رجال في ذاكرة التاريخ 1- عيسى مسلم بلعلا: آخر المتوفين من أساطين السلطنة القعيطية 2-م. علوي صالح المفلحي: المعماري الذي أتحف السلطنة القعيطية بجسر المكلا

> «الأيام» نجيب محمد يابلي :

> 1- عيسى مسلم بلعلا:الميلاد والنشأة...حضرموت الساحل أو السلطنة القعيطية تنسب إلى مؤسسها عمر بن عوض القعيطي، الذي هاجر إلى الهند عام 1792م، وارتبط هناك بجيش نظام حيدر أباد، وتمكن من الدخول إلى عالم الثروة والوصول إلى مرتبة متقدمة في ذلك الجيش. أنجب عمر بن عوض خمسة أبناء هم: محمد، عبدالله، عوض، صالح وعلي. ُأُرسيت اللبنة الأولى للسلطنة القعيطية عندما أرسل عمر بن عوض القعيطي أكبر أنجاله محمد إلى حضرموت وأرسل بعد ذلك أنجاله: عبدالله وعوض وعلي.

تميز عوض بن عمر القعيطي بقدرات أكبر بالمفاضلة مع بقية إخوته، ولذلك ورث هو وأبناؤه حكم السلطنة القعيطية، وكان آخرهم السلطان الشاب غالب بن عوض القعيطي، وعززت ذلك وصية السلطان المؤسس عمر التي قضت بأن تكون لولده عوض اليد الطولى.

عيسى مسلم عوض بلعلا من مواليد المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية عام 1933م، تلقى مرحلتي تعليمه الابتدائي والمتوسط في المكلا وغيل باوزير، وتخرج في المدرسة الوسطى بالغيل عام 1947م. التحق بعد ذلك بالمدرسة الحربية بالمكلا، التي استوعبت أبناء السلاطين والأعيان من محميات عدن الشرقية EASTERN ADEN PROTECTORATES آنذاك.

النظام الإداري يصقل الانضباط العسكري
شهدت السلطنة القعيطية الأسس الصحيحة والسليمة للبناء المؤسسي التدريجي، ويلاحظ ذلك عند رصد السيرة الذاتية لأي كادر حضرمي، وانطلاقاً من تلك الأسس اُبتُعث عيسى مسلم بلعلا الى عدن عام 1952م لتلقي دورة إدارية لصقل العلوم العسكرية التي تلقاها.

بعد عودة بلعلا من عدن صدر قرار سلطاني بتعيينه مديراً للسجون في المكلا ثم نائباً لمديرشرطة المكلا، ثم مديراً للزراعة بالسلطنة القعيطية، وتجلت قدرات بلعلا في المهام التي أسندت له ومنح الثقة بانتقاله للعمل في سكرتارية السلطنة القعيطية بدرجة نائب سكرتير، وكان ذلك في مطلع ستينات القرن الماضي.

عيسى بلعلا في بريطانيا
وفي العام (1965م) يرتقي عيسى مسلم بلعلا سلم التأهيل عندما ابتُعث في دورة ادارية إلى بريطانيا، وشغل بعد عودته منصب النائب للمقر الاقليمي بالمكلا، ثم عُيّن مديراً لإدارة الهجرة والجوازات، وتراكمت نتيجة ذلك مدارك ومعارف وخبرة عيسى بلعلا وامتزج ذلك بدماثة خلقه وجعله رقماً يشار إليه بالبنان وشخصاً جديراً بالثقة في مراتب أعلى .. فماذا حدث؟

قحطان الشعبي والوزير الأول الحكيم بلعلا
وفي العام 1966م صدر مرسوم سامٍ سلطاني بتعيين عيسى مسلم عوض بلعلا، وزيراً أول للسلطنة القعيطية، وانتفعت الأرض والسكان بوجود هذا الحكيم الذي أثبت جدارة وقدرة في المواقف الحرجة، وتجلت ذروة حكمته في الدور البارز الذي لعبه في حواره مع الثوار عشية سقوط المكلا، وتوصل معهم إلى تفاهم سلمي جنّب البلاد والعباد نزوات الجنون الثوري، الذي كاد أن يعصف بالبلاد «لولا حنكته وزملائه وتفهم الطرف الآخر ايضاً».

بعد أن تسلمت الجبهة القومية مقاليد السلطة في 30 نوفمبر 1967م، عرض عليه الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي العمل في الدولة الوليدة كسفير لها في الخارج، إلا أن عيسى بلعلا قابل الإحسان بإحسان فشكر الرئيس قحطان على مكرمته، واعتذر عن قبول المنصب مكتفياً بالدور الذي قام به، وطلب المغادرة إلى إمارة ابوظبي (ساحل الإمارات المتهادنة قبل أن تصبح دولة الإمارات العربية المتحدة).

عيسى بلعلا في بلاد زايد الخير
وفي العام 1968م غادر الوزير الأول عيسى مسلم عوض بلعلا إلى إمارة أبوظبي تاركاً وراءه ذكريات محفورة في صخر حضرموت تجسدت في أياديه البيضاء في العمل النهضوي والتنموي والعلاقات والزمالات مع رجال الفكر والسياسة والمجتمع، منهم محمد عبدالقادر بافقيه وعبدالقادر بارحيم وعبدالله سالم اليزيدي وعمر محمد بلكديش ود. عمر بارحيم.

شغل عيسى بلعلا منصب مدير الغرفة التجارية والصناعية بدولة الإمارات، وانتقل بعد ذلك ممثلاً لدولة الامارات في شركة الزيوت البريطانية حتى وفاته.

جثمان بلعلا يوارى ثرى أرض زايد الخير
نشرت «الأيام» في عددها الصادر يوم الاثنين22 نوفمبر 2004م، الخبر التالي .. ورد في مقدمته: نعت الأوساط الاجتماعية والشعبية بمدينة المكلا المغفور له بإذن الله عيسى مسلم عوض بلعلا، الذي انتقل الى جوار ربه ثاني أيام عيد الفطر المبارك (الاثنين 15 نوفمبر 2004م) بدولة الإمارات العربية المتحدة إثر نوبة قلبية مفاجئة عن عمر ناهز الثانية والسبعين عاماً، وقد ووري جثمانه في ابوظبي التي كان قد استقر بها منذ العام 1968م، وجرت صلاة الغائب عليه في مساجد المكلا.

عيسى مسلم عوض بلعلا متزوج وله عشرة أبناء :(4) أولاد و(6) بنات.

2- علوي صالح المفلحي:
الولادة والمنشأ...علوي صالح المفلحي من مواليد المكلا عام 1934م وهو من سكان (برع السدة)، وفي ذلك كتب الكاتب والباحث الزميل سند بايعشوت (راجع «الأيام» 6 أكتوبر 2004م)،على لسان الوزير الشاعر خالد عبدالعزيز أنه أطل ذات يوم من شرفة نافذته فرأى بيوت برع السدة فنظر يمينا فرأى منزل المعماري علوي صالح المفلحي والشاعر صالح عبدالرحمن المفلحي، ونظر يساراً فرأى منزل محمد جمعة خان والصحفي الألمعي حسين محمد البار والدكتور محمد عبدالقادر بافقيه والمؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف «إذن برع السدة بالمكلا جزيرة محاطة بالإبداع، لهذا جاء علوي صالح ا لمفلحي من هذه البيئة».

تلقى علوي المفلحي دراسته الابتدائية في المدرسة العزبية بالمكلا (حصن الشيبة) ومن زملائه في مدرسة حصن الشيبة بالمكلا في أربعينات القرن الماضي: حسين عاطف الكلدي وسعيد عاطف الكلدي وشيخ الصافي، ومن أساتذته في تلك المدرسة: عبدالرحمن الرشيدي ومحمد بن قاسم وعبدالرحمن باعمر وسعيد بامقيدح ومحمد باحاتم.

انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الوسطى بغيل باوزير، ومن زملاء الدراسة: د. صالح عبدالملك بن همام، د. عبدالحميد سعيد بارحيم، د. عمر سعيد بارحيم، أحمد سعيد الحضرمي وسالم عبدالله بامطرف ومن أساتذته: سعيد عوض بن غوث وسعيد عبدالله باعنقود وعبدالرحمن العودي ومحجوب زيادة، وكان مدير المدرسة الاستاذ حسين خوجلي (سوداني الجنسية) وكانت المرتبة الأولى دوماً من نصيب علوي المفلحي.

علوي المفلحي في (بخت الرضا)
وفي العام 1947م غادر علوي صالح المفلحي أرض الوطن في طريقه إلى السودان لتلقي الدراسة في المعهد المشهور آنذاك (معهد بخت الرضا)، ومن الذين زاملوه أثناء الدراسة: محمد سعيد مديحج، علي محفوظ حورة، أحمد عوض القحوم، سالم عوض باوزير، صالح عبدالله اليماني، سالم أحمد بن سلم، عمر بن سهيلان، عبدالرحمن عبدالله بكير، عبدالله محفوظ الحداد، عبدالقادر العماري، علي محمد مديحج، محمد عبدالقادر بافقيه قحطان محمد الشعبي، لطفي جعفر أمان، علي غانم كليب وعثمان عبده محمد.

من السودان إلى غيل باوزير
أمضى علوى المفلحي ست سنوات في (معهد بخت الرضا)، وعاد عام 1952م إلى حضرموت وعمل مديراً للمدرسة الشرقية (الجيل الصاعد حالياً) بغيل باوزير، وظل شاغلاً المنصب حتى عام 1955م، حيث عاد مرة أخرى الى السودان ليلتحق بمدرسة التصميم SCHOOL OF DESIGN بالخرطوم، وهي منحة دراسية سبق لعلوي المفلحي أن حصل عليها من الملكة اليزابيث الثانية اثناء زيارتها لعدن في 27 أبريل 1954م، وفي ضوئها ابتعثه المجلس الثقافي البريطاني BRITISH COUNCIL إلى الخرطوم للدراسة لفترة خمسة أعوام، وكان المفلحي أثناء الصباح يدرس الفنون التشكيلية وفي المساء يدرس الهندسة المعمارية، بالإضافة إلى تطبيق عملي في مجال الهندسة لمدة عام واحد، وتوجت دراسته بدبلوم عال في الفنون التشكيلية وشهادة S.B.C في الهندسة.

علوي المفلحي في الأشغال العامة القعيطية
وفي العام 1960م تم تعيين علوي المفلحي مساعداً لوزير السلطنة القعيطية لشؤون الأشغال العامة ونائباً لناظر الأشغال العامة لمدة 4 سنوات، ثم ناظراً للأشغال العامة خلال الفترة (مارس 1964م - أكتوبر 1967م) وخلال تلك الفترة ارتبط علوي المفلحي بذاكرة التاريخ ووجدان الشعب بالمشروع الجبار جسر العيقة أو جسر علوي، وجاء ذلك المشروع إثر معاناة السكان والسيارات من أرض رخوة (خوبة) تتجمع فيها مياه الوديان، وارتفع عدد الضحايا المارين بتلك الخوبة، التي كانت تربط المكلا بالشرج، التي أصبحت ضاحية جديدة من ضواحي المكلا.

بحنكة المهندس المبدع المقتدر والعاقل أخذ المهندس علوي استشارة أهالي المكلا فيما يتعلق بموسم الأمطار والسيول، كما استأنس لرأي إدارة الأشغال بعدن فيما يتعلق بموسم المد والجزر للبحر، قبل الشروع بتصميم الجسر. بعد الانتهاء من وضع مشروعه على الورق قام بعرضه على السيد أحمد محمد العطاس، وزير السلطنة القعيطية، واعتمدته الحكومة البريطانية ممثلة بمستشارها المقيم في المكلا الكولونيل باوستيد، وبلغت تكاليف المشروع 12 ألف جنية استرليني.

علوي في عدن
أبعدت رياح الثورة المهندس علوي المفلحي عن مجال إبداعه، وظل خلال الفترة 67-1972م قاعداً في بيته إلى أن برزت الحاجة له فتم تعيينه استاذاً للوسائل التعليمية في جامعة عدن خلال الفترة 72-1989م عندما أحيل إلى التقاعد القسري قبل الموعد المحدد له قانوناً بثلاث سنوات.

عاد المهندس علوي المفلحي إلى مجال الوظيفة وعُيّن استاذاً مساعداً للوسائل التعليمية بكلية التربية جامعة حضرموت خلال الفترة 1998م-2001م، وكانت فترات عمله امتداداً لأمجاده التي دشنها بعد تخرجه من الخرطوم، وشارك في معرض بوسطن الامريكية الذي أقامه أصدقاء الشرق الاوسط وحصلت لوحاته على الميدالية الذهبية إضافة إلى مشاركاته في معارض لندن وهولندا وبكين.

لا تزال جعبة علوي المفلحي عامرة بالذكريات الجميلة منها أن أول سيارة مرت على الجسر عقب افتتاحه في 9 يوليو 1966م كانت سيارة مرسيدس لصاحبها نصر مرجان من أبناء برع السدة.

المصادر
1- السلطان علي بن صلاح القعيطي: د. محمد سعيد القذال

2- «الأيام» - الاثنين 22 نوفمبر 2004م (خبر وفاة عيسى مسلم بلعلا)

3- «الأيام» - الأربعاء 6 أكتوبر 2004م، (سند بايعشوت: جسر علوي أو «كوبري» العيقة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى