بالأمس، أخذتُ ابنتي الصغيرة "أميليا" إلى عيادة طبيب الأسنان. لم تكن تعلم، وهي ترافقني بيدها الناعمة، أنها ستخوض تجربة لم تترك أثرها في فمها فحسب، بل في قلبي أنا.
قال الطبيب بهدوء: "نحتاج لقلع هذا السن."ثم استأذن، وسحب قليلاً من دمها، ووضعه في جهاز لا تعرفه هي، لكنني كنت أراقب، أتأمل، واسأل الطبيب وأغوص في شيء أعمق بكثير من مجرد إجراء طبي. بعد قليل عاد، وفي يده مادة لزجة ذهبية المظهر، تشبه الحياة حين تُصفّى من صخبها.
وقال: "هذا من دمها… سأضعه في موضع السن المخلوع، لأنه سيساعد على التئام الجرح بسرعة. الدم من الجسد ليُشفي الجسد. ولقد رأيت في مسيرتي كطبيب اسنان معجزة هذا العلاج وكيف إنه يرمم الجرح ولا يترك اي أثر له في المستقبل" عندها سكنتُ قليلاً، وفكّرت بعمق..!!
أليس هذا تمامًا ما نحتاجه في مجتمعاتنا المجروحة؟أليست الجراح التي تركتها الحروب والكراهية والتعصب، بحاجة إلى شفاء من داخلنا؟
أليست دماء أبنائنا ، لا اقصد أبداً تلك التي تُراق في ساحات القتال، بل التي تنبض بالحياة، بالعلم، بالإبداع، بالحب ، هي ما ينبغي أن نستخدمه لشفاء هذا الوطن؟
أي أن..!!
نُقلع السلبيات ، الفساد ، الظلم.. نعم. لكن لا نترك الفراغ ينزف.
بل نملأه من أنفسنا، من طاقتنا، من مواهب ومهارات شبابنا… فكما يُشفى الجسد بجزء من دمه، يُشفى المجتمع بأبنائه.
بالأمس..!!
ربما لم تكن أميليا تعرف أنها شاركتني درسًا عميقًا في الحياة
لكن بابتسامتها البريئة بعد العلاج، ذكّرتني أن الجراح تُشفى.
وأن البُنيان الذي تهدّم، يمكن أن يُعاد بناؤه، إذا كانت المواد من أنفسنا ونابعة من أعماق قلوبنا نقية، صادقة، حيّة.
وهكذا، خرجنا من العيادة..!!
هي بخفة إنتهاء الألم وأنا بثقل فكرة لن تغيب:
كل جرح فينا، علاجه فينا.
فلنُعطِ من أرواحنا، لنُعيد لوطننا عافيته.
ودمتم سالمين