للوحدة.. أكتب حتى تتكسر عندها المتاعب والاوجاع

> حسن سعيد دبعي :

> لأنني وحدوي بالفطرة.. سأعيش وحدوياً وسأموت وحدوياً إن شاء الله . هذه الوحدة المسكونة في داخلي عنها كتبت ولها ناديت ومن أجلها غنيت. لهذه المناسبة التي نحتفل بمرور 15 عاماً على تكريسها كواقع حال في حياتنا سأظل أكتب وأطالب بأن تدخل وتتأصل في نفوسنا ووجداننا وتلامس حنايا كل فرد من أفراد المجتمع اليمني في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، سأكتب عن هذه الفاتنة التي شغلتنا سنين من الزمن واعتركنا بشأنها جيلاً فجيل، هذه الوحدة التي ينبغي أن تكون مرسى تتكسر عندها المتاعب والأوجاع، وتنتهي عند صخرتها كل سلبيات الماضي ومشاكله، وتكون لنا مشكاة نور لمستقبلنا الجديد، لن تحيدني عنها تلك الاختراقات التي يحاول البعض من خلالها أن يجدد المتاعب للمجتمع اليمني، ويضرب على مكامن الأوجاع حتى لا يستقيم عودها الطري.

سأكتب عن الوحدة التي نتعشم منها العدالة والمواطنة المتساوية وتوزيع خيراتها على كل أبناء اليمن الطبيعية، الوحدة التي سقطت من أجلها جماجم وشهداء ملتمسين منها التعويض عن مراحل التشرذم والشتات، وتحقيق نقلة نوعية نحو مستقبل يكون فيه اليمن سعيداً حقاً، لن أتطرق إلى التجاوزات التي اعتورت مرحلة ما بعد الوحدة، وخلقت مفاهيم تتقاطع مع مفاهيم وأخلاقيات هذا الحدث المهم، وخدشت صفاء وجهها النظيف وزرعت الأشواك في دربها النقي، لن أتكلم عن لغة المنتصر التي تتداول بيننا أو الاستظهار بمنطق القوة في تعاملنا مع بعضنا البعض، فلن التفت إلى الذين يقولون إن الوحدة عبارة عن ضم وإلحاق وعودة الفرع إلى الأصل، كما أتضايق من مقولة أن الوجود الشمالي في الجنوب احتلال أو ما شابه ذلك من التفسيرات الخاطئة، سأكتب عن وحدة الند للند التي تحققت في 22 مايو 1990م، والتي انصهر فيها بلدان قائمان بذاتهما في شخصية دولية واحدة، صحيح أن حرب صيف 1994م أفرزت منغصات لا تحصى وتسببت في تعميق الجراح وكسر النفوس وتوسيع الهوة الاجتماعية، إلا إنني سأصرف النظر عنها حتى لا أثير الأشجان، فالحديث عنها يجلب الغم ويثير الحسرة في قلبي وقلوب كل الطيبين في هذا الوطن، فلقد اغتالت هذه الحرب قيماً كنا نختزنها، ولو حافظنا عليها لكانت زاداً حقيقياً ليمن جديد مزدهر، ومن واجبي أن أدعو إلى لململة الجراح وجبر الخواطر وأخذ العبرة مما يحصل والتطلع نحو استعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد ووقف الإجراءات غير المنصفة التي اتخذت على خلفية هذه الحرب مثل سياسة التمييز والتهميش التي تطال قطاعات كبيرة من الناس تحت مسميات متعددة، والسيطرة على الممتلكات والأراضي بدون وجه حق، والهيمنة على مرافق الحياة بصورة أحادية حرمت قطاعات كبيرة من المشاركة في بناء الدولة الوليدة التي من المفروض أن يكون أبناؤها جميعاً مشاركين في عملية البناء.

سأكتب عن وحدة قصدنا بها تقوية اللحمة الوطنية وتعاضدها أمام التحديات المقبلة، ولم نقصد بها ضررا وإضرارا وحيفا مؤسفا، سأكتب عن الوحدة التي لا فيها غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم، ولكن عن مراجعة وتمحيص وعفو ومصالحة حقيقية، سأتكلم عن الوحدة التي من خلالها تتوسع آمال الشعب اليمني في البناء والتنمية والإنتاج لا أن نتقوقع في بوتقة من الانتقام وتصفية الحسابات وعودة الأوضاع إلى الوراء، وبثمن سيكون هذه المرة دمار الوطن كله، سأكتب عن الوحدة التي يشعر فيها الإنسان اليمني بقيمته وإنسانيته في ظل دولة مؤسسات قوية لا تخضع لمزاجيات أو إرادات تعطل قدرات البلد وتحنطها في تابوت من الاستبداد والظلم.

سأكتب عن الوحدة التي هي حلمنا الكبير وبوابتنا إلى القرن الواحد والعشرين، تتيح لنا الانطلاق بحرية تنمية حقيقية تقضي على عوامل الفقر والجوع والمرض والتناحر الاجتماعي، التي أرهقت إمكانياتنا ومواردنا حيناً من الدهر من خلال تعددية سياسية شفافة، يستطيع من خلالها الجميع التعبير عن تطلعاتهم وتخطيط برامجهم خدمة لهذا البلد.

ولن أتكلم عن الإحباطات والعثرات التي تقف أمام ترجمة أهدافنا ونراها تشوه هذا الهدف النبيل، سأكتب عن الوحدة التي تعمل على أن تجعل بلدنا حقلاً ومصنعاً وميدان تنافس تتوزع خيراته على كامل التراب الوطني وتحتضن كل أبنائها وتوفر لهم سبل العيش الكريم، وأن لا تقتصر هذه الخيرات على فئة أو مجموعة أو قبيلة تعطي لنفسها حق الاستئثار بمحصول الوطن بكامله، وتترك أغلب أبنائه فريسة البطالة والفقر والتشرد، سأكتب عن وحدة الوئام الاجتماعي والمصالحة البيضاء بين جميع الأطراف في الساحة السياسية، لا عن الاستئساد والتمنطق بالقوة والسير تحت الرايات السوداء، التي تغطي شعاع الشمس لتعميم الظلام البهيم.

سأكتب عن وحدة الأمن والأمان، لا عن سياسة الخوف وأقبية المخابرات ودبابات العساكر التي تدوس على غصون الحرية والانفتاح على الدنيا، وتغلق مدننا المفتوحة أمام رياح التغيير التي تهب على العالم وتحمل معها لقاحات ضد فيروس انتهاك حقوق الإنسان. سأكتب عن وحدة الهدف والغاية لبناء يمن جديد متحضر يتعايش فيه كل الأطياف السياسية والاجتماعية، لا عن منطق استقواء طرف على طرف آخر وممارسة الظلم وغمط الحقوق. سأكتب عن الوحدة التي تنمي الثقافة والفهم في الإنسان اليمني وتعزز مكانته الرائدة في عالم الفكر الإنساني، لا عن الإنشداد إلى عهود العصور المظلمة التي ضربت أطنابها قرونا وجعلت من الإنسان اليمني كالبهيمة يدار حسب إرادة الحاكم، سأكتب عن وحدة تصهر قدرات الإنسان اليمني لأن يبدع ويصنع المعجزات في هذا العالم الذي لا يعيش فيه إلا الأقوياء.

سأكتب عن الوحدة التي يعود إلى أحضانها كل المشردين والمغتربين الذين يجوبون الدنيا بحثاً عن لقمة العيش، وتفتح لهم أبواب الرزق والاستثمار والعمل في بلدهم أحراراً كراماً، بدلاً من دفعهم قهراً وبطشاً إلى أصقاع الدنيا.. وأخيراً سأكتب عن هذا البلد الذي يأكل عشاقه أو يصادرهم في البريد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى