حيث تتقاطع جراح الحروب مع نبضات الأمل، تظلّ "الأسرة حجر الزاوية الأساسي للمجتمع "، واللبنة الأولى التي بها يبدأ كلّ بناء، أو منها يتهاوى كلّ شيء. إنها ليست مجرد إطار تقليدي يجمع أفرادًا تحت سقف واحد، بل هي المنبع الذي تُصاغ فيه أرواح الأجيال، وتتشكل فيه القيم التي ستحكم المستقبل. وفي هذه اللحظة الحرجة التي يمرّ بها اليمن، تبرز أهمية العائلة لا كواقع اجتماعيّ فحسب، بل كمؤسسة عظيمة تتشكل فيها أنماط وأساليب حياتية جديدة تتناسب مع احتياجات العصر.
في قلب اليمن..!!
حيث الحاجة ماسّة إلى التماسك أكثر من أي وقت مضى، تصبح العائلة الموطن الأوّل لبناء السلام. وليس السلام المقصود هو غياب العنف فحسب، بل هو السلام القائم على العدل، على الاحترام المتبادل، على المساواة بين الرجل والمرأة، وعلى تربية الأبناء على التفكير الحرّ لا الخوف، وعلى الشراكة لا الهيمنة. ولكن حين يتمّ تجاهل هذه المبادئ، ويتربّى الأطفال على التسلّط بدل المحبّة، وعلى الطاعة العمياء بدل المشورة، يصبح من السهل أن تنشأ أجيال تمارس الظلم دون وعي، وتعتبر الصراخ أداة حوار، والقوّة بديلاً للحقّ.
وفي قلب اليمن..!!
حيث نحتاج إلى ترميم ما تكسّر في أرواح الناس، لا يكفي أن نتحدّث عن التنمية أو السّلام بمعزل عن إعادة إحياء الروابط الرّوحانية داخل الأسرة. فحين يغيب البعد الروحيّ عن تربية الأبناء، تُصبح الأسرة مجرّد مساحة لتكرار نماذج القمع التي نرفضها في مختلف أنسجة المجتمع. وحين تُهمل حقوق الطّفل في الحنان والمشاركة، يصبح من الصعب أن يُبنى له مستقبل ينتمي فيه إلى وطنٍ يتّسع له. وما لم تُفتح نوافذ البيوت لنور المحبّة والعدل والتعايش والتسامح ، فستظل نوافذ المجتمع مغلقة لدخول نور المواطنة المتساوية وأمام نسيم احترام كرامة المواطنين.
من هنا تبدأ المسؤولية: أن نعيد النظر في شكل العلاقة داخل البيت، أن نزرع في قلوب الأبناء الشجاعة على التعبير، والاحترام لا الخوف، أن نُعلّمهم أنّ الكرامة ليست هدية، بل حقّ. أن ننشئ بيوتنا على أسس المشورة لا الاستبداد، على روح الخدمة لا على تسلّط الأوامر. لأن اليمن الذي نحلم به، لا يمكن أن يولد من رحم العنف، بل من أحضان أمهات يُربّين على المحبة، وآباء يُعلّمون أولادهم كيف يصغون قبل أن يأمروا، وأطفال يُتاح لهم أن يضحكوا، ويتعلّموا، ويُحاوروا، لا أن يخافوا.
إن إعادة بناء اليمن تبدأ من المكان الذي تشكّل فيه النفوس، لا من مكان إصدار القوانين. من تلك الجلسات البسيطة التي تجمع الأسرة عند الغروب، حين يُسمح للجميع أن يتكلّم، وحين يكون للحبّ صوت، وللاحترام حضور، وللرّوح مقام. ففي مثل هذا المناخ فقط، يُمكن أن يُولد جيل يرفض الظلم لأنه لم يختبره، ويزرع السلام لأنه تربّى عليه، ويكون لوطنه نبراسًا لا عبئًا، ونقطة ضوء في ليلٍ طال أمده .. فلنحفظ هذه العبارة عن ظهر قلب : " أن الأسرة أمة مصغرة و الظروف التي تحيط بالأسرة تحيط أيضاً بالأمة".
ودمتم سالمين