كــــركـــر جمـــل

> عبده حسين أحمد :

> في البداية كنا نشاهد أمير الشعراء أحمد شوقي يضع يده على خده في صورة خالدة له .. ثم شاهدنا الصحفي الكبير مصطفى أمين يضع كفه- وهو يمسك قلماً - على خده .. ثم توالت الصور لبعض الكتاب في تقليد هزيل لهذين العملاقين .. أكثر هذه الصور تظهر في الصحف المحلية .. بعضها لكتاب غير معروفين.. والبعض الآخر لكتاب لازالوا في أول السلم في دنيا الصحافة .. وعرفت أن الذي يهم هؤلاء جميعاً فقط .. هو أن يضعوا أصابعهم أو أيديهم على خدودهم لكي يظهروا بصورة الكتاب الكبار الذين يستغرقون في التفكير والتأمل عند الكتابة.

قرأت ذات مرة أن الكاتب الكبير أنيس منصور نصحه بعض زملائه أن يلف (كوفية) أي (شال) حول رقبته تشبهاً بالأستاذ العقاد بوصفه واحداً من أكبر المريدين والمعجبين بالأستاذ العقاد.. وقد فعل ذلك دون سبب معقول.. ثم نزع (الكوفية) بسرعة .. ويقول الأستاذ أنيس منصور: «إلى جانب الأستاذ العقاد ظهر مؤلفون كثيرون مختلفون .. وإن كان العقاد أعظمهم .. وبدأت ألاحظ أنني أقول: من رأيي .. وأنا شخصياً قد قرأت للأستاذ العقاد كثيراً.. ولكنني لا أتفق معه .. ولم يفلح في إقناعي .. ولم أفكر في هذا الموضوع كثيراً.. أي تقليد الأستاذ العقاد».

ثم يقول الأستاذ أنيس منصور: «وإذا كان لهذه العبارات معنى .. فهو أنني بدأت أختلف أو أحاول أن يكون لي رأي خاص .. وأنني أخذت أضيق بمن يصفني بأنني العقاد الصغير. هل أنا الذي أوهمت زملائي بذلك؟ .. هل أنا الذي شجعتهم على أن يصفوني هكذا؟ .. أعتقد أنني فعلت ذلك.. وإن كنت لا أدري ما الذي يمكن عمله أو قوله أو كتابته أو قراءته لكي يكون الإنسان كالعقاد الصغير أو الكبير».

والذي يريد أن يؤكده الأستاذ أنيس منصور .. هو هل من الضروري أن يكون الإنسان صورة طبق الأصل لإنسان آخر؟ .. أو هل من المنطق أن يكون الإنسان صورة ممسوخة في تقليد إنسان آخر بأي شكل من الأشكال .. أسلوبه.. طريقة حياته.. عمله.. حركاته.. سلوكه .. ملابسه .. وغير ذلك؟ .. ثم ينفي الأستاذ أنيس منصور ذلك .. ويذكر بعض المفارقات العجيبة .. ويقول : «إن الأستاذ العقاد سئل ذات مرة عن كلمة (العقاد)، فقال : «إن أجداده كانوا يعملون في «عقد» الخيوط الحريرية، ثم قال أيضاً: «إذا كان أجداده (يعقدون) الخيوط فإنه (يحلها).. أي أنه ليس نسخة من أجداده .. تماماً كما كان سقراط يقول عن نفسه : إن أمه كانت مولِّدة .. وأنه هو أيضاً يقوم بنفس العمل.. ولكنه يولِّد المعاني من عقول الناس».

ولأن الاختلاف ضروري في الأسلوب والأفكار.. لذلك كان الأستاذ أنيس منصور مختلفاً عن أستاذه العقاد.. بالرغم أنه كان أكثر الناس تردداً على صالون العقاد.. وأنه أكثر من كتب عن العقاد .. قال أنيس منصور: «نشرت ذات مرة عن (معنى الفن عند تولستوي) .. وفوجئت بالأستاذ العقاد يقول : قرأت مقالك .. وأعجبني أسلوبك.. وقد أسعدني أنه قرأ لي.. ولكن ضايقني أن يكون إعجابه بأسلوبي فقط».

«وقد لاحظت أن عباراتي كانت ضخمة .. وأن تراكيبي كانت فخمة .. وأن حفاوتي بالكلمات الطنانة الرنانة كانت أكثر.. فقررت أن أكتب بطريقة مختلفة .. وأن تكون عباراتي أسهل .. وموسيقى مقالاتي أهدأ .. وأن تكون أفكاري على وجه الألفاظ.. أو قريبة من أصابع الناس.. و أن تكون ألفاظي فساتين قصيرة شفافة.. على قدر المعنى.. فلا يتعب القارئ في أن يفهم .. ولا يحتاج إلى ثقافة كبيرة لكي يدرك ما أقول».

«وكتبت المقالة بأسلوب جديد ونشرتها باسم آخر.. ولم أشأ أن أسأل العقاد.. ولكن تعقيبه وكلماته الطيبة زلزلت أعماقي .. وحمدت الله أنها لم تحطمني أو تصنع مني صورة منه أو من أي أحد».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى