضافة الى الحروب والصراعات والثارات القبلية التي تعم كافة مناطق حضرموت.

وقد استقرت أسرة آل الكاف وغيرها، من علماء الدين الحضارم ، في كل من اندونيسيا وسنغافورا وماليزيا على وجه الخصوص، ونظراً لمكانتهم الروحية الكبيرة، وذكائهم وجدهم واجتهادهم بين أوساط تلك الجمعيات، أصبح لهم مع مرور الوقت شأن عظيم داخلها، وكان لهم الدور الريادي في جعل كثير من مواطنيها يعتنقون الدين الإسلامي، الذين شكلوا الأغلبية في عدد السكان بعد أن كانت دياناتهم ومعتقداتهم وثنية.

ومع مرور الوقت، ونشاطهم وتفانيهم وحب وتقدير الآخرين لهم، فقد منّ الله عليهم بتكوين ثروات طائلة، وفيهم آل الكاف، الذين يتقدمهم المصلح والفاضل الكبير أبوبكر بن شيخ الكاف، ، الذي عاد الى حضرموت بداية سنوات القرن الماضي، وحول جزءاً كبيراً من ثروته لاستخدامه في المشاريع الخيرية وأعمال الخير للإنسان في حضرموت، إيماناً منه بأن الأوضاع القاسية التي عانت منها طويلاً - كما أسلفنا - لن يتم التخلص والقضاء على أسبابها إلا من خلال اجتنابها بالتدريج، وبالتعاون والعمل الجاد والمشترك، وإقامة المشاريع الحيوية ودعم الخيرين والحكومات المحلية.

فكانت الخطوة الأولى التي أقدم عليها السيد أبوبكر بن شيخ، هي شق طريق للسيارات من مدينة الشحر في ساحل حضرموت وحتى مدينة تريم في حضرموت الداخل، التي تمتد لأكثر من ثلاثمائة كيلومتر، بهدف سرعة حركة المواطنين ونقل البضائع والمواد الغذائية الى عدن وقرى وادي حضرموت، بدلاً عن استخدام قوافل الجمال التي تستغرق رحلاتها أكثر من عشرة ايام حتى تصل الى وجهتها.

لم يكتمل هذا المشروع الحيوي الذي عجزت عن القيام به الحكومات المحلية، وسلطات الانتداب البريطاني إلا بعد صعوبات جمة، تعرض لها من قبل افراد القبائل المنتشرة مناطقهم ومساكنهم على طول الطريق المطلوب شقها، وتعبيدها، التي جاءت أساساً على حساب رزقهم وعيشهم وعيش أسرهم، الذي يتحصلون عليه من خلال نقل البضائع على ظهور قوافل الجمال، إلا أنه ورغم كل الصعوبات، والسخاء الكبير الذي قدمه السيد أبوبكر بن شيخ لهؤلاء، وبالصبر وتحمل أذاهم فقد تم إنجاز مشروع الطريق بالكامل.

ومن الأمثلة على ذلك، يقول السيد محمد بن هاشم العلوي، أحد زعماء النهضة الحضرمية الحديثة، في كتابه (رحلة الى الثغرين: الشحر والمكلا): «لقينا العناء الكبير من البدو (المعارة) معبد وصولنا الى الريدة .. وهي هضبة جبلية مرتفعة، وتحت ديارهم فقد تعرضوا للجولات (السيارات) واستوقفوها مطالبين بحق خفارة، زاعمين أن ذلك الخفير الذي استصحبناه راكباً على الجوالة المتقدمة غير كاف، إذ لا بد من زعمهم لكل جوالة من شخص منهم يكون خفيرا لها، وكل هذا لينالوا حطاما يسيرا من النقود.

وكان حضرة السيد أبوبكر قد سبر من قبل طباع هؤلاء الناس، فأمر بتقديم الجوالة التي فيها الخفير، ومع هذه الحيطة لم يغن شيئاً، فاستوقفونا ولم يبالوا باحتجاجاتنا ولقناعاتنا حتى جاءت الجوالة الاخيرة تقل السيد أبوبكر، فاستطاع بعد اللتيا والتي أن يقنعهم، وذلك لما يعهد عنه من سخائه الحاتمي. وهنا يرى السامعون والقراء كيف يعاني الكرام من اللئام، وكيف يصل اللؤم المتجسم بأولئك الأنذال السفهاء الذين يستهويهم الطمع، ويغرهم حملهم السلاح وعدم وجود القوة تجاههم تستطيع كبح جماحهم». وقد تذكر قول الشاعر أبو الطيب:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضر كوضع السيف في موضع الندى

وقلت أنا، كما يضيف المؤلف:

فإن فشل المعروف فالسيف وحده كفيل بتقويم الذي لم يقوّم

أما الخطوة الثانية، او الإنجاز الاكبر الذي تم على يد الحبيب أبوبكر بن شيخ، لاستتباب الأمن والاستقرار في ربوع حضرموت، ووضع حد نهائي للصراعات والثارات القبلية، فهو ترؤسه للجنة أطلق عليها (لجنة السلام) PEASE GROUP من كبار الشخصيات والأعيان، تقوم بزيارة كافة مناطق قبائل حضرموت، وعقد اتفاقيات هدنة مع مقادمتها وشيوخها والتوقيع عليها والالتزام الصارم ببنودها بعد التنسيق والتشاور مع المستشار البريطاني (هـ . انجرامس) وسلاطين حضرموت، تتوقف على أساسها الثارات القبلية، وفي حالة خرقها تقوم السلطات البريطانية بضرب مناطق الخارجين عنها بالطائرات الحربية.

وفي ضوء اتفاقيات الهدنة توقفت الثارات، واستتب الأمن والاستقرار في مناطق حضرموت جميعها، عدا حالات نادرة.

ورغم كل ذلك، وفي الوقت الذي كان يجاهد الرجل الفاضل والمصلح الكبير أبوبكر بن شيخ بهدف أمن واستقرار حضرموت، فقد نجح الأشرار في تأجيج الفتنة بين اوساط المهاجرين الحضارم، بين من أطلق عليهم العلويون من جهة والإرشاديون من جهة أخرى، التي عكست نفسها سلباً على الأوضاع داخل حضرموت، والتي جاء على اساسها من مهجره الى حضرموت بهدف إقامة دولته الخاصة به .. الرجل الثري عبيد بن صالح بن عبدات، وقد دخل في صراع دام مع السلطنات وسلطة الانتداب، دام أكثر من اربع سنوات، غير أن هزيمته قد تمت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتسليم نفسـه ومـن ثم تسفيـره خارج حضرموت.

لم يسلم أبوبكر بن شيخ من الهجوم والحملات الدعائية من قبل الخصوم، الذين اتهموه بالعمالة للسلطنات والمندوب البريطاني. ومما قالوه شعراً في حقه:

أين الذي قالوا حميناها بأسرار الجدود

هم حضروا البيعة وهم كانوا على البيعة شهود

وبايعادون المدارس والمساجد والسجود

والخمر في الأسواق باتبسط به أولاد اليهود

فيرد عليهم شاعر الكاف:

الكاف بوسقاف ذي جاب الجميلة له يسود

كاتب وخاطب وأمست الفتنة بسببه في خمود

لا تجحدوا الفضل لأهله خس لوصاف الجحود

والسيل جارف في اوروبا شفه رابط بالحيود

أما رجالات الخير والفضيلة ثانياً، فيتمثلون في أسرة آل بقشان، الذين كانت وجهتهم الى المهجر أراضي المملكة العربية السعودية والمقدسات الاسلامية، التي لاقوا فيها ومن شعبها وملوك وأمراء الأوائل منهم والحاليين كل الحب والاحترام والحفاوة البالغة كغيرهم من الحضارم المهاجرين، حتى أصبحوا مواطنين يشاركونهم الحياة والعيش بحلاوته ومراراته. وكان لذلك التعاون المشترك، والحرية المطلقة دور بارز في بناء وتنمية وإعمار أرض المملكة في كافة المجالات.

وأسرة آل بقشان ورجالاتها العظام مثلهم مثل آل الكاف في تقديم أعمال الخير، وإقامة المشروعات المهمة، فكانت لأياديهم البيضاء بصمة بارزة على العديد من المشاريع وأعمال الخير ومساعدة المحتاجين وبناء الطرق والمدارس والمستشفيات، ومد انابيب المياه الى الكثير من القرى والمدن وري الأراضي الزراعية. وقد شعر أحد كبار رجالاتها بأن ذلك لا يكفي بعد استقلال الجنوب، فجاء الى حضرموت بهدف إقامة مشاريع ضخمة تبدأ بسفلتة وتعبيد الطرق الطويلة التي تربط مدينة المكلا بوادي دوعن وغيره من مناطق حضرموت الداخل، غير ان الأمور قد جاءت بما لا تشتهي السفن، كما يقول المثل المعروف، حيث ضاعت طموحاته تلك، وواجهت ستارا حديديا من الرفض، لا بل تعرضه لأقسى انواع التعسف والإذلال من قبل أولياء الأمر، وقطاع الطرق، ولكن من طراز جديد هذه المرة، بما في ذلك السجن اكثر قساوة من تلك التي تعرض لها أبوبكر بن شيخ الكاف اثناء سير مشروع الطريق الشرقية من الشحر وحتى مدينة تريم .. فعاد الرجل بعد ذلك الى حيث أتى.

وبعد قيام الوحدة المباركة، لم يتوان من جديد في العودة الى حضرموت، بعد أن قدمت كافة التسهيلات والتعاون في إقامة العديد من المشروعات الحيوية الضخمة، وبجد واجتهاد وخطط وعمل متواصل، وخلال فترة زمنية قصيرة اختصرت الطريق تعويضاً عن ما فاته في الزمن الغابر الذي حرم خلاله من خدمة وطنه وشعبه.

وكما هو معروف، في كل زمان ومكان يتواجد الأخيار من الرجال الأفاضل من أمثال آل بقشان وآل الكاف، كما يتواجد الأشرار وقطاع الطرق وعقليات الجهل والتخلف، الذين يشكلون العائق الأول امام اي شكل من اشكال التطور والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .. غير أن الغلبة في نهاية المطاف تكون لأصحاب الفضيلة والخير والبر والإحسان، وهذا ما نشاهده اليوم، ويقوم به آل بقشان من الرجال الأفاضل والعظماء الكبار، فتحية شكر وإجلال وإكبار لهؤلاء جميعاً.+

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى