طوبى للمحامية الفذة راقية حميدان وهنيئا لليمن

> نادرة عبدالقدوس:

> عرفناها محامية جسورة.. جريئة .. منافحة.. وكانت بداية الثمانينات شهدت شهرتها كمحامية تمتلك نواصي المعرفة والإبداع في مجالها الصعب، فالمحاماة مهنة إنسانية عظيمة هدفها إماطة اللثام عن الحقيقة، واجتثاث المظالم والمفاسد، وإحلال العدل ومساعدة القضاء في إفشاء السلام والأمن في المجتمع، حيث تم اختيارها محامية دفاع في قضية شبكة التجسس الشهيرة في مدينة عدن ، التي كان العضو البارز فيها (دهمس).

حملت سنوات التسعينات منذ بدايتها تناقضات الحلم اليمني الكبير. وكانت أولى تباشيرها، إصدار مشروع قانون الأحوال الشخصية كبديل عن قانون الأسرة في الجنوب، وقانون الأحوال الشخصية في الشمال ، وكان مشروعاً مخزياً للدولة اليمنية الفتية وهي في أولى عتبات تطبيق الحياة الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير.. الخ، حيث جاء القانون بعد إصداره، وحتى بعد إجراء بعض التعديلات عليه، رديفاً للقانون النافذ في الجمهورية العربية اليمنية سابقا. وفي مشهد عظيم خرجت نساء عدن رافعات شعارات الرفض لمشروع القانون السيء الصيت، مستنكرات هذا الاستسخاف بالمرأة والحط السافر من كرامتها وإنسانيتها. وفي هذه التظاهرة الأولى والوحيدة على مستوى الوطن برز دور المحامية المناضلة راقية عبدالقادر حميدان التي تقدمت النساء، وعقدت العديد من اللقاءات الجماهيرية والنسائية للتعريف بمشروع القانون وتلاعب المشرع بالمفردات القانونية الواردة فيه.

وعند تأسيس أول منظمة لحقوق الإنسان في عدن عام 1991م ، كانت المحامية الوطنية راقية حميدان من أبرز مؤسسيها، ولعبت دوراً كبيراً في تثبيت دعائمها.

الحديث عن السيدة راقية حميدان ذو شجون، ويستدعي ملء حيز أكبر من هذا.. فلم يكن ترشيحها لجائزة نوبل للسلام اعتباطاً بل عن جدارة تستحقها.. فهي لم تمتهن المحاماة لتلبية رغبة في داخلها لشغل وظيفة لكسب العيش والسلام، وإنما بذكائها الفطري وبنضجها العقلي المبكر أدركت أن مهنة المحاماة وسيلة شريفة لإعادة ميزان العدالة إلى نصابه، لذا فإن هذه السيدة خاضت غمار الجدال الفكري في مجال حقوق الإنسان، متحدية ما كان يرصد أمامها من صعوبات .. ولم تبال هذه السيدة ولم تيأس .. لأن الصدق والأمانة والإخلاص هو ما تحمله في ضميرها.

هذه هي السيدة راقية حميدان، التي لم تحتف بها أي وسيلة إعلامية يمنية بمناسبة ترشيحها للجائزة الرفيعة، وكانت «الأيام» الأولى والوحيدة التي فاجأتنا بالخبر السعيد، فجعلتني أقفز من شدة الفرح، وأتناول هاتفي لأبعث للسيدة التي أكن لها كل حب وتقدير وإعجاب رسالة تهنئة خالصة.

إن تعتيم خبر ترشيح المحامية الفذة راقية حميدان وتجاهل الحدث التاريخي، لا يؤدي الا إلى تفسير واحد دون سواه، وهو أن السلطة غير مرحبة به وغير راضية عن هذا الاختيار، ولكننا كنساء يمنيات بشكل عام وعدنيات بشكل خاص، نشعر بالفخر والاعتزاز، ليس لاختيار امرأة منا من بين ألف امرأة من مختلف أصقاع العالم لنيل الجائزة الدولية الرفيعة فحسب، بل لأن الاختيار جاء عن استحقاق وجدارة لهذه الشخصية العظيمة، ولأنه من خارج جدران ودهاليز السلطة أو الأحزاب السياسية، فطوبي لهذه السيدة القدوة، التي كان من المفترض أن تكون نقابة المحامين الموقرة أولى مؤسسات المجتمع المدني المحتفية بها.

طوبى لهذه المرأة الوطنية التي تثبت كل يوم بأنها جديرة بالاحترام والتقدير من خلال سعيها الدائم إلى تقديم خدماتها الإنسانية دون انتظار أي مقابل، وذلك عن قناعة ورضى نفس صافية. وأسوق لكم ما حدث معنا معشر الصحفيين، عندما تقدمت إليها الهيئة الإدارية لنقابتهم في عدن الشهر المنصرم، بتخصيص يوم لتفسير مشروع قانون الصحافة والمطبوعات (غير المستساغ)، فوافقت بدون تردد واختارت يوماً.. وجاءت حسب الاتفاق والموعد المحدد بسيارة أجرة، رافضة رفضاً قاطعاً استلام أتعاب حضورها، رغم استقطاعها من وقتها الثمين وتكبدها حرارة الجو في مبنى النقابة العتيق وصخب الصحفيين الطيبين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى