لكي ينجح الحوار بين الأحزاب..ضرورة الحكمة والمرونة من الجانبين

> علي هيثم الغريب :

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
إننا نحاول ككتاب إيجاد مخارج من متاهات المشاكل داخل الوطن، تلك المتاهات التي فتحت دروبها المتشابكة جداً في أعوام أزمة ما بعد الوحدة وعمقتها حرب 94م. وليس من السهل التوصل إلى الأسباب لكل من هذه الأزمات العامة، ولا ننسى أن العواطف والخوف والانفعالات السياسية هي التي تسود الآن الحياة في اليمن، لا الفكر السياسي السليم الذي يؤمن بل ويدافع عن الرأي الآخر.

فأحزاب اللقاء المشترك ينكرون ما تحقق في بلادنا من بناء مهما صغر شأنه، ويسمحون لأنفسهم بنشر «بعض الشعارات غير المجدية». والحزب الحاكم يزرع في عقول الناس بذور القلق، ويروج الإشاعات، كما يظهر أحياناً أنه لا يفهم تماماً صعوبة حل القضايا المتراكمة خاصة في محافظات الجنوب.. ونضيف إلى ذلك أن هناك سلسلة أخرى من الأحداث تعود إلى ماضينا الذي نتغلب عليه ببطء. ومن هذا وذاك ظهر على موجة الأحداث نموذج خاص من البشر لم تعرفه اليمن من قبل، يتسلق سلم المناصب ويكتسب الشهرة باحثاً عن «المخالفين له بالرأي» في أي مجال. فأحزاب المعارضة رحبت بالحوار مع المؤتمر الشعبي العام، وهي تقول: «لا يوجد لدينا مخرج آخر»، والمؤتمر أطلق دعوة الحوار وهو يردد: «لم نكن نريد ذلك، بل نحن مضطرون».هكذا شنت الحملات من داخل «الكواليس» قبل أن تلتقي الأحزاب. وهنا نسأل أحزاب المعارضة: هل صحيح أنه لا يوجد لديكم مخرج آخر؟! والسؤال نفسه نوجهه إلى المؤتمر الشعبي العام. أعتقد أن طرح السؤال بهذا الشكل لأحزاب السلطة والمعارضة يخلق مواقف جديدة من حل قضايا الوطن المعلقة، بعد أن ظلت السياسة على مدى عقد ونصف من إعلان الوحدة محمية خاصة بأقوياء هذا الوطن، بل وما يزال هذا الوضع حتى الآن، ومن نصيب بعض المشايخ والعسكر الذين ينتمون إلى السلطة والمعارضة. ولكن على هؤلاء أن يدركوا أنه من المشكوك فيه أن يكون هناك الآن أمر ما أكثر حيوية من أنسنة الكلمة والسياسة، وأن الميل باتجاه بناء المجتمع المدني بوجوه حزبية وسياسية جديدة تدوي بثقة وقوة متزايدة في الواقع السياسي الدولي كله، وأن الزمن لم يعد زمن العنف والتهام الآخر، بل زمن تلبية حاجات الإنسان الروحية والمادية، وأن عام 2005م ليس بعام 1994م، وفي هذا ايضاً يكمن التفكير الجديد الذي ننظر عبره إلى الحوار الأخلاقي كجزء لا يتجزأ من نظام الوحدة،. وتكمن مهمة الحوار لا في المهاترات الإعلامية التي بدأت بصورة منفرة، بل في ضمان حصانة المتحاورين. طبعاً لا توجد حصانة عند أي حزب إلا باعترافه بالآخر، بل وكلما كان الاعتراف أكثر صراحة وصدقاً، ازداد التفكير السياسي الجديد عمقاً في وعي المجتمع، وكانت الأخطاء قليلة . ولا يجوز عدم أخذ الواقع بالحسبان اذا أردنا سياسة واقعية.

وإننا على قناعة راسخة أن مستقبل كل هذه الاحزاب يكمن في نتائج حوارها الآتي لا ريب فيه. والمؤتمر الشعبي العام كما يبدو لنا، يجب أن يكون معنياً بتسوية هذه المسألة، وأن ينطلق بثبات من أن حل المسألة الاقتصادية له طريق واحد فقط، هو الطريق السياسي، والسعي نحو هذا الطريق يجب أن لا يكون مؤقتاً، وأن المجتمع اليمني قبل الأحزاب هو بحاجة إليه، خاصة وأن الحوار بين الأحزاب الثلاثة (المؤتمر، الإصلاح والاشتراكي) ما يزال يشكل بؤرة خطر، وفي الوقت نفسه مصدر أكثر المشاكل صعوبة .. فالأحزاب ثلاثتها أعلنت مراراً أنها تؤيد الحوار، ولكنها رافضة أن تحدد بأي طريق يجب السير لتحقيق أهداف هذا الحوار؟ وما هي المسائل التي تتحاور حولها؟! فدائماً تتناول هذه الأحزاب موضوع «الحوار الديمقراطي» وتفرد له مكانة أكبر في إعلامها. ومع ذلك وما إن تبدأ مناقشة هذه الفكرة حتى يتسابقون إلى طرح التحفظات والشكوك، حتى أصبحنا نحن المواطنين لا نعرف جيداً ما هو الشيء الذي يشكل خطراً علينا، هل هو الحوار بين هذه الأحزاب أم عدم الحوار؟! رغم أننا على قناعة تامة بأن الحوار الصادق لا يمكن أن يلحق الأذى بالأحزاب، لأن الأحزاب بطبيعتها هي الديمقراطية والرأي العام، وأن المخاطرة بالنسبة لها تظهر عندما يسود عدم الإيمان بالآخر وبأفكاره وبعقل المجتمع ووعيه السياسي. وعلى الأحزاب كلها أن تدرك أن الحوار (أي حوار) من طبيعته أن يفرز مفاهيم متباينة جداً.. على سبيل المثال تغيير ممارسة إجراء الانتخابات ونمو صلاحيات المجالس المحالية (بما فيها انتخاب المحافظ ومدير المديرية ومدير الأمن ورئيس محكمة الاستئناف) وتوسيع حقوق الإنسان بحيث تحمي كل مواطن على حدة من جبروت المشايخ المسلحة والأجهزة (الحكومية والحزبية)، وتمنحه تلك الحقوق الجديدة التي لم تتحقق حتى الآن في المجتمع اليمني.

وهناك مرتكزات جيدة للحوار منها أن الاحزاب لا تبدأ عملية الحوار فيما بينها من الصفر. فالوحدة بحد ذاتها دشنت مرحلة جديدة في الديمقراطية والمساواة والعدالة، وكذلك شهد تاريخنا الوحدوي مصاعب وأخطاء وعقبات أمام تطور الديمقراطية وبناء دولة الوحدة. هذه وقائع تاريخنا وطريقنا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الحوار لا يدور حول تحطيم نظامنا السياسي، وإنما حول الاستخدام الأمثل لإمكانياته.

وعلى الاحزاب الثلاثة أن تعد وثائق تشريعية واقتصادية وسياسية ووطنية ترمي كلها لإكساب الوحدة والديمقراطية مزيداً من الرسوخ وطابعاً لا نكوص عنه. ونظراً لذلك فإن الحوار البناء حول كافة القضايا يبرز كأداة رئيسية وضمان لعملية الإصلاح. والمواطن يطالب الحكومة أن تجيب وبروح هادئة عن كافة أسئلة الصحفيين والكتاب وأخبار الإعلام، وعن النقد الذي يوجه إليها، لا أن تزج بالمخالفين لها في الرأي في السجون والمحاكمات .. فالذي يريد صحته البدنية والخلقية ليس بحاجة لأن يخفي أمراضه.

إن فئة المثقفين (في الجامعات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني) وبرغم كل تنوع تلاوين آرائها، إلا أنها هذه المرة قد استجابت بجاهزية للإصلاح ، وعبأت نفسها لدعمه. وأظهرت الإضرابات والانتقادات انتعاشاً ورغبة كبيرين في الإصلاح السلمي.

وعلى الأحزاب أن تقيم مجمل هذه المسائل التي كشفت عن احتياطي هائل للإىمان بالنقد والحوار والإصلاح .. وعلى الأحزاب جميعها (في السلطة والمعارضة) أن تعتاد العيش والعمل في ظروف الديمقراطية المتزايدة، وأن أي تصادم في وجهات النظر يجب أن يحل في السياق الديمقراطي، وأن تعتبر إطلاق الرصاص والعنف والسجون من مخلفات الماضي الدموي. ونحن نعرف أن الاحزاب الثلاثة لا يمكنها الاعتماد على دخلها غير المشروع في تحقيق دورها القيادي. فهذا أمر مشحون بالمخاطر. وإذا ما تخلف أي من تلك الأحزاب عن استيعاب التغييرات في المجتمع، وما لم يلتقط في هذا الوقت بالذات المسائل الناضجة، وإذا تباطأ في الحوار حولها، فلا مناص عندئذ من المصاعب في تطور الديمقراطية والبلاد على حد سواء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى