عن الحرية والديمقراطية والوحدة وقانون الصحافة المرتقب

> د. هشام محسن السقاف :

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
الحرية: هي الكلمة السحرية في حال الحديث عن الصحافة، فقد ارتبطت الحرية ورافقت نشوء وتطور المجتمعات البرجوازية في سلم الرقي الاجتماعي، حيث إن السلعة قد تحررت وقتذاك من كل قيود ماعدا قيمة العمل المبذول فيها، وبالتالي قدرتها (السلعة) الذاتية على المنافسة في السوق، استلزم ذلك فك ارتباط الكلمة من أية قيود أو كوابح وتحريرها، ما مكنها من التمتع بمزايا الحرية الكاملة.

وإذا كانت الأمم المتقدمة قد راكمت كماً هائلاً من الخبرة الإنسانية في مجال الحريات العامة، وبالتحديد في مجال حرية الكلمة، بما يضع السلطة الرابعة (الصحافة) - والحديث غير مفصول إطلاقاً عن وسائط الإعلام الأخرى من قنوات إذاعية وتليفزيونية .. الخ- في موضع الرقيب الحاد البصر، المؤثر تأثيراً كبيراً في صنع وبلورة رأي عام، المسهم في صنع القرارات، ويضعها في التوازي مع السلطات الثلاث المعروفة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، بل إن مساحة الرأي الصحفي ربما تتعدى الممنوح لرئيس الدولة نفسه، وقد انبهر العالم في الكيفية التي يتمكن بها صحفيان- على سبيل المثال- من وضع حد لفترة رئاسية لم تكتمل لرئيس من العيار الثقيل للولايات المتحد الأمريكية مثل ريتشارد نيكسون فيما عرف بفضيحة ووترجيت.

لقد وضع الأستاذ كامل زهيري (الحرية) أول ضلع من ضلوع المثلث الذهبي الذي تقوم عليه الصحافة، بالإضافة إلى الحرية يكون الضلعان الآخران: علاقة ذكية مع القارئ، والتقاط ذكي للخبر. وفي بلادنا يكون منطقياً أن نسند ظهورنا إلى تراكمات إيجابية اقترنت بنجاح التجربة الديمقراطية كإحدى ثمار إعادة الوحدة اليمنية قبل عقد ونصف العقد من الآن. ومع التأكيد على الثمار اليانعة للديمقراطية في مجاليها التعددي الحزبي وحرية الكلمة، يكون التجاوز مشروطاً برؤية استشرافية قادرة على الاستفادة من كل عثرات وانتكاسات وتراجعات أصابت الديمقراطية، دليلاً على المقدرة الإنسانية صنع لحظتها التحولية، وصواب المنهج التاريخي الذي يؤكد سيرورة الإنسان نحو حاضر أفضل من الماضي، ومستقبل واعد أفضل من الاثنين.

إن الديمقراطية منظومة متكاملة، وعند الصعوبة في الأخذ بمقتضياتها كاملة لا يعفى الجميع من التشبث والعض بالنواجذ على ما تحقق منها في الفترة الماضية، والمضي قدماً في صنع إنجازات تاريخية بالإحلال الديمقراطي في كل التشريعات والقوانين، ما يعني التفسير الذي لا يقبل التأويل أن الديمقراطية ليست هبة من أحد ولا منّاً وسلوى من أحد بقدر ماهي إرادة شعبية للخروج من نفق الديكتاتورية والشمولية، وبناء مجتمع على أسس سليمة.

وإذا كانت بعض الأجهزة والتكوينات الحزبية وقفت عند درجة التقنين والأخذ من الديمقراطية ما يناسبها وترك ما لا يناسبها، فإن ذلك يصيب التجربة الديمقراطية بمقتل في ظل معطيات عصرية متسارعة لا يمكن إيقافها، ولذا فإن المشاركة السياسية تحت سقف الشرعية الدستورية والقانونية، علاج لأزماتنا وتعثراتنا في النهج الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية كما قال فخامة الأخ الرئيس في أكثر من مناسبة، بما يمكنا من وضع البنى الاجتماعية والسياسية المتخلفة بعيداً عن مواقع التأثير في حركة الجماهير والتوق إلى حياة عصرية ديمقراطية، لذلك لا يجوز على الإطلاق إحلال قانون جائر مقيد للحريات الصحفية- وهو لما يزل مشروعاً حتى الآن- مكان قانون أخذ باليسرى ما قدمته شراكة الوحدة والديمقراطية باليمنى، لكنه فتح ثغرة في جدار الصمت الشمولي السابق، وحقق الحدود الدنيا التي لم تعد بكافية ولا قادرة على مواكبة تطلعات شعبنا إلى مزيد من الحريات المتاحة.

الأجدر بدولة الوحدة وعلى رأسها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، بعد تجربة خمسة عشر عاماً من الحكم على أساسيات المبادئ الديمقراطية، أن تمضي الخيول اليمانية المعقود في نواصيها الخير في مسالك ودروب الديمقراطية الحقة كوسيلة مجربة لدى شعوب كثيرة ودول عديدة من الهند إلى كندا، للوصول إلى حياة مثلى تحفظ للمواطن كرامته على أرضه. ومن هنا تأتي الحاجة لاستحقاق وطني مشروع يتمثل في قانون للصحافة يشكل نقلة في الفكر السياسي للدولة اليمنية باتجاه حريات أوسع تتجاوز اجتهادات الحرس القديم الواقفين بكاءً عند أطلال الدولة الشمولية والمقدمين أنفسهم -دونما ترحيب من أحد- ملوكا أكثر من الملك. أقله أن نضيف سبقاً في مسلكنا الديمقراطي الذي بدأناه مع بدايات الدولة اليمنية الموحدة، وذلك بإلغاء وزارة الإعلام كما فعلت دول أخرى علاقتها بالديمقراطية جاءت متأخرة مقارنة باختيارنا الإرادي الشعبي لخيار الديمقراطية توأما للوحدة اليمنيـة فـي مثل هذا الشهر من عام 1990م.

11/5/2005م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى