متخصصون نفسانيون وتربويون بندوة «الأيام» حول الامتحانات الدراسية...الضغط العصبي من قبل الأسرة والمشرفين يسبب اضطراباً نفسياً للتلاميذ علينا إعداد أولادنا خلال التعليم للحياة وليس لتأدية الامتحان فقط

> عدن «الأيام» خاص:

> في الحلقة الثانية من ندوة منتدى «الأيام» حول العملية التربوية والتعليمة والامتحانات بمدارس محافظة عدن، والتي استضيف فيها الأستاذ د. عبدالله أحمد النهاري، مدير عام مكتب التربية والتعليم بعدن، نقف مع د. معن عبدالباري قاسم، أستاذ مساعد في علم النفس، على الجانب النفسي للتلميذ والأسرة والمدرسة خلال فترة الامتحانات وكيفية معالجتها.

يقول د. معن: «سنتحدث من المنظور النفسي عن تأثير الامتحانات على سيكولوجية الطالب والمترتبات في هذه العملية على البيئة المحيطة من المعلمين والأسرة والمجتمع بشكل عام، باعتبار أن الامتحانات عملية مصيرية تعكس حصيلة التقييم للعملية الدراسية لعام دراسي كامل، وبالنسبة للمراحل الانتقالية المحددة بالصف التاسع الابتدائي والصف الثالث الثانوي تكون درجة السخونة، باللغة النفسية ما يسمى بمؤشر القلق، في مستويات مرتفعة جدا نظراً للمصيرية في هذه الناحية على مستقبل التلاميذ، هذا بخلاف النظرة المجتمعية لدرجة التحصيل، وكرست الثقافة المجتمعية القلق فيقال (يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان)، لذا نجد أن هذه العوامل تساعد على القلق عند الطلاب، وإذا جئنا الى تحفيز الطلاب أو الإنسان بأي جانب من الجوانب نجد أن التحفيز ضروري ومؤشر على الحالة الطبيعية، لكن القلق إذا تعدى الحدود تحول إلى اضطراب، وفيما يتعلق بالعملية التعليمية إذا ارتفع بشده عند الطلاب يؤثر على مستوى تحصيلهم الدراسي ويحصل ما يعرف بالإرباك، والبحوث الأخيرة في العلوم السلوكية لاحظت أن الهرمونات التي يفرزها الدماغ وبدرجة رئيسية الكورتيزون إلى جانب هرمون الادرينالين، المسئولة عن الانفعالية، وفي مثل هذه الأوضاع المتطرفة يحدث اضطراب شديد في الجهاز العصبي لدى الإنسان يؤثر على نشاطه المعرفي، وإذا رجعنا إلى تكوين الدماغ نجد أن مراكز الانفعال ومراكز الذاكرة متجاورة، فبالتالي إذا حدثت الانفعالات في الامتحانات تؤدي إلى زيادة إفرازات الهرمونات الانفعالية وبالتالي إلى توتر شديد يضعف بقية المنبهات لاستجابة الذاكرة، لذا نجد الطلاب في لحظة الامتحانات يرتبكون ولا يقوون على استذكار الإجابة، بينما عقب الامتحان يستذكرونها بكل سهولة وذلك بسبب زوال التوتر والتغيرات الهرمونية التي حدثت في الدماغ، لذلك من النصائح والارشادات العلمية الحديثة للطالب أو أي شخص مقدم على امتحان ينصح الاسترشاد بالخطوات التي تخفف من القلق للمساعدة على الأداء الجيد الذي يعكس مستوى التحصيل الصحيح، ونجد أن بعض المعلمين والمدارس يشكون من أن تلاميذهم خذلوهم في تحقيق درجات عالية رغم أنهم متفوقين علميا، ايضا لدينا تجربة في الخط الساخن حيث نستلم مكالمات هاتفية عديدة في فترة الامتحانات حول هذه المشاكل، ونلاحظ أن شدة الضغط هو من أدى الى خلق هذا الوضع.

وتساعد طريقة المنهج والمنظومة العلمية القائمة على تراكم العلامة في التخفيف من الضغط على التلاميذ، إضافة إلى أن المناهج التربوية والتعليمية الحديثة تنصح بالنشاطات اللا صفية والاتجاه إلى المنهج الأكثر حداثة في التعليم وهو التعليم التطبيقي، الذي يحول جزءا كبيرا من موضوعات المادة الدراسية عبارة عن تطبيقات حياتية يتعلم منها التلميذ عمليا، ومردودات تطبيق هذه المناهج والنظم التعليمية الحديثة إيجابية بشكل كبير في التخفيف من الضغط والقلق.

وكذا من المخاطر ما نسمعه عند تقييم نتائج امتحانات الثانوية يصل إلى الإقدام على الانتحار، والسبب أن جرعة التوتر وهرمونات الانفعال لدى هذا الطالب بلغت حدا غير طبيعي، الى جانب احتمال وجود استعداد وراثي للاكتئاب والخوف، مما يؤدي الى هذا الأمر.

بالنسبة للأسرة، أحيانا مع الأسف الأسرة تبالغ في الضغط على أبنائها في ضرورة الحصول على درجات عالية ومتقدمة، وترسيخ مفهوم لدى الطالب بأنه إذا لم يحقق ذلك فإنه قد أساء لأسرته، وهذا بحد ذاته عنصر ضغط إلى جانب الخوف من المادة والرعب الذي يحدث أحيانا من قبل المنظومة التعلمية بأن الامتحانات ستكون صارمة وستشدد المراقبة وباقي الإجراءات الاحترازية للامتحانات من الأمن والحرس، وكل ذلك يولد الرعب عند الطالب.

ومن النصائح العلمية خلق أجواء لطيفة في الامتحانات وزيارة المدارس من قبل الشخصيات الاجتماعية وتلطيف الأجواء مع التلاميذ وتهدئتهم بالإرشادات والعبارات الأبوية المطمئنة لنفسية التلميذ.

ووسائل الإعلام تلعب دورا ايضا من خلال تقديم اللقاءات مع الاختصاصيين الاجتماعيين لتقديم الإرشادات والنصائح التي تخفف من أزمات الامتحانات.

أما الناحية المنهجية فتتمثل بالالتزام بالواجبات المدراسية واستذكار الدروس منذ بداية العام ومتابعة المدرسة والأسرة لذلك، وبدرجة رئيسة بحرص المدرسة على نظام تقييم واختبارات طوال السنة، وفي المنزل يجب أن تكون الأسرة متابعة تحصيل أبنائهم بشكل يومي، وبالتالي تصبح العملية الامتحانية أقل ضغطا، فيما يكون الضغط كبيرا لدى التلاميذ الذين لا يحصلون على هذه المتابعة سواء في المدرسة أو المنزل».

واختتم د. معن عبدالباري قاسم، أستاذ مساعد- علم النفس، بالتأكيد على أن ظاهرة التوتر والقلق لدى التلاميذ في فترة الامتحانات تعد ظاهرة اجتماعية باتت تشكل خطرا كبيراً على التلاميذ في كثير من دول العالم، داعيا إلى ضرورة تطبيق النظم والمناهج التربوية والتعليمة الحديثة لمعالجة الظواهر النفسية المصاحبة لفترة الامتحانات.

بعد ذلك تحدث في الندوة الاستاذ حسن ذيبان، من التوجيه التربوي، عن علاقة الامتحانات والتوجيه التربوي قائلا: «التوجيه التربوي إحدى إدارات التربية والتعليم وبتقديري الشخصي نحن نبدأ علاقتنا مع الامتحانات منذ بداية العام الدراسي، ومن ضمن مهام التوجيه التربوي الإشراف على تنفيذ خطط مفردات المنهاج، والتي من خلال الامتحانات يتم تقييمها، وتطوير مهارات المعلم، التي نعني بها الطرائق والاساليب التعليمية، والإشراف على تنفيذ أهداف المنهاج، وهي ستة أهداف تتمثل بالهدف المعرفي والفهم فالتطبيق والتحليل والتركيب والتقويم، وهذه الأهداف يفترض أن تشملها مختلف مفردات المناهج ممثلة بالمقررات الدراسية.

ومن خلال الإشراف المستمر والنزول ومشاهدة الحصص الدراسية وتفقد أعمال التلاميذ يتم الإشراف على مدى تنفيذ الأهداف وصحتها، وأيضا التعرف على مستويات التلاميذ من خلال إخضاعهم لبعض الامتحانات، ولكي نحقق هذه الأهداف نقوم بإعداد المعلم الإعداد الجيد بتزويده بنماذج الأسئلة، كما نقوم بما يسمى خارطة الامتحان ونعني بها تصنيف أهداف المناهج الدراسية حسب الأهداف، ثم نتعرف على نسب هذه الأهداف بعملية رياضية توصلنا إلى نسبة كل هدف في كل وحدة دراسية وفي كافة وحدات الكتاب المدرسي، وهذه الطريقة التي نطبقها منذ سنوات وسبقتنا بها دول أخرى تمكننا من معرفة عدد الاسئلة الواجب وضعها من كل وحدة دراسية، وبالتالي عندما نقوم بتقييم المنهج والمدرس نتوصل إلى مدى ما تحقق خلال عام دراسي كامل، وتسير هذه الخطة بخطوات جيدة من قبل إدارة التوجيه.

فيما يتعلق بعلاقتنا بالمركز فإننا نقوم بتقديم نماذج الأسئلة سواء للصف التاسع الابتدائي أو الثالث الثانوي، وهذه النماذج تأتي في الامتحانات المركزية بعد عملية دمج من خلال بنك الاسئلة الذي تتعامل معه المطبعة السرية في المركز، ثم يأتي دورنا فيما يتعلق بالامتحانات بالإشراف على لجان تقدير الدرجات وبالتالي التصحيح، وهنا تراعى العوامل التي ذكرت في السابق، كما نتعامل مع هذه العملية بمفهوم تربوي بمعنى أن تصحيحنا لا يلتزم الإجابات الحرفية التي وردت في الكتاب، والتي للأسف الشديد لا يزال البعض منا يحرص عليها، فعند تقدير الدرجات من قبل اللجان التي يشرف عليها التوجيه التربوي تقدم نماذج إلى جانب النماذج المركزية بحيث لا تأخذ الإجابات حرفياً وإنما على أساس التقاء إجابة التلميذ مع الإجابة الأصيلة وهنا تقدر الدرجة كاملة وفق ما قدمه التلميذ بأسلوبه الخاص.

ونؤكد على أن قضية الامتحان تحظى باهتمام خاص من قبل إدارات مكتب التربية والتعليم ومنها التوجيه التربوي، ولكن تبقى مسألة الامتحانات قضية مهمة لا سيما فيما يتعلق بالعامل النفسي، والذي يتولد عن عدم التعاون ما بين المدرسة والأسرة وإخفاقهم في تحقيق واجباتهم ومهامهم تجاه التلميذ، وهنا نرى أن المفترض علينا كما أفاد د. معن أن نعد أولادنا خلال التعليم للحياة وليس للامتحان، وهذه الإشكالية التي نعاني منها، والتي بتصحيحها نستطيع التغلب على كافة إشكاليات الامتحانات ومنها الغش.

وإدارة التوجيه التربوي تشترك مع إدارتي التعليم العام والامتحانات وباقي الإدارات الأخرى بمكتب التربية والتعليم، ونؤكد أن عملية الإعداد والتهيئة للامتحانات تبدأ منذ بداية العام الدراسي وحتى نهايته من قبل الإدارات التربوية والتعليمية كلّ حسب مهامه وتخصصه.. هذا وأتمنى لطلابنا كل التوفيق ومزيدا من النجاح، ومن التربويين والأسر تصحيح مفاهيمنا للتعامل مع أبنائنا التلاميذ وتربيتهم بنظرة تشرق على الحياة وليس مجرد تعليم بهدف الامتحان لا غير.

وبدوره تحدث الاستاذ حسن زين عن المشرفين ودورهم في تهيئة الأجواء الصحية للامتحانات، وقال: «هناك ملاحظات نود استعراضها في الجانب النفسي ونؤكد عليها، وتتمثل بكيفية استقبال المشرفين للتلاميذ عند وصولهم إلى قاعات الامتحانات فمع الأسف الشديد بعض من المشرفين يستقبلون التلاميذ بشكل عنيف ولا يتعامل معهم بلطف لتهيئة نفسيتهم للامتحان، مما يتسبب بضغط كبير للتلاميذ إضافة للضغط النفسي للامتحان أصلا».وأضاف: «نخطئ في التعاطي مع قضية الامتحانات بمعزل عن المعلم والمناخ ونحن مشكلتنا في اليمن كبقية الدول أن المنهج الدراسي يحوي إشكالات تعيق مسألة الاختبارات والتقييم في المدارس، وهذا الأمر لا يعني مكتب التربية والتعليم إنما الوزارة كونها مسألة مركزية، فكيف أقدم للطالب أسئلة لا تتماشى وأسلوب التلقين الخاطئ الذي يطبقه المعلم منذ بداية العام، فالتعامل مع الطالب ينبغي أن يكون من خلال الاعتماد على المحاضرة والنقاش ووضع الطلاب في مجموعات ومجموعات أخرى وأعطيه الحرية في النقاش والتعبير عن ذاته، حتى وإن أخطأ فمهمة المعلم التوجيه إلى جانب التعليم، وطريقة الامتحانات التي تعودنا عليها هي في الوقت الحاضر لا تنمي الطلاب عقليا بينما نحن نريد أن يخرج الطالب بحصيلة، بل أن الطالب حاليا لا يستطيع كتابة الجواب إذا نسي الكلمة الأولى في الإجابة نتيجة لأسلوب التلقين والسرد، وهذه إحدى مسببات لجوء الطالب إلى الغش، لكن هناك أساليب أخرى للتعليم تعتمد على النقاش وتنشيط ذهن الطالب وتمكنه من التحصيل العلمي بشكل جيد».

واختتم مناشدا بتحديث المناهج الدراسية وأساليب التدريس، والتعاون مع الدول الأخرى في هذا الجانب، إضافة إلى تكثيف دور التوجيه التربوي، مؤكدا على أهمية الندوة كبادرة طيبة من قبل قيادة مكتب التربية والتعليم بعدن للوقوف على مختلف القضايا المتعلقة بتطور القطاع التربوي والتعليمي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى