أيــام الأيــام...من أوراق بيحانية لم تنشر بعد بمناسبة مرور مائة عام على ولادته 1326هـ-1426هـ

> أمين سعيد عوض باوزير :

> هذه الورقة ما هي إلا جزء من حياة صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن سالم البيحاني، رحمه الله، وسيرته الذاتية عاشها بأحزانها وأفراحها، وإكدارها وصفائها، وقد حباه الله قلباً ذكياً وإحساساً مرهفاً وذهناً وقاداً وحضوراً متميزاً، بهذه المواهب المتعددة الخلاقة استطاع أن يجعل له مكانة خاصة في قلوب الناس جميعاً.

كيف لا؟ وهو العالم المستنير، عبّ من معين الثقافة وعرف القديم والحديث واستفاد من ألوان التيارات الفكرية المختلفة، أيام دراسته في أرض الكنانة.

وهناك التقى بشخصيات مشهورة من رجال الفكر والأدب والثقافة وزارهم في منازلهم، أمثال د. طه حسين والأستاذ عباس محمود العقاد، ومن رجال الدين أمثال الشيخ محمد الغزالي وسيد سابق وغيرهم، وكان على صلة وثيقة بالأستاذين الكبيرين اليمنيين الشيخ أحمد محمد نعمان والشاعر محمد محمود الزبيري فأقام بذلك جسراً متيناً وصداقة حميمة بين مصر واليمن.

وحينما قدم من مصر إلى عدن وعنده أمل واسع عريض يطمح به إلى أن يوجد في البيئة العدنية ثقافة إسلامية جديدة، ولكنه وجد نفسه في البلاد وحيداً محرجاً بين جيلين: الجيل القديم المحافظ المتصلب، والجيل الجديد المنطلق المتسرع، ولن يرضى عنه هؤلاء ولا أولئك حتى يتبع خطتهم، لهذا فقط اتخذ لنفسه في الخطابة منهجاً معتدلاً مترفقاً يرعى عواطف الجمهور بالمحافظة على الظاهرة الشكلية لما اعتاده الخطباء فيه من لطائف البيان والبديع وطرائف التجنيس والتسجيع بأسلوب رائع متميز يفهمه الجميع.

بعد هذه المقدمة أود في هذا البحث أن أتخذ منحى جديداً وموضوعاً آخر في حياة الشيخ محمد بن سالم البيحاني، لم يتطرق إليه أحد من قبل ولا يعرف عنه إلا القليل من الناس، وهو برغم مشاغله الكثيرة ما بين المسجد ومعهده العلمي وأسفاره المتعددة، إلا أنه يعطي لزواره شيئاً من وقته الثمين، وخاصة في أيام العطل الاسبوعية.. وفي منزله العامر بكريتر الملاصق لمسجده يحتدم النقاش وتتشعب المواضيع بداية من الأحداث اليومية الصغيرة إلى السياسة والأدب والشعر والفقه والحديث وعلم الفلك أيضاً.

وربما بحسه المرهف يرى أن في مجلسه عدداً من الأدباء والشعراء فيحوله تلقائياً إلى مساجلة شعرية مرتجلة كنوع من التسلية والترفيه يقدمه لضيوفه الكرام، كمثل هذه المساجلة التي يرويها لنا صاحب الفضيلة الشيخ سعيد علي بامخرمة، أطال الله عمره، قاضي غيل باوزير سابقاً، الساكن حالياً بالمملكة العربية السعودية، فيقول:

زار أحد الأشخاص، وهو قاض من محافظة إب، الشيخ محمد سالم البيحاني، فسأله الشيخ عن أهله وأولاده وزوجته وكيف تركها، فقال هذا الشخص مرتجلاً:

قالت وقد ودعتها أتفارق الوجه الرطب

أتفارق البلد التي هي خيرة البلدان إب فأجبتها متمـثلاً والقـلب محـزون كئب

طلب المعاش مفرقاً بين الحبيب ومن يحب

فرد الشيخ البيحاني:

قالت وقد ودعتها أتفارق الوجه الحسن

أتفارق البلد التي هي خيرة البلدان عدن

فأجبتها متمثلاً والقلب مملوء حزن

طلب المعاش مفرقاً بين الحسينة والحسن

وكان عند الشيخ البيحاني الشيخ سعيد بلحارث من محافظة حضرموت، الذي رد بدوره:

قالت وقد ودعتها أتفارق الوجه اللطيف

أتفارق البلد التي هي خيرة البلدان صيف

فأجبتها متمثلاً والقلب محزون أسيف

طلب المعاش مفرقاً بين الوصيفة والوصيف

وكان عند الشيخ البيحاني ايضاً الشاعر والأديب الشيخ عبدالله الناخبي، فرد: قالت وقد ودعتها أتفارق الوجه النوير

أتفارق البلد التي تدعى بغيل أبي وزير فأجبتها متمثلاً والقلب محزون كسير

طلب المعاش مفرقاً بين النويرة والنوير

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى