كالأيتام على موائد اللئام

> أحمد عمر بن فريد :

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
هذا هو حال ووضع أهالينا في محافظة شبوة، التي تردت أحوالها إلى مزالق غير مسبوقة في تاريخها الطويل، فشبوة التي عرفت الكهرباء في مراحل ما قبل الاستقلال، لم تعد تتمنى سوى استمرار التيار دون توقف لعدد خمس ساعات متواصلة فقط في اليوم الواحد، وشبوة التي عرفت الأمن والاستقرار والسكينة الاجتماعية، لم تعد اليوم آمنة على أرواح أبنائها من عبث الصبية الطائشين، الذين يجيدون إطلاق رصاص الموت أكثر من إجادتهم رص الكلمات والعلوم المفيدة على كراريس الدراسة في صفوف التعليم، وشبوة التي عاشت مرحلة سابقة للاستقلال توافرت لأبنائها فيها خدمات طيبة متقدمة، باتت اليوم تخشى بجسد مرتعش هزيل مداهمة الحمى الغريبة التي يقول الأطباء عنها إنها ربما تكون (حمى الضنك)!!.. ترى هل وصل بنا الحال إلى حد عدم المقدرة على معرفة ما إذا كانت لدينا حمى الضنك أم حمى مالطية أو شيء آخر؟!

وشبوة التي تجنّى فيها رجال الدولة الأشاوس على حرية فتى يقود عربته في الطريق العام، بغرض الابتزاز واستعراض العضلات، هي شبوة التي لم تشفع لأمين مجلسها المحلي أن يدخل احتفالات الوحدة بما يحمل من سلاح أسوة بغيره من المسؤولين الذين دخلوا مكان الاحتفال بما يثبت للجمهور الكريم أنهم مسؤولون كبار.. أوليس السلاح والحراسات المدججة هي إحدى أبرز سمات المسؤولين الكبار في هذه البلاد؟!.. وهل كنت تتوقع عزيزي القارئ أن ترى مسؤولاً في هذا الوطن يسير في طريق عام وعلى كتفه جهاز (لابتوب) مثلاً.

هذه هي الصورة الحقيقية التي ترسم ملامح المحافظة، ولو كنت مسؤولاً فيها لفضلت أن أتوارى عن الأنظار بعيداً عن كل هذا العجز وهذا الإذلال أمام الذات وأمام الآخرين، بغض النظر عما يمكن أن تتعرض له شخصيتي من معاملات لا تليق بمقامي وطموحاتي، التي هي جزء من طموحات وآمال أبناء هذه المحافظة التي تبدو مستضعفة بإرادة خفية.

تحدثت عن كل ذلك لبعض الزملاء الشباب (المسؤولين) في شبوة، تحدثت عن ذلك المستنقع الآسن الذي تورطت فيه بعض مؤسسات المحافظة ولم تستطع مغادرته، تحدثت معه عن كم الفساد وحجمه، وعن الشلل التام الذي يسيطر على مختلف مفاصل ومناطق العمل في المحافظة، عن الأمن والأمان والاستقرار الذي تفتقده شبوة، وعن الأسواق المحلية التي أغلقت أبوابها بفعل انعدام ما يمكن أن يطمئن أصحابها على أموالهم، وحينما كان الحصار من حوله بما قلت يبدو وثيقاً ومحكماً، حاول أن يغالطني بما أسماه (المنجزات التي تحققت)!

قال لي ذلك، وكأنني لا أعرف شبوة ولا أعلم شيئاً عنها وعن أحوالها التعيسة، وعن تلك المنجزات التي يقول إنها قد تحققت، أين؟؟.. لا أعلم، ثم جاز له أن يردف في لحظة ضعف وهزيمة حقيقة .. إن القافلة تسير والكلاب تنبح!!

كنت بالفعل أتمنى من صميم قلبي لو كانت هناك قافلة فعلية للتقدم تسير في دروب شبوة وسهولها وجبالها، ولكن الحقيقة تقول لنا إن هناك قوافل من نوع آخر تسير في ظلام شبوة وليس في نهارها، إنها قوافل من قطاع الطرق ولصوص الليل.. قوافل من مهربي الممنوعات وتجار الأسلحة.. قوافل من الفاسدين وسراة الليل البهيم، لإتمام الصفقات المشبوهة.. قوافل من الذين يجيدون سرقة المال العام والعبث به.. قوافل من (منفذي) المشاريع التي تتفضل بها علينا بعض الدول المانحة، فيوهمونهم ويوهمون المواطن أنها فعلاً مشاريع عملاقة، بينما هي في حقيقة الأمر تماثيل شاهدة على حجم الفساد المالي والإداري الذي لم يعد يخجل حتى من نفسه.. قوافل من مهندسي كمائن الثأر التي تسرق الأرواح في ظلام الليل الدامس بغتة، وتقتل الحياة في عيون أطفال الضحايا الأبرياء، فيتحولوا إلى مشاريع بؤس وشقاء وحرمان.

هذا هو المشهد المؤلم في شبوة، وهذه هي المنجزات العملاقة، سُرَّ من سُرّ وغضب من غضب، فبينما كان الوطن يحتفل بذكرى الوحدة في عيدها الخامس عشر، وعلى الرغم مما يمكن أن يقال، إلا أن بعض الإنجازات كانت قد تحققت هنا وهناك، إلا في شبوة (المنسية) وكأنها محافظة مغضوب عليها لأسباب غير معروفة.

إن أهلنا الكرام في شبوة لا يمكن لهم أن يقبلوا أبداً أن يكونوا دائماً كالأيتام على موائد اللئام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى