ترميم وتأهيل حصون وقلاع وسقايات بوادي حضرموت .. الخطوة الأولى للحفاظ على المعالم

> علوي بن سميط

>
حسي ببطحاء شبام (حسي أعاد ترميمه ونبشه السفير عبدالعزيز القعيطي)
حسي ببطحاء شبام (حسي أعاد ترميمه ونبشه السفير عبدالعزيز القعيطي)
في وادي حضرموت يقف عدد من القلاع والحصون كحارس يطل من علو ومنذ القدم، ولكل قلعة أو حصن صغير قصة أو حدث يمثل شهادة على تاريخ المنطقة في مرحلة زمنية، وتلك المعالم، وهي كثيرة على امتداد الوادي وتتواصل حتى المناطق الساحلية، عدد منها بوضع سيء وآخر بوضع لا بأس به، ولعل الإهمال الذي أصابها منذ قرون يرجع إلى أن الحاجة إليها والوظيفة التي أنشئت من أجلها قد انتفت في رأي البعض، وهو استنتاج خاطئ، باعتبار هذه الشواهد ليست مجرد أطلال أو طين، بل هي التأريخ في جزء والشاهد الأساسي على التاريخ .. خطوة أولى نحو الحفاظ عليها بدأت، فمن أين بدأت؟ هذا ما تنقله «الأيام» في الاستطلاع التالي.
الانطلاقة بترميم هذه القلاع جاءت من سيئون، حيث أعمال الترميم بدأت في حصن (الفلس) الواقع على طرف جبل سيئون الشرقي، ويعود تاريخ هذا الحصن أو القلعة إلى اكثر من خمسة قرون مضت، فلماذا يعاد ترميمه وهو شبه مندثر تماماً؟

< يقول الأخ عبدالرحمن حسن بن عبيد اللاه السقاف، مدير عام الهيئة العامة للآثار والمخطوطات والمتاحف بمديريات وادي حضرموت: «يأتي ترميم هذ الحصن ومعالم أخرى، بتوجيهات من فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، وبمتابعات واهتمام الأخ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت، والأخ أحمد الجنيد، وكيل المحافظة لشؤون الوادي والصحراء، وهذا الحصن ولأهميته التأريخية وبعد أن قمنا بإعداد الدراسات اللازمة للترميم والذي بدأ، تأتي الخطوة الأخرى لتأهيله والاستفادة منه وكل هذه الخطوات ضمن برنامج الحفاظ على المعالم الأثرية وكذا البدء في ترميم حصن آخر ما بين سيئون وتريم و30 سقاية شرب للحفاظ على الطراز المعماري ودورها في المجتمع منذ القدم، وكذا بدأ العمل في إعادة ترميم مركزي الكثيري والقعيطي بالحزم بمديرية شبام، وهذا ما هو جار العمل فيه وتلاحظونه».


سقايا الشرب
< لعل ما تمتاز به حضرموت هو انتشار سقايات الشرب بالأماكن العامة في المدن الرئيسية بما فيها مناطق الوادي، وكذا على الطرق العامة، حيث كان الناس ينتقلون ويسافرون على أقدامهم أو على الدواب، كما أنها (السقايات) كانت في القدم تبنى أيضا بجوار المساجد ويتصدق بها علماء الدين ورجال الخير والأعمال والميسورون ويتحملون أعباء التكاليف وتأجير شخص أو أشخاص لتعبئتها بالمياه، بل ونذر وقف عليها لتظل خدماتها دائمة، بما فيها المناطق البعيدة عن مواقع السكن أو بين القرى والوديان، ويصل تاريخ كثير من السقايات إلى أكثر من عشرة قرون، وما زالت قائمة، ولكن لم تعد لاستخدامها حاجة، إذ وجدت لها بدائل (البرادات) العاملة بالكهرباء، ومنها ما بني في مكان السقاية القديمة، ولكن بتصميم بعيد كل البعد عن الجانب الجمالي أو ما يتناسق والبيئة المحيطة، فالسقايات القديمة مزينة بالنقوش وبتصميم يوحي بأهميتها وبطريقة علمية -فطرية- فالفتحات التي بها تسمح لتيارات الهواء بالمرور على المياه التي تخزن في جوفها لتبريدها، ولأن الكثير منها تعرض للهدم، فالحاجة لإعادتها كمعلم من الجهات المسؤولة مهمة جداً، والأهم أيضا إعادتها لوظيفتها باعتبار متصدقيها أوقفوا لها ما يخص تسييرها كصدقة جارية، وإعادة هذه الوظيفة وبالبدائل العصرية- برادة- على أن يبقى الشكل الخارجي بالنمط الهندسي التراثي.


المركز الحدودي الكثيري عند بدء الترميم
المركز الحدودي الكثيري عند بدء الترميم
مركزا الحدود القعيطية - الكثيرية
< يوشك على الانتهاء ترميم مركزين حدوديين وجمركيين يقعان بمنطقة الحزم شرقي مدينة شبام، هما المركز القعيطي ومنه وعلى بعد لا يزيد عن 150 متراً المركز الكثيري، وهما شاهدان على حدود دولتين متجاورتين حتى 1967م (السلطنة القعيطية الحضرمية والسلطنة الكثيرية الحضرمية)، ولأن المركزين أصبحا جزءاً من التاريخ، ثم طالهما الإهمال، ثم إن دلالات رمزية ومغزى عميقاً لإعادة بنائهما وتأهيلهما كأثر يتحدث عن دولتين كانتا قائمتين في فترة زمنية لا يفصلهما سوى أمتار فقط، وشتان ما بين الأمس الذي به أكثر من 20 كيانا مستقلا بذاته وبين اليوم، وهو بداخل دولة واحدة ووطن موحد .. يعود تأريخ المركزين ليصبحا في مكانهما الحالي، يعود للترسيم النهائي والاتفاق على موقعهما بين الدولتين في الأربعينات.

إعادة هذين الموقعين بتمويل من برنامج حماية وصيانة المواقع التاريخية، وأعدت دراساته والإشراف الفني عليها من قبل مشروع مكتب التنمية الحضرمية الألماني بشبام والتمويل من الحكومة (الصندوق الاجتماعي للتنمية)، وسبق لـ «الأيام» أن نشرت تحقيقاً عن المركزين الحدوديين في العدد (630) الصادر في 18 سبتمبر 1999م بعنوان «مركزا الحدود القعيطي والكثيري من شواهد تأريخية إلى أماكن لرمي الزبالة»، في ص 5، المركزان مساحتهما (القعيطي) 15*15 مترا، و(الكثيري) 5.11*9 أمتار، وسبق أن حظيا بالترميمات وإعادتهما وتسويرهما بشبك في عام 1986م، إلا أنهما تعرضا للتخريب بعد سنوات تحديداً في 1994م. واليوم في 2005م تتم عمليات إعادتهما.. ولأن الحديث عن ترميمات المعالم، فإنه وقبل عام ونصف وبمبادرة ذاتية قام بها السفير ورجل الأعمال عبدالعزيز علي بن صلاح القعيطي، بأن أعاد صيانة أحد الأحساء الواقعة ببطحاء شبام من بين أكثر من خمسة كانت موجودة، ثم طمرتها الرمال. (الحسي) الذي أعاده عبدالعزيز القعيطي يدعي حسي (بن شعيب) على نفقته الخاصة بمنتصف البطحاء مقابلاً لبوابة شبام، وقام أيضاً بالتعريف لمسجد جامع شبام باللغتين العربية والانجليزية بوساطة لوحة نحاسية ألصقت على أحد جدران المسجد الواقع بداخل المدينة.


إنارة المعالم بحضرموت
واتساقاً مع ما يجرى، فإن خطوة أخرى باتجاه إظهار المعالم البارزة بالمحافظة، وإضافة مهابة ورؤية واضحة جمالية عليها من حيث إضاءتها ليلاً، وهي أن الأخ المحافظ عبدالقادر هلال وقع مع شركة لبنانية متخصصة في هذا المجال لتنفيذ أعمال الإضاءة والتزيين ومنها قلاع المكلا الأربع: حصن الغويزي، المركز الثقافي بغيل باوزير(المدرسة الوسطى)، واجهة مدينة شبام حضرموت التاريخية، حصن الفلس بالقرن بسيئون وقصر سيئون.


حصن الفلس بسيئون
حصن الفلس بسيئون
وحصون أخرى..
< كما ذكرنا أن حضرموت وخصوصاً واديها بها من القلاع وحصون الدفاعات الكثير، ستدرج ضمن خطط لاحقة لترميمها، وإعادة تأهيلها، ونرى في «الأيام» أنه بالإمكان الاستفادة من تجارب الأشقاء الجيران في هذا المجال، مثل ما قامت به سلطنة عمان بصيانة القلاع وإعادة تأهيلها كمتاحف ومواقع لحفظ التاريخ، وسبق لـ «الأيام» أن نشرت استطلاعاً العام الماضي عن حصون ودفاعات مدينة شبام وأسمائها التاريخية، وكثيرة هي المواقع التي تحتاج لترميمات يتوجب أن تؤخذ بالحسبان من قبل وزارة الثقافة والسياحة، وأن تستوعبها الخطط القادمة.

وعلى سبيل المثال: حصن العر، ما قبل الإسلام شرق تريم، حصن الرناد بتريم، حصن سعيدية بشبام، قلعة أو حصن كوت الحصاة بشبام، قلعة همدان قارة آل عبدالعزيز، حصن مطهر، حصن الركية سدبه بالقرب من حورة، حصن حورة، قلعة لنف رخية، وغيرها الكثير، فما ذكرناه كان على سبيل المثال لا الحصر، فما بدأ من خطوة أولى للحفاظ على التراث الأثري ممثلا بالقلاع والحصون خطوة ستتبعها خطوات، إذ علينا جميعاً -مواطنين ومؤسسات - استغلال هذا الحراك والدفع بالحفاظ على هذه المعالم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى