دفاعاً عن المتقاعدين..توضيح وملاحظات حول قانون التأمينات والمعاشات

> «الأيام» محمد عبدالله باشراحيل :

>
 محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
المقدمة..ما دفعنا للكتابة حول المتقاعدين والقوانين واللوائح التنفيذية، التي تنظم حقوقهم وواجباتهم، تلمسنا ومعايشتنا اليومية لحياة المتقاعدين، الذين يعانون من ضنك العيش وضيق الحال الناجم عن مرتباتهم الهزيلة والضئيلة وغير العادلة وشبه الثابتة بالعملة الوطنية (الريال) منذ بدايتها، والتي تتآكل قوتها الشرائية سنوياً مع ارتفاع الأسعار المضطرد والمستمر عاماً بعد عام، دون أن ترافقه أي زيادة تذكر في المرتبات تلاحق تلك الأسعار الملتهبة. وقد أشرنا في أكثر من مقال على هذه الصحيفة «الأيام» الغراء الى تدني الأجور والمرتبات في قطاع الدولة بوجه عام، والأوضاع التعيسة والمتردية للمتقاعدين بوجه خاص، والذين وصل بهم الحال إلى درجة أن ما يستلمونه من مرتباتهم حالياً انخفض 80%، وأن القيمة الحقيقية للمرتب يشبع 20% فقط من الاحتياجات التي كانوا يحصلون عليها قبل عشر سنوات، عندما أحيلوا للتقاعد، أما الحال الأسوأ فهو بالنسبة للذين تم تقاعدهم قبل تلك الفترة. لعل الجدول رقم (1) أدناه الذي يعكس أسعار الدولار بالريال والرقم القياسي العام لأسعار المستهلك للفترة 1990-2005م يشرح نفسه.

وقد بقي وضع المتقاعدين يزداد من سيء الى أسوأ، بالرغم من وجود مواد في قانون التأمينات الصادرعام 1991م ولائحته التنفيذية الصادرة عام 1992م يصب مضمونها لصالحهم من حيث ملاحقة الأسعار ومن جوانب أخرى، وهو ما سنقوم بتبيانه عند تناولنا لتلك المواد القانونية في محاولة متواضعة لتوضيح الجوانب الإيجابية والسلبية فيها، بغية تحريك حالة الجمود لدى الجهات الرسمية المعنية بالموضوع وتفعيل دور كل الجهات ذات العلاقة، لما فيه مصلحة المتقاعدين من جهة، وتعريف المتقاعد أو المصاب بما له من حقوق وما عليه من واجبات من جهة ثانية، هذا بالإضافة إلى بعض التعليقات والمقترحات على القانون ولائحته التنفيذية.

من هو المتقاعد الذي يستحق معاشاً تقاعدياً ؟
المتقاعد هو الشخص المؤمن عليه الذي انتهت خدمته ويستحق معاشاً تقاعدياً في حالات التقاعد التالية: أ- بناء على طلبه (1) بعد إتمام الرجل 30 سنة والمرأة 25 سنة خدمة فعلية. (2) بعد إتمام الرجل 25 سنة خدمة وبلوغه 50 سنة والمرأة بعد إتمامها 20 سنة خدمة وبلوغها 46 سنة.ب- إذا بلغ الرجل 60 سنة مع خدمة فعلية 15 سنة، وبلوغ المرأة 55 سنة ومدة خدمتها عشر سنوات.جـ- عند انعدام اللياقة الصحية نتيجة إصابة عمل أو غير إصابة عمل سببت له عجزاً مستديماً بمقتضى تقرير طبي، ومهما كانت مدة خدمته، أو عند الوفاة ومهما كانت مدة خدمته أيضاً.د- عند إكمال 25 سنة خدمة إذا كان انتهاء الخدمة بقرار تأديبي أو بحكم قضائي.هـ- ويكون التقاعد إلزامياً في حال بلوغ الرجل 60 عاماً والمرأة 55 سنة أو عند استكمال 35 سنة خدمة فعلية.

وهناك استثناء في القانون في حالة اقتضت الضرورة إعادة المتقاعد إلى الخدمة لفترة لا تزيد عن خمس سنوات وبقرار من رئىس مجلس الوزراء، بعد التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية. والجدير بالإشارة أنه لا يجوز الحجز على المعاش التقاعدي إلا بحكم قضائي.

وملاحظتنا على النصوص القانونية الواردة أعلاه أنها تعكس حالة إنسانية وحضارية ومتقدمة من الناحية النظرية، ولكن المشكلة تكمن في التطبيق الذي تنفح منه رائحة التمييز والكيل بمكيالين بين المواطنين الموظفين، إذ يلاحظ في كثير من الوظائف الهامة، وعلى سبيل المثال لا الحصر في القضاء والسلك الدبلوماسي واستمرار أعداد كبيرة في عملهم كقضاة في المحاكم المختلفة وكسفراء في الخارج، بالرغم من تجاوزهم سن السبعين، وهذا ليس من العدل والإنصاف، والسكوت أو غض النظر المتعمد يتعارض مع القانون الذي يفترض أن يكون مقدساً وفوق الجميع ولا يخضع لأي استثناءات غير قانونية، ويحرم تجاوزه من أي شخص كان، حتى ولو كان على قمة السلطة، كما أن هناك ملاحظة حول الفصل من العمل بقرار تأديبي والوارد أعلاه في البند (د)، خاصة وأنه لم يرد وضوح حول إجراءات الفصل وآليته وضوابطه، وهي في اعتقادنا هامة للغاية، وحتى لا يكون الموظف المفصول ضحية مسؤول أحمق ومن النوع الذي يحمل الضغينة على الغير، فمن المفروض توفير كل وسائل الحماية لذلك الموظف من خلال وضوح الآلية والضوابط، والتي نرى أيضاً أن يكون للنقابات دور فيها يسبق اتخاذ قرار الفصل.

كيف يحتسب ويزداد معاش التقاعد؟
بغية تسهيل الموضوع فإن احتساب المعاش الشهري بوجه عام يتم بقسمة عدد سنوات الخدمة الفعلية على 25 سنة مضروباً في الأجر الكامل الشهري (المرتب الاساسي + البدلات)، وعليه فالشخص الذي عمل 35 سنة وتقاعد سيكون معاشه التقاعدي مساوياً لمرتبه للشهر الأخير، أما من تقاعد وكانت خدمته 25 سنة فقط وبناءً على طلبه، وكان مرتبه الكامل فرضاً 35000 ريال فإن معاشه التقاعدي الشهري سيكون 25 سنة على 35 سنة * 35000 ريال = 25000 ريال ويحصل المصاب بعجز دائم في العمل أو المتوفى بإصابة عمل على معاش بمرتب كامل دون نقصان، أما المتوفى وفاة طبيعية فيحتسب معاشه حسب مدة خدمته الفعلية، بشرط ألا يقل هذا المعاش عن 50% من مرتبه الشهري الكامل الأخير. وبصورة عامة لا يجوز أن يقل الحد الأدنى لمعاش التقاعد عن الحد الأدنى للأجور في جميع الحالات. وفي هذا الصدد نعتقد أن هناك ثغرات - تخلو من المنطق مع تغير الزمان- في بعض مواد القانون وبحاجة إلى إعادة نظر أو تعديل، ومنها المادة 26 ونصها «إذا انتهت خدمة المؤمن عليه بسبب وفاة طبيعية أو عجز كلي مستديم من غير حالات إصابة العمل، استحق معاشاً تقاعدياً من الهيئة حسب مدة خدمته الفعلية شريطة ألا يقل المعاش عن 7000 ريال أو نصف أجره الكامل الأخير أيهما أكبر»، وكذا المادة 43 من نفس القانون ونصها «إذا انتهت خدمة المؤمن عليه بالوفاة أو العجز الكلي المستديم نتيجة إصابة عمل، وثبت ذلك يسوّى المعاش على أساس 100% من الأجر الكامل الأخير (المرتب الأساسي+ البدلات) مهما كانت مدة الخدمة الفعلية إضافة الى تعويض تقاعدي يعادل 39000 ريال، يصرف دفعة واحدة للمصاب أو للمستحقين من بعده»، وتعليقنا على هاتين المادتين أن القانون صدر عام 1991م عندما كان سعر الدولار 1.22 ريال حينذاك، بمعنى أن 7000 ريال كانت تساوي 317 دولارا وأن 39000 ريال كانت تساوي 1765 دولاراً، بينما سعر الدولار حالياً، وفي الأسبوع الأول من يونيو 2005م قد تجاوز 192 ريالاً، ولا ندري كم سيكون سعره بعد شهر أو سنة، ولربما كان من الأحرى أن يحدد التعويض بأضعاف معينة من المرتب الشهري، أو يُحتسب المبلغان 7000 ريال و39000 ريال بالدولار على أساس معدل أسعار الدولار عام 1991م - وهو عام إصدار القانون- أو معدل سعر الذهب أو معدل التضخم أو باستخدام المتوسط السنوي للمعدلات الثلاثة. أما بالصورة التي وردت بها رقماً بالريال وبإعطائه للمستحقين في الأعوام المختلفة، فإنها لا تخدم الغرض الذي قيست به عام 1991م، ولا تعكس هدف المشرع الذي يتحقق من القوة الشرائية لتلك المبالغ، وما يمكن الحصول عليه مقابلها من سلع وخدمات حينذاك، حيث أصبحت حالياً 7000 ريال تساوي 36 دولاراً و39000 ريال تساوي 202 دولار.

كما يحصل المتقاعدون على نصف الزيادة التي يحصل عليها الموظفون، أي أنه في حالة زيادة مرتبات موظفي الدولة بنسبة 20% على سبيل المثال، فإن المتقاعدين سيحصلون على زيادة قدرها 10% في معاشهم التقاعدي. والسؤال المطروح لماذا لا يحصلون على نفس نسبة الزيادة للموظفين ؟ ألا تنطبق أسباب زيادة مرتبات موظفي الدولة على نفس معاشات المتقاعدين؟ وهم المحرومون من العلاوات والبدلات والمكافآت والمزايا الأخرى بعد انتهاء خدمتهم. والجدير بالإشارة أن القانون في مادته (77) أورد أنه «في حال وجود مال زائد عن الخطة الاستثمارية لصندوق التأمينات والمعاشات يودع في حساب خاص ويستخدم لأغراض تكوين احتياطي ولزيادة المعاش في ضوء الأسعار القياسية، وذلك بنسبة يحددها قرار جمهوري بناءً على عرض وزير التأمينات والشؤون الاجتماعية» وسؤالنا هنا أين نحن من روح هذا القانون؟ وهل صدر مرة قرار جمهوري بهذا الخصوص عند ارتفاع الأسعار منذ صدور القانون؟ ألا يكفي أن الاسعار قد ارتفعت أضعافاً ووصلت 6.18 مرة هذا العام مقارنة بعام 1990م، ولماذا لا تهتم الجهات الحكومية ذات العلاقة بقضية معاشات المتقاعدين عند ارتفاع الأسعار؟ فإذا كانت تلك الجهات لا تسمع ولا ترى، فلماذا لا تضع الدولة في مكاتبهم أجراسا وشاشات تلفزيون حتى يسمعوا ويشاهدوا؟ والمشكلة أن الأسعار مازالت ملتهبة ومشتعلة وأكثر الناس الذين يكتوون بنارها هم المتقاعدون، وبطبيعة الحال لا تحرق النار إلا رجل واطيها. ولكن من يحس بها من المسؤولين؟ والمشكلة في بلادنا أنك قل ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء. والسؤال إلى متى سيظل الوضع هكذا؟ ما هي المستحقات التي تدفع لأسرة المتقاعد عند وفاته؟

علينا التمييز بين حالتين، الحالة الأولى عندما يكون الشخص قد توفي وهو متقاعد فتدفع الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات منحة لمرتب شهرين لأسرة المتوفى تصرف فور تسليم شهادة الوفاة الرسمية لمواجهة تكاليف الجنازة، بينما الحالة الثانية عندما يكون الموظف المؤمن وليس المتقاعد قد توفي، فعلى جهة العمل وليس الهيئة دفع مرتب شهرين منحة لأسرته لتغطية تكاليف الجنازة فوراً عند إثبات الوفاة رسمياً. وكلتا الحالتين، وعند الوفاة يستحق المعاش كل من يعولهم (المتقاعد أو المؤمن الموظف) شرعاً، وهم الأرملة والأرمل والأبناء من الذكور والإناث والمعالين من الوالدين والأخوة والأخوات وأبناء الابن المتوفى، ويوزع عليهم المعاش بالتساوي، وفي حال أن تكون الزوجة حاملاً فيعاد توزيع المعاش بعد الولادة. ويوقف عن المستحق حصته في معاش التقاعد عند وفاته أو في الحالات التالية:1- بالنسبة للذكور: عند العمل أو عند بلوغ 18 سنة لمن لا يدرس أو عند بلوغ سن 21 سنة لمن يدرس بالثانوية و26 سن لمن يدرس بالجامعة. 2- بالنسبة للإناث عند زواجها أو التحاقها بعمل تحصل فيه على أجر، فإذا ترملت يعاد لها نصيبها من المعاش فور ترملها، إذا لم تكن مستحقة لمعاش آخر عن زوجها المتوفى، وفي حالة طلاقها يعاد لها نصيبها من المعاش بعد انقضاء العدة الشرعية. كما يجوز أن يجمع المستحقون المعاشين للوالدين، أما في غير ذلك فلا يجوز الجمع بين أكثر من معاش ويعطى المعاش الأكبر لهم. وملاحظتنا على البند (1) الخاص باستحقاق المعالين الذكور لمعاش التقاعد عند وفاة المتقاعد المعيل، أنه لا يتماشى مع الظروف الراهنة وحالة البطالة المرتفعة في البلاد، فما ذنب من لا يدرس وبلغ عمره 18 سنة ، ومن بلغ سن 21 سنة وأكمل المرحلة الثانوية أو من بلغ 26 سنة وأكمل دراسته الجامعية، إذا كان هؤلاء لم يجدوا فرص عمل؟ لماذا يتم حرمانهم من نصيبهم المستحق في المعاش؟ أنحولهم إلى متسولين أم روادً للمقاهي والمشارب أو متسكعين في الشوارع وعرضة للإنحراف؟ لذا فإننا نعتقد بضرورة ربط عدم الاستحقاق بالعمل، والاستحقاق بعدم العمل، بمعنى أنه في حالة إيجاد عمل له يتوقف حصوله على نصيبه من المعاش، أما إذا كان لا يعمل فأقل ما يمكن تقديمه له عدم حرمانه من حصوله على نصيبه من المعاش.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى