مع الأيـام...هموم وأخبار القضاة

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
سيدي القاضي، أنت شيخ الحق في محراب العدالة، فأنت العدل والعدل منك، كم نفرح عندما يعلو صوتك بالحق، وعندما تظل فضائلك فيك عدلاً وسلوكاً.. وقد رأينا بأم أعيننا كيف يتوارى من الخجل أولئك القضاة الذين غابت من أوامرهم القضائية العدالة .. ومهما قل هذا البعض أو ندر إلا أنهم مثل قطرة القطران في ماء عذب.. وهاهم المظلومون بعد موجة تسونامي «النهب والسلب» التي تعرضت لها عدن وضواحيها يتحدثون اليوم عن دور القضاء، وفيما جاوز المدى من أمور ضاق بها الصدر ولم ينطق بها من قبل اللسان.

وفي البدء: يروى كيف اتسعت صدور بعض القضاة، لدعوى المدعي ولرأي المحامي وشكوى المظلوم. كيف هيأ بعض القضاة أنفسهم الطاهرة، الشامخة، لفهم حجج الخصوم ودفاعهم والإحاطة بها والرد عليها دون خوف من متنفذ أو شيخ مدجج بالأسلحة الحادة، ودون عجلة أو مصادرة أو استخفاف.. عضوا بالنواجذ على كامل الحيدة والتجرد، فساووا في مجلسهم بين الجميع، وكأنهم يستمعون إلى قول الحق «إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك».

وكل يوم تروى قصة جديدة وحكاية عن شيمة رجال القضاء العظام، وكيف صغر المتنفذون و«البلاطقة» في مجالسهم. فلم يستطع المسلحون أن يتطاولوا على العدل. وكان جديراً بتلك الحكايات الصادرة من ساحات القضاء في عدن أن تسجل في صفحات التاريخ، ولأنها وجدت في زمن عز فيه الرجال الشرفاء والقضاة الطاهرون، وسقطت القيم والأخلاق في المستنقع المادي الأسود، وضمن أولئك القضاة وهم القلة لهذه الوظيفة سؤددها وشموخها.

نعم، فعندما نمر من أمام بعض المحاكم نسمع أصوات القضاة وهي تدوي بالحق والعدل، يهتز لها جبل شمسان، وتتوقف لسماعه أمواج بحر العرب. نعم إننا نشاهد أولئك القضاة الشجعان، الطاهرين، وبكل شموخ يجلسون فوق منصة القضاء. قال النباهي «تلك خطة الأنبياء ومن بعدهم فلا شرف في الدنيا بعد الخلافة من القضاء» والخصوم مهما علا شأن أحدهم يقفون أمام رحاب العدالة متساوين كأسنان المشط، قال [ : «عدل ساعة خير من عبادة سنة».

ويوم الاثنين الماضي، كان يوماً من تلك الأيام التي يحفل بها مجلس أولئك القضاة الطاهرين، حيث رأيت وبالصدفة شيخاً متنفذاً لم أعرف بعد كيف استطاع الأمن أن يأتي به ليقف أمام هذا القاضي المشهود له بالاستقامة والعدل، أفزعته مهابة القاضي فعجز عن النطق، حتى كان يسمي المزرعة التي التهمها قبل أسبوع بالحوش أو «تحويشة العمر» من جهة أخرى روي لي أن أحد المتنفذين الذين استولوا على أرض مساحتها 300 فدان، وقف مع خصمه (مالك شجاع) أمام أحد قضاة «أبو ربل» فابتسم القاضي للمتنفذ الكبير ورحب به، فقال المواطن للقاضي «لقد حكمت يا سيدي القاضي» فنهض وترك مجلس القضاء، فتلك الابتسامة حسست المواطن (المدعي) بالظلم والقهر. لو وزع القاضي ابتسامته بين المتنفذ والمواطن لكن سوى بينهما وعدل .. فوظيفة القضاء تفرض على القضاة التزام آداب معينة للمساواة بين الخصوم. ومما روي أن أحد القضاة جاءه عشرة من المدعين يحملون ملفات أملاكهم، وبعد شهر حضر المدعى عليه «شيخ من مشايخ نهب الأراضي في محافظة لحج»، وأثناء النظر في الدعوى، ألزم القاضي المدعين بالوقوف، بينما المدعى عليه الذي لم يأت بأي بينة سوى حراسته، كان جالساً كالأسد الكمين. وعندما تواصل معي المدعون العشرة ، قلت لهم «انتظروا الاستئناف أمام هذا القاضي فقد حكم».

ختاماً نقول لبعض القضاة الذين وقفوا في وجه المتنفذين في أحلك ظروف النهب والسلب: إن أحكامكم العادلة أظهرت حرصكم على صرح القضاء العظيم، لأنكم رأيتم فيه شموخ الشرف والعزة ونصرة المظلوم. أما بعض القضاة الآخرين فنقول لهم: إن المظلوم هو السهم الذي يتبعكم في كل مكان، ولا حرج أن تذكروا أنفسكم وتحاسبوها في وقفة لإصلاحها، فتلك شيمة القضاة الذين لا يريدون مالاً حراماً ولا فساداً أو علواً في الأرض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى