جئنا لنستثمر.. فاستثمرونا!

> أحمد عمر بن فريد :

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
ذات يوم غير بعيد، وبينما كنت أتحدث إلى بعض الزملاء في قاعة الاستقبال لأحد الفنادق السياحية بمدينة عدن، وعلى عجالة من أمره، انضم إلينا شاب يمني بدا للوهلة الأولى أنه مغترب عن وطنه، وأنه في طريقه للعودة إلى البلد الذي أتى منه، إذ كانت حقائب سفره جاهزة إلى جانبه، وبدا أنه على معرفة بأصدقائي المقيمين في الفندق نفسه ، الذين تبسموا له ولحقائبه الجاهزة قبل أن يبادر أحدهم بسؤاله مازحاً: ماذا فعلت في مشروعك الذي أتيت من أجله؟.. هز الشاب رأسه ضاحكاً، وهو يحمل حقيبته مودعاً الجميع بعبارة تختزل كل معاناته وحكايته فقال: جئنا لنستثمر.. فاستثمرونا!!

سألت أصدقائي .. ما حكاية هذا الشاب؟ فأخبروني أنه مغترب يمني، قدم من لندن، وكانت لديه النية والرغبة في الاستثمار في وطنه، وكانت لديه فكرة جاهزة لمشروع تجاري، أراد أن يكون مفتاح وجوده في عدن، ولكنه وأثناء قيامه بإجراءات تنفيذ مشروعه، تعرض لسلسة طويلة من العراقيل والصعاب التي لم تكن تخطر له على بال، ثم حاول أن (يمشّي أموره) بموجب الأعراف والتقاليد اليمنية لمثل هذه الحالات، ظناً منه أن النتيجة سوف تنتهي في آخر المطاف بإنجاز مشروعه الذي أتى من أجله، ولكن (عملية الابتزاز) تجاوزت الحدود التي يمكن احتمالها، وباتت تشكل له نزيفا ماديا شبه يومي، ثم أدرك بعد مدة ليست بالوجيزة، أن الاستمرار في هذه اللعبة ومجاراتها، إنما سيمثل له خسارة مؤكدة، فما كان منه إلا أن حسم أمره، واتخذ قراره الشجاع بالخروج الفوري من هذه اللعبة، والعودة إلى بلاد الاغتراب التي أتى منها، قبل أن يستنزف ويخسر كل ما يملكه من مال.. فقال عبارته الحكيمة لنا وهو يودعنا: جئنا لنستثمر فاستثمرونا!

أكتب هذا المقال، وأمامي الآن عدد جريدة «الأيام» رقم 4476 الصادر يوم الإثنين 9 مايو 2005م، وفي الصفحة الأولى منه، أشاهد صورة وموضوع الشيخ أحمد الصريمة الشهير، المتعلق بحقوقه المادية المنهوبة، التي تقدر بعشرات المليارات من الريالات اليمنية، وهو يقدم المناشدة الأخيرة للأخ رئيس الجمهورية، طالباً الإنصاف والحق.. لا أقل ولا أكثر، لمعاناة مضنية مضى عليها حتى الآن أكثر من عام.. وكمقارنة بين الحالتين، يبدو واضحاً أن الفرق ما بين الشاب اليمني الذي ذكرت قصته، والشيخ الصريمة لا تختلف إلا في (كم الظلم والابتزاز) لا في نوعه.. ويبدو أيضاً أن الصريمة الذي جاب أرجاء المعمورة مستثمراً أمواله بنجاح كبير وكفاءة مشهودة، قد أخفق في تحقيق الإنجازات ذاتها في وطنه، فأصبح لسان حاله ينطق بعبارة صاحبنا الأول : جئنا لنستثمر فاستثمرونا.

المشكلة في مثل هذه الأمور، إن فرضنا من الناحية الجدلية ونحن محقون في ذلك، أنه لا يوجد لدينا من يقدر عملياً ما يمكن أن تجره مثل هذه التجاوزات الواضحة بحق المستثمرين، من خسائر كبيرة على سمعة قطاع الاستثمار في بلادنا، فإن تأثيراتها وتداعياتها السياسية من بوابة الوحدة الوطنية، قد لا تبدو جديرة بالاهتمام والأخذ بعين الاعتبار لدى البعض أيضاً، وذلك عطفاً على هذا التجاهل التام لحقوق واضحة وضوح الشمس، مع ما يمكن أن تفرزه مثل هذه الوقائع والحالات من آثار سلبية وشعور بالغبن والظلم والافتراء والوقوع تحت الابتزاز في نفوس شخصيات اجتماعية كبيرة بحجم الشيخ الصريمة، التي ترتبط في أوطانها بجذور قبلية صلبة، تضرب في عمق مكونات الجغرافيا والتاريخ في محافظة شبوة بشكل خاص واليمن بشكل عام.. فلماذا يحدث كل هذا؟ في وطن يبدو جلياً لكل ذي لب أنه بأمس الحاجة لكل ما من شأنه تعزيز وحدته الوطنية التي لا يبدو أنها تعيش أفضل حالاتها حالياً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى