الطيور المهاجرة والاستثمار

> صالح علي السباعي :

>
صالح علي السباعي
صالح علي السباعي
لو نظرنا إلى بلدنا هذه نظرة تعمق، سنجد أنها بيئة طاردة وليست جاذبة للإنسان، ولو كان هناك إحصائية دقيقة لعدد المهاجرين في القرن الماضي وحده، سنجد أنهم ملايين، ذهبوا ولم يعودوا، غادر الكثيرون هذه الديار لأسباب عديدة معروفة، والأغرب من ذلك أن الغالبية غادروا بعد ثورة 26 سبتمبر والاستقلال الوطني، ورغم أن هناك بعض التحسن قد حصل بعد تحقيق الوحدة للدفع بالمستثمرين المهاجرين بالعودة إلى الوطن وتنفيذ الكثير من المشاريع الاستثمارية، إلا أن جهود بعض المؤسسات ذات العلاقة بالاستثمار، ظلت عند مستواها العادي ولم تستطع بذل جهود لإغراء الغالبية العظمى من المستثمرين المهاجرين وخصوصاً الطبقة المتوسطة من هؤلاء، وحتى الذين عادوا لم يجدوا الطريق مفروشا بالورود بسبب بعض الممارسات الخاطئة تجاه المهاجر والمستثمر.

ولذلك إذا أردنا عودة هؤلاء بخبراتهم وثرواتهم، علينا أن نتعامل معهم بصدق أخوي وأن نقدم لهم التسهيلات لاستقرارهم، بدلا من تركهم في أيدي السماسرة من أجل الحصول على ترخيص أو ما شابه ذلك، وبهذا يكون أصلح العطار بعض ما أفسد الدهر.

وإذا عادوا سوف تفتح كل الأبواب للاستثمار، وسيأتي الناس من كل الأجناس كما كانت عدن أيام الوجود البريطاني، وإذا لم نستطع إقناع مهاجرينا بالعودة فلن نستطيع إقناع الآخرين بالاستثمار. وعلينا أن نتذكر دائماً أن المهاجرين لديهم قدرات وإمكانيات كبيرة، وأن أمريكا قامت على أكتاف المهاجرين، والشعب الأمريكي شعب مهاجر، وأفضل نموذج في معاملة المهاجرين هو إسرائيل، حيث يحصل المهاجر اليهودي على اهتمام دولته التي تبحث عنه ولو كان في غابات روسيا أو في قرى الفلاشا في أثيوبيا، ويتم ترتيب عودته بعد أن يرتب له السكن والعمل والتعليم لأطفاله، وعند وصوله إلى مطار بن جوريون يستقبل بالورود وتعطى له إعانة عشرين ألف دولار لتسيير أمور حياته، وهم يرون أن الإنسان يستحق هذا التقدير لأنه لا يقدر بثمن.

ومشكلتنا مع المهاجرين والاستثمار تحتاج إلى جهود كبيرة حتى نستطيع الحصول على ثقة الآخرين وإقناعهم بالثقة بهذا البلد ونظامه وإمكانياته، وهي عملية ليست سهلة تحتاج إلى جهود شبيهة بالتي بذلت في دول أروبا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، حيث حققت اليابان نجاحات في كل شيء، ويرجع سر نجاح هؤلاء إلى قدرتهم على التلاؤم السريع مع الغير، ودائماً يحسنون من انجازاتهم، فاليابانيون عندهم إيمان شديد بثلاث كلمات تعيش معهم ويطبقونها في حياتهم اليومية.

الكلمة الأولى هي: كونيشوا : ومعناها (أهلاً) وبها يحيون بعضهم البعض ويحيون أي شخص غريب يقابلونه، ويضيفون إلى ذلك ابتسامة.

الكلمة الثانية هي: أريجاتو: ومعناها (شكرآً) وذلك لأنهم يقدرون الآخرين ويشكرونهم.

الكلمة الثالثة هي: كيزت: ومعناها الاتقان المستمر، وذلك لأنهم يتقنون كل شيء يعملونه. ونحن نمارس هذه الكلمات لكننا لا نشعر الطرف الآخر أننا نقولها بصدق، ودائماً لدينا عقدة الشك والخوف وعدم الثقة، ليس من الآخرين فقط بل حتى من أبناء جلدتنا، وهذا السلوك لا يساعد على جذب الاستثمار أو استقرار المهاجرين، الذين يجدون دوماً معاملة حسنة في مهاجرهم تفوق ما يجدونه في بلدهم، وكثير منهم يجد نفسه في نهاية المطاف غير قادر على التلاؤم مع أوضاع البلد الذي بقيت بعض تقاليده الثأرية منذ عصر الشنفرى. والتلاؤم والتأقلم مع المتغيرات البيئية وتطور العصر مهم جداً في حياة الكائنات الحية، فالديناصور كان قوياً ومعتزاً بنفسه، لكنه كان غير قادر على التلاؤم مع المتغيرات البيئية ولذلك انقرض، بينما استطاع وحيد القرن أن يتأقلم مع المتغيرات، وها هو ما يزال يعيش منذ 7 ملايين سنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى