> عامر علي سلام :

عامر علي سلام
عامر علي سلام
لقد سررنا كثيرا ونحن نتابع انعقاد المؤتمر التاسع لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين- فرع عدن، وأيضا تتابع انعقاد المؤتمرات الفرعية للاتحاد في المحافظات الأخرى تحت شعار «حرية الإبداع تأصيل للديمقراطية والتحديث»، لانتخاب قيادات جديدة للفروع والمشاركين في المؤتمر العام القادم للاتحاد في صنعاء.

وأكثر من ذلك استشعرنا قلق المثقف والأديب والشاعر والكاتب الصحفي خلال النقاش المستفيض حول النداء أو التوصية «بتضمين القناة الوطنية التلفزيونية (اسم عدن)، لما يحمله اسم عدن من دلالة مكانية وحضارية وإبداعية ثقافية .. حملت مشعل التنوير والإبداع على مدى سنوات عديدة مضخمة بشذا التأصيل الإبداعي وضاربة جذورها عميقة في التاريخ لتشع نورا على الأمكنة من حولها (كما جاء ذلك في تغطية الأخ أحمد السقاف في العدد رقم 4430 تاريخ 16 مارس 2005م من صحيفة «الأيام»).

وهذه التوصية أو النداء عندما تأتي من مشاعل الفكر والأدب والثقافة وأيضا تأتي من واحد من أهم الكيانات الفكرية والأدبية التاريخية في اليمن .. التي أثبتت دوما بمواقفها الشجاعة أن هذا الاتحاد .. كان وحدويا قبل قيام الوحدة .. واستمر برجالاته الأوائل أكثر وحدوية بعد تحقيقها عام 1990م.

وذكرني ذلك بدلالات الانتلجنسيا اليمنية التي ظهرت بمفهومها الخاص في علم (اجتماع) الثقافة، حيث إن مفهوم الانتلجنسيا بدلالاته المعرفية التي اختلفت في تداولها الأمكنة والأزمنة منذ أن عرفتها المجتمعات الأوروبية في القرن التاسع عشر .. كونها اصطلاحا تعني بأولئك الذين أتموا تعليمهم الجامعي وتلقوا ثقافة ذات أصل عربي في الأساس، والذين شكلوا مجموعة قليلة أو شريحة اجتماعية متميزة الفكر والاتجاه والعطاء كانت دائما تعتبر خارج الأطر التقليدية.

والانتلجنسيا اليمنية (وبحسب الموسوعة اليمنية لمؤسسة العفيف) المجلد الرابع ص (2524) :«تعود بنشأتها إلى عام (1930) وهو تاريخ ظهور انتلجنسيا التهذيب نسبة إلى مجلة التهذيب التي صدرت بسيئون في ديسمبر 1930م، وكان علي أحمد باكثير أبرز عناصرها وكانت آثار الهجرة اليمنية إلى جنوب شرق آسيا على مستوى منطقة حضرموت أحد أهم عوامل تفسير نشأة (الانتلجنسيا) اليمنية بتلك المدينة التي كانت في ذلك الوقت عاصمة للسلطة الكثيرية .. كما ظهرت الانتلجنسيا اليمنية في محطة أخرى عام 1938م ونسبت إلى مجلة الحكمة (انتلجنسيا الحكمة) نسبة إلى المجلة التي صدر أول أعدادها في أواخر ديسمبر عام 1938م والتي شكل أحمد الوريث وأحمد المطاع نواتها الرئيسية، كما ظهرت في محطة أخرى أيضا عرفت بـ (انتلجنسيا المخيم) عام 1958م في مدينة عدن، ونسبتها ترجع إلى جمعية (مخيم أبي الطيب المتنبي) التي تأسست في 16 ديسمبر 1939م والتي مثل محمد علي لقمان عنصرها المحرك.

وهكذا نجد خصائص هذه الانتلجنسيا (الفئة المثقفة) يمكنها مثل أفرادها أن تمتلك نمط المثقف المستقل الذي كان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين قد أظهره في أعلى أنماطه الفكرية (اجتماعيا وثقافيا)، ككيان امتلك خصوصية التوحد والوحدة ودعا إليها قبل قيام الجمهورية اليمنية وقبل إعلان وحدة اليمن في 22 مايو 1990م، وكان الكيان الواحد والأوحد الذي يمثل «الانتلجسنيا اليمنية الموحدة»، تحت رئاسة الفقيد الكاتب المناضل عمر الجاوي الذي بادر مع من معه من هذه الكوكبة المثقفة بتأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كأول مؤسسة وحدوية من مؤسسات المجتمع المدني، (وقد شغل منصب أمين عام لاتحاد الأدباء والكتاب في مؤتمراته المتتالية منذ عام 1974- حتى قيام الوحدة اليمنية 1990م) إذ أدى دورا مهما وعظيما في أن يظل هذ الكيان الاتحادي (للانتلجسنيا اليمنية) بما يحمل من طبيعة فكرية وثقافية يمنية متأصلة ومتحررة موحدا في كيانه شمالا وجنوبا وقبل التوحد والوحدة.. وهذه سمة تحسب كثيرا لهذا الكيان الثقافي والأدبي الذي يعتبر «انتلجنسيا اليمن» في عصورها الحديثة.

وعلى ذكر أديبنا الراحل الفقيد المناضل عمر الجاوي جاء في الخبر حينما كان مديرا عاما لهيئة الإذاعة والتلفزيون في عدن في سبعينات القرن الماضي، جاء إليه مندوب من السفارة الألمانية لديه أشرطة باللغة الالمانية يطلب إليه حينها عرضها على المشاهدين لنشر وتعليم اللغة الألمانية والاطلاع على الثقافة الألمانية العريقة(في خضم التعاون الثقافي للمنظومة الاشتراكية وتوابعها) .. أجابه حينها الأستاذ عمر الجاوي قائلا له : «دعني أولا أعلم شعبنا لغته وثقافته .. ويكفينا برامجنا باللغة الانجليزية إضافة للبرامج العربية في الوقت الحاضر». هكذا عندما يكون المثقف مسؤولا يدرك مهام ودور الإعلام ومتطلبات أي وقت ويقدر الزمان والمكان، ويكون أيضا له رأي .. رأي يحترم الثقافة بعيدا عن أي معطيات سياسية مغلوطة.

ولقد كانت التوصية أو النداء بالإبقاء على اسم الخصوصية (عدن) في القناة الوطنية التلفزيونية مطلباً ونداءً صادقاً للصوت المثقف والقلق في الوقت نفسه، ودلالة على موقف وخصوصية الانتلجنسيا اليمنية المثقفة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فرع عدن (النموذج) الذي يسعى لاحترام صوت العقل والحكمة ويشق عليه أن تذهب نداءاته أدراج رياح الاستبداد بالرأي الواحد.

لذا فإن المواقف الفكرية والثقافية عندما تأتي من ذوي الاهتمام يكون لها الخصوصية في التعاطي والإدراك، وتضع ضمن ذلك ما يبررها من قلق وحرص يشغل بال واهتمام المثقف في إطار أي كيان.

ونحن نتمنى على اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في مؤتمره القادم أن يضطلع بمهام أكبر مما هي عليه في واقعه.. وليكن (الانتلجنسيا الحديثة في اليمن) يحمل راية الأوائل الذين حافظوا على هذا الكيان الوحدوي منذ تأسيسه.. وكان عنوان وبذرة التقاء للعقول النيرة في أرض اليمن الواحد.. بل إنه ودون فخر.. الكيان الوحدوي الأول للوحدة اليمنية.