لماذا النقد الثقافي؟

> «الأيام» عبدالرحمن عبدالخالق:

> في مفهوم النقد بالعودة إلى المعجم اللغوي، نجد كلمة نقد نقداً، تنقاداً الدراهم وغيرها: ميّزها ونظرها ليعرف جيدها من رديئها، ونقد الكلام: أظهر ما به من العيوب أو المحاسن، لذا فإن (أنسب المعاني الذي أخذ عنها النقد الأدبي في العربية، هو تمييز جيد العملة الفضية أو الذهبية من زائفها، مما يستلزم الخبرة والفكر ثم الحكم، وهو المعنى الأقرب من الأصل الاشتقاقي المرادف للنقد في اللغات الأوروبية) (1- هلال، محمد غنيمي، النقد الأدبي الحديث، دار العودة، بيروت، الطبعة الأولى 1982م ص 11).

والنقد الأدبي بهذا المعنى، يقوم جوهره على الكشف عن جوانب النضج الفني في النتاج الأدبي، وتمييزها مما سواها على طريق الشرح والتعليل، ثم يأتي بعد ذلك الحكم العام عليها (2- عد للمرجع نفسه، الصفحة نفسها).

لقد تعددت المدارس النقدية وتشعبت ولا زالت مياهه جارية في مسارب الاجتهاد والمحاولة، وللعرب قسط وافر وإسهامات بارزة على صعيد التنظير الأدبي، أو قل وضع أسس للنقد الأدبي، وكان لا بد من إعمال العقل لتطوير هذه النظريات مادام سيل الإبداع جارياً ومندفعاً على صعيدي الشكل والنوع، بما في ذلك بروز أجناس إبداعية جديدة ومتطورة، لكن الحاصل عربياً هو التوقف عند المنجز النقدي العربي القديم، مع عدم نكران بعض محاولات تطوير المدرسة النقدية العربية التقليدية - إن صح التعبير- من خلال المثاقفة بين النقد العربي الحديث والنقد الغربي المعاصر على يد أجيال متعاقبة من النقاد العرب، ما بين مؤسسين ومرسخين، أمثال: العقاد ونعيمة وطه حسين، وأمثال محمد مندور ومحمود أمين العالم ولويس عوض، بالقدر نفسه استفاد الغربيون من المنجز النقدي العربي.

النقد الثقافي
ما أن يأتي ذكر النقد الثقافي، حتى تحيلنا الذاكرة إلى الباحث والناقد العربي المعروف د. عبدالله محمد الغذامي، فهو صاحب مشروع «النقد الثقافي» -عربياً على الأقل - نظر له وسخر جهده في السنوات الأخيرة - تحديداً منذ عام 2000م مع صدور كتابه «النقد الثقافي» - للترويج لمشروعه الوليد، ومواجهة خصومه الفكريين، ممن وجهوا سهام نقدهم له ولمشروعه، وإن كان نجمه قد سطع على الساحة الثقافية في السعودية في عام 1985م، بعد نشر كتابه الهام «الخطيئة والتكفير» وتتابعت إسهاماته الفكرية «تشريح النص»، «الموقف من الحداثة»، «الكتابة ضد الكتابة»، «ثقافة الأسئلة : مقالات في النقد والنظرية»، «القصيدة والنص المضاد»، «المشاكلة والاختلاف»، «المرأة واللغة»، «ثقافة الوهم: مقاربات من المرأة واللغة والجسد»، «تأنيث القصيدة والقارئ المختلف»، ماجعله في طليعة المساهمين الفاعلين في إثراء الحياة الفكرية والثقافية العربية.

المتتبع للنشاط الفكري والأدبي للغذامي، سيجد أنه تنقل ما بين النظريات النقدية المختلفة، من النقد البنيوي إلى النصوصي، حتى اهتدى إلى ما سماه بالنقد الثقافي، الذي جعل د. عبدالعزيز حمودة في كتابه «الخروج من التيه» يعد المروجين له، يمثل افتتاناً جديداً بمشروع نقدي غربي تخطته الأحداث داخل الثقافة أو الثقافات التي أنتجته.

وحتى لا أجد نفسي أحلق بعيداً، أو أحاكي حوار الطرشان، وإن من طرف واحد، دعوني أبحث عند الغذامي نفسه عن ماهية النقد الثقافي، وهل النقد الثقافي بديلاً عن النقد الأدبي؟

يشير الغذامي في كتابه «النقد الثقافي»، إلى ضرورة توسيع دائرة النقد الأدبي، ليشمل كل ما هو ثقافي وروحي وحياتي، مسبباً ذلك بالانكسارات الذاتية التي ترسبت في ذواتنا وواقعنا، التي صار - حسبه - لا بد من محوها عبر قناة النقد الثقافي، الذي يشمل وجوهاً عديدة من الحياة وليس الأدب فقط، ويرى أن ذلك لا يمكن إلاّ انطلاقاً من النقد الأدبي، لأن فعالية النقد الأدبي جربت وصار لها حضور في مشهدنا الثقافي والأدبي، على اعتبار أن الكثير من أدوات النقد الأدبي صالحة للعمل في مجال النقد الثقافي، بل ويؤكد - د. عبدالله الغذامي- على أهمية النقد الأدبي من خلال قوله إن النقد الأدبي بات له في بلادنا العربية من الحضور والسمعة ما يؤكد على أهميته في حياتنا الثقافية والأدبية، وإن المشكلات أو الملاحظات التي تسجل على النقد الأدبي لا تتوجه نحو الأدوات أو الضرورات، وإنما تتوجه إلى الغايات والمقاصد وطرائق العمل في مجالات النقد، والتي تؤدي أحياناً أو أغلب الأحيان إلى مانسميه بالتحيز والمحاباة أو الاقتصار على أمر من الأمور كالجانب التنظيري وحسب. وهو ما يسقط عنه فرية رفضه أو استهجانه للنقد الأدبي من قبل خصومه، الذين يرون في أطروحاته، ارتهاناً للنظريات الشمولية، عوضاً عن التحليلات الموضعية للخطابات، أو تعلقه حد الانخطاف بالنظرية والتنظير على حساب التدقيق في المفاهيم والمصطلحات.

مع أخذ محذور الابتسار، يمكن تلخيص أطروحة «النقد الثقافي» بالقول إن الغذامي إنما أراد أن يكشف عيوب الأنساق الثقافية في النص الأدبي، وعدم الاكتفاء بالتعامل مع البلاغي والجمالي، الذي يتستر تحته القبيح الذي نستهلكه دون أن نعي، أي أنه يشكل وعينا لاحقاً، ورأى أن ذلك لا يتسنى إلاّ عبر مقولة النقد الثقافي، وليس عبر النقد الأدبي الذي مارسناه لمدد طويلة جداً، وكان يقف على جماليات النص وجماليات التذوق والاستقبال وروعة النص وما إليه، مع عدم نكرانه لأهمية البعد الجمالي في النص.

ويبقى القول إن موضوعه «النقد الثقافي» بحاجة لوقفة أكبر عندها، ودراستها بتأن وعمق، ووضعها تحت مبضع النقد العلمي، ولا يمكن في الأخير سوى الثناء للدكتور عبدالله الغذامي جهد المحاولة الخلاقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى