وتلك الأيــام...محطة (مايو)

> محمد عبدالله الموس :

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
الفرح شعور لا يتحقق بقرار وزاري ولا بأهازيج متلفزة ولا حتى بالبرع والزامل، والاطمئنان حالة شعورية لا تتحقق بالوعود التي يعرف حقيقتها مصدرها قبل متلقيها، لكن مع كل ذلك فإن 22 مايو يوم جدير بأن يحتفى به بكل ما تحمله كلمة (احتفاء) من معان.

22 مايو هو اليوم الذي أُنقذ فيه الوطن من نظامين متهالكين في شماله وجنوبه تقزم كل منهما إلى أن صار مجرد مشروع لمنطقة أو مجموعة، وكان كل منهما على وشك أن يذهب بما ومن معه إلى حيث ألقت برحلها (أم قشعم)، فكل من النظامين كان يمارس الاستئثار والاحتكار وإلغاء الآخر والتمسك بالصوت والفكر واللون الواحد، فقد كل منهما شيئاً اسمه التنوع، وفقد القدرة على الاستفادة من ثراء هذا التنوع، وعجز كل منهما عن أن يكبر ليصبح بحجم الوطن، فجاء 22 مايو ملاذاً لكليهما وللآخرين ممن تعرضوا للإلغاء، ولا ندري ملاذاً آخر فيما لو حكمت دولة الوحدة بهكذا عقليات وهكذا تفكير.

وبالنظر إلى الظروف التي كان يعيشها الوطن بشطريه حتى 22 مايو 1990م، فإن ذلك اليوم كان تحولاً تاريخياً، وكثير منا إن لم نكن جميعاً ذرفنا دمعة فرح لحظة أن امتدت الأيدي لترفع علم الوحدة في عدن، تلك المدينة التي تجمع بين الأصالة والحداثة والتي عودتنا دوماً على نقل البشارات، وتعودت دوماً على سرعة نفض غبار حروب الأبناء وغسل ما علق بجسدها من قذارات هذه الحروب لتفتح ذراعيها من جديد لهؤلاء الفرقاء، حتى إنها تغفر لهم جحودهم.

حين يطوق خير الوطن لينحصر في مساحة محدودة، وحين تتقزم المصالح وتقل وتتقزم مساحة اتخاذ القرار، تقل معها مساحة الشعور بالانتماء وتتناقص بشكل تنازلي تماشياً مع درجة الاستبعاد والإبعاد من المصلحة والقرار، ونقصد هنا بالمصلحة في أدنى درجاتها العيش الكريم، وفي هذه الحالة لا يستقيم الوضع بكيل التهم للآخرين، وأكثر ما نبرع فيه نحن العرب هو كيل التهم للمحرومين من سبل العيش الكريم، أو من يتحمل وزر النصيحة في مواجهة من يعتبر النصيحة (وزراً).

قد تكون التقلبات المحلية المعروفة أفرغت 22 مايو من كثير من معانيه الجميلة، وقد نكون عجزنا عن تحقيق تطلعات الناس، وربما لم نحرك ساكناً باتجاه التعاطي مع متغيرات العصر ومتطلبات هذا التعاطي، وربما أن عربات من القطار قد فاتت، وستحمل الأيام إصلاحاً أصبح ضرورة أكثر من محلية، لكن في جميع الأحوال يبقى 22 مايو حدثاً بمستوى تلك الأحداث التي لا تشهدها الأجيال كثيراً، فقد كان المحطة الوحيدة التي حمل فيها قطار الوطن جميع الأبناء، وإن في عربات متفاوتة، وتلك ميزة تفتقر إليها باقي المحطات التي مررنا بها بلا استثناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى