رسالة مؤلمة تمنت أن تصل كل أب وأم و فرد في المجتمع...صرخة فتاة يمنية تفضح الاستبداد الاجتماعي لـ (الأنثى) على موقع الـ BBC

> «الأيام» محمد فضل مرشد :

> (ياسمين) فتاة يمنية في الـ 16 من العمر، فضحت بصوت يملؤه الألم القاتل وكلمات تعري حقيقة تفكك أسري بات يعصف بمجتمعنا، ويدفع بالآلاف من اطفالنا الى مستقبل مجهول الهوية.

ابنة الصف الثاني ثانوي حكت لإذاعة بي بي سي العربية حكاية الزلزال العنيف، الذي ضرب عائلتهم دون سابق إنذار وقذف بها وإخوتها الصغار الى مفترق طرق ما بين الضياع بكل أشكاله أو الوصول الى بر الأمان بالاستعانة بالإيمان والإرادة.. زلزال لا يمت لـ (تسونامي) بصلة إنما لجملة (أنت طالق).

تقول هذه الفتاة، التي كسرت حاجز الصمت المضروب على واقع التعامل الدوني مع الأنثى في المجتمع اليمني وسلب حقوقها في الحياة تحت مبرر العادات والتقاليد: «أنا اسمي ياسمين، من اليمن، عمري 16 عاما، ادرس في الصف الثاني الثانوي القسم الأدبي، وتحكي قصتي عن التفكك الأسري الذي حدث لعائلتي، كنت أعيش مع والدي ووالدتي وإخوتي، ونحن ستة أطفال أنا أكبر الفتيات، ثم سافر أبي، وهو مقاول، في مهمة عمل تيسرت بسببها حالته المادية، وبدلا من أن يحمد الله، ويحتفظ بالنقود لزوجته ومستقبل أطفاله، تزوج في هذه المدينة.

وتواصل (ياسمين) حديثها الى (بي بي سي) فصول حكاية يمنية بطلها أب ينتمي لمجتمع تزوج فيه الفتاة دون حق في اختيار الشريك وتطلق بمزاجية تسلبها ما تبقى لها من حقوق وإنسانية شرعها لها الدين الاسلامي قبل القوانين الوضعية، قائلة: «لم تخبرنا أمي، برغم صدمتها، بأي مشكلة طوال أربع سنوات هي فترة غياب أبى، حاولت خلالها أمي وأهلها مساندتنا قدر استطاعتهم، وعاد أبي من السفر واندهشنا لعودته، وقال لي: وين أمش، ناديتها وقلت: أبي جاء. وسمعناهم يتصايحوا داخل، قال لها: شوفي أنا جيت ومعي مرتي وقدها مخلفة بنت وولد، والآن بنسكن مع بعض، أمي استعجلت وقالت إيش عادي أرجعلك وكرامتي تنكع للأرض، ليش أنا قصرت معك؟ قال لها أبي: لا أنت ما قصرتي بس الشرع حلل لنا أربع، قالت حلل لك أربع إذا قصرت في أي حق من حقوقك، وأبي حتى ما راجعها - فأبي شديد جدا، ومشكلتنا هنا في اليمن أن المرأة تخضع لراجلها والبنت لأبوها - على طول اداها كلمة (طالق) وكأنها شربة ماء، وهذا الموقف عمري ما بسامح أبي فيه وما بنساه طول العمر، رغم أني ما أعصيه أبدا وطاعة الوالدين واجبة، طلقها وقال الأطفال يرجعوا لا عندي، أختي الصغيرة وأخي الصغير كانوا متعودين يناموا في حضن أمي وفي الأخير ما لقوا أمهم جنبهم، وكمان مرة أب هذه حاجة تحسسك بالخوف، والصورة اللي أمامنا لأبي هي لرجل جالس دائما يدخن ويخزن.. أهم شيء راحته وقاته موجود بعد الغداء، وطبعا أنا معي خالة قدامي الله الله ومن ورائي يعلم الله، وأبي يسير من الساعة 6 الصباح العمل وما يرجع الا 6 المغرب، وأنا أحاول أسد جوع إخوتي بأي حاجة وما أهم نفسي، وأبي كان يسمع لخالتي وما يسمع منا، وهذا أكبر ظلم يفعله الأب بحق أولاده، وأنا أمي مش بجنبي ولا معي أخت كبيرة أشكي لها وكنت أقول الشكوى لله وأجلس في الظلام أدعو الله باستمرار أنه يخارجني من الحفرة الي طحت فيها وما عرفت اطلع، وكنت أحس أن الله يقول لي اصبري».

هكذا تحول عادات وتقاليد هذا المجتمع في كل يوم وربما كل ساعة زهورنا إلى كيانات محطمة ومدمرة كان من المفترض احتضانها لتتفتح على الحياة.. وربما إذا التفتنا بعين الأب إلى فتيات الشوارع، اللاتي بتن يشكلن ظاهرة تبرز بقوة الى السطح رغم محاولات طمس حقيقة وجودها، لوجدنا في وجوههم ملامح من مأساة (ياسمين)، التي غرزت أضفارها في جدران الهاوية حتى صعدت منها، رغم أن نظامنا الاجتماعي كان يشدها بقوة إلى قاعة الهاوية.. تقول: «بالنسبة لدراستي، لم استطع أن اجتهد فيها بسبب أعمال المنزل التي كنت أقوم بها دائما، فأنا المسؤولة عن البيت، ولم يسمح لي أبى أن أستريح يوما عند أمي، وقد لجأنا للمحاكم فترة قبل طلاق أمي لنبقى معها، ولكن للأسف من معه زلط (نقود) قضيته تنظر أولا، ومن لا يملك النقود يتأخر ويخسر أيضا، وهو ما حدث لنا في المحكمة، وكانت صدمة أخرى لوالدتي.. وكنت أحاول أن أريح أمي، وعندما تسألني عن أحوالنا، أقول إننا بخير، فيكفيها أننا جميعا بعيدون عنها، والوحيد الذي كان يشعر بي ويساندني هو خالي، وكان يشجعني على الاجتهاد في دراستي، وبدأ يعلمني الكتابة على الكمبيوتر، ويحثني أن أتطلع لمستوى افضل، ويقول لي ألا أيأس من رحمة الله، وله كل الشكر والتقدير على مساعدته».

وحتى لا يستمر مسلسل حرمان وسلب المرأة اليمنية أكانت أماً أو ابنة أو أختاً من حقوقها، ومنعها من تقرير مصيرها سواء في اختيار شريك الحياة أو بناء كيانها المستقل كمخلوق آدمي كامل، لأجل بعث الروح في ضمير هذا المجتمع، وجهت (ياسمين) هذه الصرخة إلى كل أب وأم وفرد في المجتمع اليمني قائلة لهم بصوت يملؤه الحب للجميع: «أتمنى من الله أن كل أم وأب إذا واجهتهم مشكلة صغيرة أن يتعاملوا معها في صغرها، وعلى الوالدين أن يتماسكا من أجل أطفالهما ومستقبلهم، بدلا من أن يكون مصيرهم الشارع.. وأرى أن بداية الطلاق هي عدم توافق الطرفين، وأتمنى أن تعطى فترة للمقدمين على الزواج لدراسة طبائع بعضهم البعض، وإذا كانا غير متوافقين، لماذا يتزوجان؟ فهي ليست فقط تجربة وستمر، بل سينتج عنها أطفال، وكل من له عقل فليبدأ باستخدامه».

ولم تنسَ رغم آلامها آلام آلاف ممن يعصف بهن التفكك الأسري ذاته «أقول لكل فتاة مرت بنفس ظروفي أن تكافح ولا تيأس، وألا تتخلى عن تعليمها أبدا، فهو النافع لها، وتحاول أن يكون لها طموح فقد تصبح محامية، أو مصلحة اجتماعية لتغير للآخرين ما عانت منه» رسالة تمنت (ياسمين) أن تخرق صمتنا المخجل ازاء هكذا قضية مصيرية.

وهنا تنتهي فصول مأساة (ياسمين) بحلم هزم كابوس استبدادنا الاجتماعي بالأنثى «بعد عشر سنين أتمنى أن أكون مدرسة للتربية الإسلامية، فإذا ما صلح الدين صلحت الدنيا، وقد اخترت هذا المجال بالذات لتوعية البنات إذا ما عانين من نفس ظروفي، فأنا لم أجد من يوعيني إلا خالي بعد معاناة طويلة.. وفي المستقبل عندما أتزوج احلم بأن أعيش أنا وزوجي وأبنائي في بيت واحد، وفي هدوء»، بهذا الحلم اختتمت (ياسمين) مأساتها، لكن مآسي أخرى بالتأكيد بدأت في نفس اللحظة لـ (ياسمين) أخرى، طالما وأن الأنثى ما زالت كياناً ناقص الآدمية مسلوب الحقوق!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى