نديم الشاعر المحضار في الغربة وابن أخيه.....السيد صالح بن محمد المحضار .. الرحيل المفاجئ

> «الأيام» خاص :

> في مدينة جدة، وفي التاسعة من مساء الثلاثاء 5/4/2005م، لفظ السيد صالح بن محمد المحضار، الأديب والمصلح والمربي الجليل، أنفاسه الأخيرة، وغادرت روحه الجسد الذي صحبته سبعة وستين عاماً، إثر حادث سيارة أليم فارق على أثره الحياة، ومضى إلى بارئه الذي اختاره لأمانته، وترك الأعمال الدنيوية الصالحة في أعناقنا نبراساً ونموذجاً للقدوة الصالحة بوصفها قيماً في المروءة وفعل المعروف.

وفي يوم الخميس، السابع من أبريل، حُمل إلى مكة المكرمة وصُلي عليه بعد صلاة الظهر في الحرم المكي الشريف ليوارى الثرى في مقبرة (الحجون) هناك .. وقد عرف عن الفقيد الراحل حبه للناس وعمق إيمانه بعقيدته وإخلاصه في أي عمل يقوم به، ولا بدع.. فهو نهر صاف من المعرفة والنباهة والألمعية والإرشاد والذكاء، يغرف من ذاكرته الحية التي اختزنت المعارف اللغوية والدينية والتاريخية والأدبية قديمها وحديثها. كان إذا تحدث في أمر ما أو أجاب على سؤال يتدفق كالسيل بفصاحته وسمو بيانه وجمال نطقه من دون تقعر أو تكلف، عليه رحمة الله.

والفقيد الراحل يحب الأدب والشعر ويتذوقه بعشق، لذلك فهو يميز في نطقه ونبرات صوته بين حديث النثر وأبيات الشعر التي يلقيها في بعض المناسبات، فهو يمتلك صوتاً عذباً كأنه الموسيقى يرن صافياً في الأذن ويتغلغل في أعماق النفس إذا ألقى أبياتاً من الشعر الجميل، ولا عجب، فهو أديب وشاعر لكنه مقل في الشعر، يتمتع بقدرة فائقة في تذوق الكلام وفهم واسع لتراثنا الأدبي.. لقد كان، رحمه الله، محباً للعلم شغوفاً بالمطالعة، وكان من عاداته إذا قرأ كتاباً لخصه في صفحات ونقده ودوّن ملاحظاته عليه، وقد استمعت إليه كثيراً وهو ينقد بعض الكتب بإنصاف ونزاهة، خاصة الكتب الدينية والأدبية، ذلك مما ينم عن ثقافة واسعة ومقدرة على النقد كان يتمتع بها الفقيد.

والفقيد السيد صالح بن محمد بن أبي بكر المحضار هو نديم شاعرنا الكبير الراحل حسين أبوبكر المحضار - عليهما رحمة الله - وأنيسه الجليس في الغربة وابن أخيه، وكان الشاعر الكبير المحضار عندما يصل إلى جدة أبان حياته لا يقصد سوى منزل فقيدنا الراحل، يقضي معه أسعد الأوقات يتجاذبان فيها أحاديث الأهل والأسرة والأدب والشعر والدين، وكان الفقيد صالح بن محمد يدون بقلمه الجميل قصائد عمه التي ينظمها في جدة، وقد جمعتهما شعراً بعض الإخوانيات الطريفة في مواقف مختلفة حصلت عليها من الفقيد الراحل، وما زلت أحتفظ بها ضمن مجموعة قصائد لعمه الشاعر المحضار كان قد نظم بعضها في الستينات عندما كان مغترباً في جدة، لا مكان للحديث عنها بين هذه السطور.

لذلك كانت للفقيد صالح بن محمد المحضار (يرحمه الله) منزلة عالية ومكانة متميزة في وجدان عمه الشاعر الكبير، كشف عنها في قصائد متعددة ومنها مرثاة الطفل عيدروس نجل الفقيد الراحل، الذي توفي وهو في السادسة من عمره، وفيها أشار الشاعر المحضار إلى محبة الفقيد لأهله ولكل الناس، ومحبة الناس وأهله له، فقال:

يقول بو محضار نومي ما هنيته لي ثمان

البرق حدثنا بحادث كيف لو شفته عيان

حادث يهز القلب ويهز المشاعر والكيان

الأمر لي ما هان عاصالح علينا ما يهان

لي شق عاصالح يشق عالناس والله المستعان

صالح يحب أهله محبة صدق ما فيها دهان

وهم يحبونه ويعترفون له في كل شان

ولا عجب أن رق قلبه للخبر والا استلان

وقد قيل قديماً «الموت نقاد على كفه جواهر يختار منها الجياد» وصالح المحضار من الجواهر الجياد، وقد عرف في مجتمعه بتواضعه وبساطته وسعة صدره وعفة نفسه ونبل مشاعره وحبه لفعل الخير والإرشاد والنصح امتداداً لقول المصطفى [ «الدين النصيحة» .. وقد حرك رحيل الفقيد وجدان العديد من الشعراء الذين عرفوه عن قرب، وصلوا يوم تأبينه السبت قبل الماضي 9/4 لتقديم واجب العزاء والتأبين، فتحدث الشاعر القدير عبدالله الجعيدي عن صفات الفقيد قائلا:

صالح محمد بكت لأجله عيوني بدم

وآلام من كثرها طرفي هجره الرقاد

رجل المبادي رحل عنا ورجل القيم

رجل الوفاء راح ريته مثل ما راح عاد

رجل التقى والنقى والمرجلة والكرم

رجل المهام الكبيرة والشرف والوداد

ويتحدث الشاعر عن مواهب الفقيد الراحل في الأدب والفقه وأصالته فيقول:

والشعر له فيه والنثر شاطي ويم

والفقه لاقد تكلم فيه بدع وجاد

تحزن عليه الحجاز ونجد وأم السلم

والعاصمة القويرة والعظيمة سعاد

وحول إشادة الشاعر الكبير حسين المحضار بصفات ابن أخيه الفقيد الراحل قال الشاعر الجعيدي:

عمه حسين الذي شعره قرته الأمم

في كل مجلس بصالح واستقامته شاد

واحنا كما شاد به عمه به انشيد جم

رجل المواقف وحلال الأمور الشداد

لاقد دعيناه يا صالح يجوّب «نعم»

«لا» ما لها في قواميسه محل والفؤاد

يرحمك الله يا صالح بن محمد المحضار .

لقد كنت صالحاً، وكانت السيادة عندك سيادة دين وثقافة وخلق ومواقف في الحياة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى