نجوم عدن .. عبدالرحمن فخري

> فضل النقيب :

>
فضل النقيب
فضل النقيب
أصبح صديقي الإنسان اليمني والشاعر العربي، والمثقف الأممي، والموظف الدولي والعاشق العدني، عبدالرحمن فخري نزيل نفسه لا يأنس لسواها إلا لمما ولوقت محسوب بالساعة والدقيقة والثانية، وهو سعيد بذلك كل السعادة، فما هو بسائل أبداً: «أقام الجندُ أم رحل الأمير؟».. له من نفسه سعة، ومن أحلامها الملونة متكأ، ولست أدري إن كانت له حياة سرية لا أراها ولا يجب البوح بها، فعلاقاته مع الكتب وكتّابها ومع النفوس وأسرارها ومع الشواطئ وأمواجها تصب في بحر الفخري الداخلي المغلق من الجهات الأربع، فإذا لا مسته وجدت قلاعه مكهربة، مرصودة ومحروسة بجن مملكة النبي سليمان من حراس الكنوز الاشداء الذين أفنوا الآباد واقتلعوا الأوتاد، وليس ذلك على الفخري بكثير.

أصعد إلى شقته الأنيقة الفسيحة المكسوة بالأبنوس وجلال الكتب وشيخوخة مبكرة نوعاً تتدرع بابتسامة ساحرة وترحيب لا يخفي فرحة رغم غلالات الدهشة الطفولية الخجولة القادمة من وديان الشعر ومراعيه الخصيبة في الزمن الذهبي.

أتأبّطه كما في الزمن القديم.. إلى أين؟ إلى حيث ألقت.. أو «نعوج» كما عاج «أبو نواس».. يتفلّت من إبطي بمهارة لاعب سيرك قائلاً: اليوم ليس من أيام الخروج. آه أيها العجوز - الشاب، ها أنت ذا تفلت مني كما أفلتّ من الزمن.. يراضيني بكأس من البرتقال، أصرخ من الدهشة فأخاطب البرتقالة «عجبٌ لعمرك رائع أن تُعصري».. الفخري ليس بخيلا أبداً.. ولكنه ليس كما الناس، ولو كان على شاطئ البحر لهاله أن يبعثر كفّاً من الماء، لقد أدرك سر الاستمتاع بنعم الحياة، ومن كان محظوظاً فستأتي به الأيام إلى مائدة الفخري ليرى الحوار الجميل بين السكين والشوكة والمربّى وقطعة الخبز وموسيقى رشف الشاي وقد كنت ذلك المحظوظ ذات صباح فكنت الشاهد الوحيد المحسود على تلك المسرحية المتقنة لكأنما كل الأطراف في مسرح لندني يعرض منذ أربعين عاماً مسرحية الناس المفضلة.

قبل الشقة الحالية الواقعة فوق مطعم القدس بشارع المعلا الخلفي زرت عبدالرحمن فخري في شقته أو لعلها «فيلا» كانت تطل على المحيط من ذروة معاشق حيث كان عبدالفتاح إسماعيل جاره في زمن الشعر والجنون وكان يُهيأ لي آنذاك أن صاحبي يرمي صنارته في الخضم الهائج في خليج عدن فيصطاد القصائد حية يسعى ليطاول بها أهل السياسة ولسان حاله: أهل السلا في سلاهم وأهل المساجد يصلون.

عندما كان الفخري وكيلاً مساعداً لوزارة الثقافة في مطلع السبعينات وكنت أنا مديراً للإذاعة ومقدماً لبرنامج «فنجان شاي» في التلفزيون كنا بمثابة «البصلة وقشرتها» مع فترات حران وتوترات قصيدة لا تلبث أن تصبح «سحب صيف» عابرة غير ممطرة:

ما أنت والوعد الذي تعدينه ...إلا كبرق سحابة لم تُمطر

وكان السبب الاول للحران مقابلة تلفزيونية اعتبرها عبدالرحمن اقتراب من «عرين» الأسد واعتبرتها أنا مداعبة لملك الغابة وقد نتج عنها تحريفٌ خارجي قوّل الفخري ما لم يقله شعرياً «ستنبت في ذيل كل كلب زهرة» حسب صحيفة 14 أكتوبر آنذاك ، بينما كان النص «سأعطي أو سأمنح كل كلب زهرة» كناية عن الشعور العميق بوحدانية الحياة والأحياء، وكان المستفيد الأكبر من هذا التحريف صالح مصلح الذي كان يقف في اجتماعات المكتب السياسي المتوترة فيقول:

أيها الرفاق انتظروا فستنبت في ذيل كل كلب زهرة.. وقد نبتت فعلاً بحدس فجائعي.

الفخري شاعر كبيرة ومنجمٌ للألفاظ الصقيلة والمحبة التي لا ينضب معينها.. وإني لواردٌ إليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى