اشتعال الأسعار مع اقتراب جرعة المحروقات

> د. محمد حسين حلبوب :

> مع بداية العام الماضي تصاعدت أسعار الحديد حتى بلغت الزيادة أكثر من 60%، مما أثار نقاشاً حاداً في مجلس النواب، واتخذت الحكومة بعض الإجراءات للحد من الآثار السلبية لهذا الارتفاع في مجال البناء والتعمير. لكن جدوى تلك الإجراءات كان محدوداً للغاية، وذلك لأن الأسباب الرئيسة لتلك الزيادة كانت خارجية (أهمها ارتفاع الطلب العالمي على الحديد بتأثير الانتعاش العالمي والنهضة العمرانية الهائلة في الصين).

في منتصف العالم الماضي ارتفعت أسعار (كري الكسارات) أكثر من 50% بتأثير زيادة الطلب الناتج عن التوسع الكبير في مجال رصف الشوارع والطرقات بالإسفلت. وهنا كانت الأسباب محلية، ويمكن التخفيف من حدتها باستخدام الوسائل الاقتصادية، لكن الحكومة لم تحرك ساكناً.

ومنذ بداية العام الحالي ومدينة عدن تعاني تصاعداً غير مبرر في أسعار الرمل (النيس)، حيث زادت أسعار تحميله في الموقع بنسبة 200% (من 1000 إلى 3000 ريال) وزادت أجور نقله من لحج إلى عدن بنسبة 100% (من 5000 إلى 10000)، والسبب الرئيس كان وما يزال هو الاحتكار، الذي أصبح يفرض على الشاحنات الوقوف في طوابير طويلة لأكثر من يومين أحياناً. وهنا فإن السبب الرئيس يمكن معالجته، لكن السلطات المعنية لا تحرك ساكناً.

وفي الآونة الأخيرة، ارتفعت أسعار الإسمنت بنسبة عالية اقتربت من 90% (من 650 ريالاً إلى أعلى من 1200 ريال ثم تراجعت إلى 1050 ريالاً للكيس).

ويدرك المعنيون بالأمر أن من بين الأسباب التي أدت إلى وصول الارتفاع إلى هذا المستوى عوامل محلية متمثلة في سياسات التسعير الخاطئة لدى المؤسسة العامة لإنتاج وتسويق الإسمنت التي تمتلك ثلاثة مصانع في اليمن (عمران، باجل والبرح) وتغطي أكثر من 30% من الاستهلاك المحلي، حيث ظلت متمسكة بتسعيرة مخفضة بشكل مصطنع، مما خلق طلباً إضافياً وهمياً يحركه إغراء الربح الكبير من الفارق بين سعر المؤسسة المنخفض (604 ريالات للاسمنت العادي و722 ريالا للاسمنت المقاوم للملوحة) وسعر السوق المرتفع.

كما توجد عوامل نفسية خلقتها حالة الانتظار لجرعة المحروقات وجرعة ضريبة المبيعات، وتطبيق استراتيجية الأجور، وهذه أيضاً خلقت طلبا إضافيا ناتجا عن سعي أصحاب الأعمال والمقاولين للإسراع في إنجاز أعمالهم أو ما تعاقدوا عليه قبل الوقوع تحت تأثير الجرعات القادمة.

كذلك كان لارتفاع سعر الدولار دور مؤثر أيضاً .. وكلها عوامل محلية خلقتها بعض السياسات الحكومية الخاطئة، ويمكن التخفيف من آثارها بتصحيح تلك السياسات.

بالتأكيد هناك أسباب عالمية لارتفاع أسعار الإسمنت، أهمها الارتفاع العالمي في أسعار النفط، الذي يؤثر في زيادة تكلفة الوقود المستخدم لحرق خامات الإسمنت، وكذلك تأثير زيادة الطلب العالمي (لنفس السبب المؤثر في أسعار الحديد المشار إليه أعلاه).

إن محصلة تأثير ارتفاع أسعار مواد البناء الأساسية (الحديد، الاسمنت، الكري والنيس) سوف يكون لها آثار سلبية كبيرة في نشاط البناء والتعمير، وهو المجال الثاني- بعد الزراعة - من حيث استيعابه للعمالة، والأكثر ارتباطاً بالمجالات والأنشطة الاقتصادية الأخرى التي تستوعب أيضاً عدداً كبيراً من العمال. وسوف تكون الآثار السلبية أكثر سوءاً إذا ما استمرت موجة هذا الارتفاع خلال الصيف، الذي يزداد فيه الطلب عادة على البناء والتعمير بتأثير المغتربين، وترتفع خلاله أجور العمل بسبب انشغال الكثير من العمال في الزراعة.

لذلك فإن الدولة ملزمة بكبح جماح الاختلالات السعرية التي خلقتها سياساتها الخاطئة، مثل: عدم مكافحة الاحتكار (كما في موضوع النيس) أو التسعير بعيداً عن عوامل السوق (كما في مؤسسة إنتاج وتسويق الإسمنت).

والأهم من ذلك كله أن على السلطة الخروج من حالة الإرباك التي اتسمت بها بعض سياساتها في الآونة الاخيرة، ابتداءً من طريقة التعامل مع تمرد (الحوثي) الذي تكاد قضيته أن تتحول إلى مشكلة سياسية مزمنة، مروراً باختيار القانون الخطأ والتوقيت الخطأ لتطبيق ضريبة المبيعات، وصولاً إلى عدم منطقية إنزال نقود من فئات القيمة الصغيرة (20 ريالا) التي تتسم نوعياً بسوء الصناعة وتمتاز اقتصادياً بسرعة التداول (كما نعرف ذلك من قانون غريشام عن النقود السيئة) وغيرها.

أخيراً: على الحكومة أن تلتزم بنفس معايير السلامة التي تطالب الآخرين بتطبيقها عند الترخيص لهم بالتعامل مع المحروقات، وأهمها منع إشعال الحرائق الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية أو الإعلامية، لأن أمامنا جرعة المحروقات .. يالله بالسلامة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى