نجوم عدن .. محمد علي باشراحيل

> فضل النقيب

>
فضل النقيب
فضل النقيب
مشوار طويل سار على دربه الشائك فقيد الصحافة اليمنية، الرائد الذي لم يكذب أهله أبداً الأستاذ محمد علي باشراحيل، الذي ولد في عدن عام 1919 وتوفي في صنعاء عام 1993، وبين الميلاد والرحيل رسم على الأفق الذي لا تغيب شمسه قصة نجاح مهني متألق، وملحمة حب للوطن، وأسهم بشخصه وصحفه إسهاماً فاعلاً في التبشير بزمن جديد، ووعد جديد، وعودة مظفرة إلى مجرى التاريخ الذي تشوه عقب الاحتلال الإنجليزي لعدن عام 1839.

كان الأستاذ «العميد» مقاتلاً بفكره وقلمه وتمثيله للناس في المجالس البلدية والتشريعية، وقد شهد آثار الحرب العالمية الأولى والأزمة الاقتصادية الدولية مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، ثم الحرب العالمية الثانية التي دشنت انهيار الإمبراطورية البريطانية وما أعقبها من جملة إصلاحات في مستعمرة عدن وبزوغ الدور الفريد لهذه المدينة التي تشبه فناراتها البحرية في إضاءتها وإشعاعها على محيطها في الجزيرة العربية وشرق أفريقيا وتواصلها مع العالم البعيد حيث كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فأدرك بحسه التاريخي الذي نوه به كثيرون، أن مرحلة قد آذنت بغروب وأخرى أوشكت بشروق، فجاء مشروعه الإعلامي المتجاوز للنمط السائد والعابر إلى هموم وطنية وقومية، بمثابة الحاضنة، وكانت جريدة «الأيام» التي أعقبت «الرقيب» و«الريكوردر» هي النجم المتألق في السماء العاصفة لنهاية الخمسينيات وحتى الاستقلال في 1967، وقد عكست الشجاعة في زهوها المبدئي والنصاعة في تعبيرها الواضح غير الملتوي، والتعدد في الرؤى بما لا يخالف الثوابت الوطنية، والمهنية التي لا ترضي أحداً ولا تغضب أحداً لأن همها إرضاء الحقيقة، ومن هذه الزاوية فإن الأستاذ «العميد» هو رائد الصحافة الحديثة في اليمن الحديث بدون منازع، وقد كانت «الأيام» كما كانت مَضَافة العميد ملتقى للزعماء والوطنيين والقادة والشباب النابهين، والصحفيين اللامعين، وكانت شعبية «الأيام» من شعبية عميدها، والإقبال عليها وهي حارة طازجة في الصباح لا ينافسها فيه سوى الإقبال على الخمير الحار والشاي العدني في صباحات المدينة الساحرة فتلك غذاء العقل والروح وهذه غذاء الجسد.

وعلى تواضع مبنى «الأيام» في الخليج الأمامي لـ «كريتر»، إلا أن ذلك المبنى الصامد منذ حوالي نصف قرن يعد شيخ المباني في ذلك الحي الجديد نسبياً من أحياء عدن بالقرب من قصر سلطان لحج الشهير، وكنت أمر في طريق عودتي من المعهد العلمي الإسلامي إلى بوابة «الأىام» لعلي أحظى بعدد فقد كنت أعد نفسي من كبار عشاقها وكانت تستهويني تحليلات العميد المتوازنة المبنية على ثقافة متنوعة ورؤى ذكية فاحصة، وكذلك كتابات المرحوم الأستاذ أحمد شريف الرفاعي النارية التي كانت تلعلع على الصفحة الأخيرة صولاناً وجولان.

التقيت الأستاذ العميد في صنعاء في حديقة منزله وكان قد أقلع عن القات، فيما أخذ نجم هشام ابنه يلمع، وأخذنا نسير وئيداً ومعي زميلي محمود الحاج نستذكر أيام «الأيام»، ولم يكن سعيداً بما يأتيه من عدن وعن عدن المدينة التي وهبها حياته ونضاله وترك فيها قلبه وحبه. لكم بدا الزمن أخرق وهذا الرجل الكبير في نهاية عمره ومسيرة نضاله يشتاق إلى منزله وبحره، ومع ذلك فقد كان مثل كل الكبار لا يعتب فقد عرف الزمان وخبر الأيام وكان لسان حاله:

أريك الرضا لو أخفت النفس خافيا وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا

رحم الله الأستاذ العميد وأجزل ثوابه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى