> بكل شجاعة الفارس وجرأة الأمير وفطنة الشاعر، أطلق امرء القيس من أمام صومعته بالهجرين الحضرمية النداء الاول للوحدة اليمنية، ونادى ورددت الجبال صدى النداء، إننا معشر يمانيون! ولا ننتمي إلا لهذا اليمن وتاريخه الماثل آنذاك وكل ما بعده من أزمان توالت وعصفت بالإنسان ووضعت ما يكفي من مآس وأوجاع ومحن، ولم تسقط أهداف الرسالة النبيلة، وبقيت في الأعناق، لم يتنزعها الزمن ولا قسوة الدهر ولا ظلم الطغاة وبربرية الغزاة للأرض والإنسان، قالها امرء القيس الامير الحضرمي، إننا من هذا المعشر ووضع شهادته للتاريخ، بل وأعلن مبدأها الاول ايضا، وهو السلام إذ ربط مقولته الشعرية وصرخته المدوية التي احتضنتها الجبال يومئذ، وأضاف .. إننا لأهلنا محبون .. وهي إفصاح حقيقي لمكنونات الإنسان اليمني وبعده الفكري والثقافي والحضاري الذي ظهر كحقيقة تنقلت مع الدهر، حقيقة لم ترتجف مع تطاول الليل، ولم يأكلها ظلامه.

صرخة عظيمة اصطدمت بالجبال وكانت محلقة تخترق الأزمنة وتواكب الدهر وتحمل في ملامحها عناد الفارس والشاعر والأمير والمفكر الذي لم يرد إلا أن يشهر رسالته البليغة ويدخل بها التاريخ حتى لا تمتد لها يد التزييف ولا تنحرف بها الأفكار ودعاة التمزق وهو الحاكم الأمير، كأنما كان يعلم لحظتئذ أن هناك من يتربص به وبندائه، وأن ليلة تتكاثر فيها التآمرات قادمة، وأن هناك من يحشد لدفنها في رمال الصحراء، وحتى لا تحيا وتبقى الهجرين الحضرمية في طرف وادي دوعن الشهير، منبع تلك الصرخة وإعلان المحبة والوقوف في وجه وطاويط الظلام في كل زمن من يوم قالها امرء القيس وأظهرها من كل قلبه الى عصرنا الراهن، حينما ظهرت من داخل الافئدة وكأنما هي الجبال لا زالت تردد الصدى : دمون.. إننا معشر يمانيون، وإننا لأهلنا محبون.

صرخة ذات نداء بليغ، يوم خرجت من قلب امرئ القيس لتصبح رسالة التاريخ التي لم تسقط، تبدل الزمن وتغيرت الأحوال، ويوم جاء زمنها لتخرج من بطن الجبال وتغادر الأودية وتظهر على ظهر الارض، أرادت نوايا كل الرجال المخلصين ومحبي اليمن والسلام أن تظهر وتكتب وتعلن، بأننا جميعنا يمانيون، وأننا لكل أهلنا محبون .. ومن صدر امرئ القيس ذلكم النهار الغابر، الى مدينة المكلا الحضرمية، حيث تحقق الحلم منذ خمسة عشر عاما .. نقف بكل إجلال وعظمة وهيبة لكل قلوب المحبين.