مدى حتمية تشكيل لجان التظلمات كجهة مختصة بنظر منازعات قضايا البناء وما يتفرع عنها

> «الأيام» المحامي جلال البطيلي:

> المبحث الثاني:الجهات المسهمة في الإخلال بإجراءات تنظيم منازعات قضايا البناء..ليست نيابة المخالفات وحدها من أخلت بإجراءات تنظيم قضايا البناء والخلط بين العمل الإداري والقضائي، بل هناك جهات أخرى أسهمت في ذلك ومنها مكاتب البلدية والمجالس المحلية، وذلك ما سنحاول مناقشته في هذا المبحث في قسمين على النحو الآتي:

القسم الأول:مدى إسهام مكاتب البلدية في الخطأ في تطبيق إجراءات تنظيم قضايا البناء

مما تقدم يتبين أن المشرع اليمني قد أوكل لمكاتب البلدية في المحافظات والمديريات مهمة تنظيم أعمال البناء بما فيها التراخيص والإزالة كلياً أو جزئياً، وجعلها الجهة المختصة والوحيدة بذلك (راجع نصوص المواد «26، 58، 63، 65» من قانون البناء النافذ، والمادتين «6 و9» من قانون الاحكام العامة للمخالفات، والمادة 175 من قانون التخطيط الحضري).

- غير أنه ومما هو مهم توضيحه مما راعى فيه المشرع اليمني مصلحة المواطن هو عدم إطلاق ذلك الاختصاص والصلاحيات لمكاتب البلدية وتقيدها بشروط وإجراءات سابقة لا بد من إتمامها، وأهمها:

1- أن تكون قرارات مكاتب البلدية الصادرة بشأن تنظيم منازعات قضايا البناء مسببة، وأن عدم تسبيب تلك القرارات يؤدي إلى بطلانها بقوة القانون (راجع نص المادة 74 من قانون البناء النافذ).

2- وقف تنفيذ قرارات البلدية بشأن إزالة أعمال البناء خلال المدة القانونية المقررة للتظلم منها من قبل المواطن أمام لجنة التظلمات والمقدرة بعشرة أيام من يوم إبلاغه بالقرار (راجع نص المادة 26 فقرة 2 من قانون البناء النافذ).

3- وقف تنفيذ قرارات لجنة التظلمات بشأن وقف وإزالة إعمال البناء خلال المدة القانونية المقررة لمصلحة المواطن للطعن فيها أمام القضاء خلال ستين يوماً من تاريخ إخطار المتظلم بذلك القرار (راجع نص المادة 65 من قانون البناء النافذ).

4- ألا تكون هناك إمكانية لصرف تراخيص البناء وذلك لمخالفتة وخروجه عن التخطيط (راجع نص المادة 1 من لائحة مخالفة التخطيط وأعمال البناء رقم 23 لعام 94م.

5- أن تكون مكاتب البلدية قد فصلت في طلب المواطن المقدم إليها للحصول على الترخيص وخلال المدة القانونية المقررة بأسبوعين، وأن يكون قرارها مسبباً، ما لم فإن الطلب يعتبر في حكم الموافقة (راجع نص المادة 7 من قانون البناء).

- مما سبق يظهر جلياً دور مكاتب البلدية في الإخلال بتنظيم قضايا البناء والخلط في قواعد الاختصاص والعمل الإداري والقضائي، حيث إن كافة أعمال البناء وتنظيمه وإزالته تعد من الأعمال الإدارية لا القضائية، وكذلك الحال بالنسبة للغرامات المالية المترتبة عليها والتي تقدر دائماً ووفقاً للقانون بنسبة مئوية من قيمة البناء المزال، وهو عمل لا يقوم به إلا مهندس مختص من مكتب البلدية وليس من النيابة (راجع نص المادة 9 من قانون المخالفات والمادة 12 من قانون البناء.

غير أن ما تذهب إليه مكاتب البلدية من حصر وتقييد لدورها في تحرير محاضر ضبط بالمخالفة ورفعها مباشرة الى نيابة المخالفات دون الفصل في طلبات المواطن المقدمة إليها بقصد الحصول على ترخيص بقرار مسبب وفقاً للقانون، ودون التقيد بوقف إجراءاتها خلال المدة المقررة قانوناً لمصلحة المواطن للتظلم والطعن في قراراتها أمام كل من لجنة التظلمات والقضاء، وما شاب ذلك من تفويت لحق المواطن في الاستفادة من هذه الاجراءات المخولة قانوناً لمصلحته، والخلط في قواعد الاختصاص وإحالة مهام لجنة التظلمات كجهة مختصة بمنازعات قضايا البناء الى نيابة المخالفات، وإكراه المواطن للخضوع لنيابة المخالفات وتفويت حقه في الرجوع إلى لجنة التظلمات والقضاء، وإحالة مسالة تقدير الغرامات المالية إلى نيابة المخالفات .. كل ذلك يجعل من مكاتب البلدية تسهم بل وتتسبب ولو بالخطأ في الإخلال بقواعد تنظيم أعمال ومنازعات البناء والخلط بين العمل الإداري الذي هو صلب اختصاصها والعمل القضائي، وبالتالي الإسهام بالخطأ في تطبيق صحيح القانون من جهة، والإخلال بتقدير إيرادات المديرية من جهة أخرى.

2- القسم الثاني:مدى إسهام المجالس المحلية في الخطأ في إجراءات تنظيم قضايا البناء

قد يسأل البعض عن علاقة ودور المجالس المحلية في عملية تنظيم قضايا البناء والتطبيق الصحيح للقانون.. ولأهمية هذا الموضوع بات من الواجب علينا توضيحه، حيث يأتي دور المجالس المحلية في الإسهام في التطبيق الخاطئ للقانون والإخلال بإجراءات تنظيم قضايا وأعمال البناء من خلال المسؤولية التي أولاها له قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000م ولائحته التنفيذية في مراقبة تطبيق السياسات العامة والقوانين والأنظمة النافذة في كافة المجالات، وكذا التوجيه والإشراف والرقابة على أعمال الأجهزة التنفيذية، ودراسة الحالة المالية ومستوى تحصيل الإيرادات المحلية، ومناقشة الشؤون العامة التي تهم المواطن، وذلك ما تناوله المشرع اليمني صراحة في صحيح أحكام المواد: «61» من قانون السلطة المحلية النافذة، و«7» من اللائحة التنفيذية، و«21» من اللائحة المالية.

ومنه يتبين مدى علاقة ومسؤولية المجالس المحلية في الإسهام بالإخلال بإجراءات تنظيم قضايا البناء ومسؤوليتها في ذلك، ومنها مسؤوليتها في مراقبة تطبيق القانون واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة المخالفات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى مسؤوليتها في التوجيه والإشراف والرقابة على أعمال الأجهزة التنفيذية في الوحدة الإدارية والتي البلدية إحداها تأسيساً على حكم المادتين (7، 61) من قانون السلطة المحلية النافذ ولائحته التنفيذية.

كما أنه وضمن مسؤولية المجالس المحلية وفقاً للقانون يقع عبء مناقشة الشؤون العامة التي تهم المواطن .. وقضايا البناء هي من أهم ما يهم المواطن مما يجب على المجالس المحلية الاهتمام بها.

وليس هذا فحسب ما يحدد مسؤولية ودور المجالس المحلية في هذا الموضوع، بل هناك الأهم وهو تحصيل الإيرادات من مصادرها المختلفة، والتي تعود بدورها لصالح المديرية وأبنائها وهو جوهر مسؤولية المجالس المحلية في موضوعنا هذا، وهو إيرادات وعائدات المديرية ومصادر تمويلها. حيث إن هناك إيرادات خاصة بالمديرية ومن عائداتها تتصرف بها البلدية بالخطأ من خلال إحالتها وإحالة تقديرها إلى نيابة المخالفات، وهي تلك الغرامات المفروضة على المواطن (المخالف) والتي تعد من إيرادات المديرية التي يجب أن يستفيد منها ومن تقديرها المديرية وأبناؤها، غير أن مكاتب البلدية وعن غيرما قصد تفوّت هذا الحق على المديرية من خلال إحالتها لهذه الغرامات وإحالة تقديرها إلى نيابة المخالفات.

ومع أن البلدية هي المختصة بتحصيل هذه الإيرادات وبتقديرها وفقاً لنسبة مئوية من قيمة البناء المخالف وفقاً للقانون (كما بيناه سلفاً)، غير أن المجالس المحلية ومع أن هذا عمل يدخل صلب اختصاصها إلا أنها قصرت مسؤوليتها عنه وكأن الأمر لا يعنيها رغم أهميته وتعلقه بتنمية إيرادات المديرية. وبهذا تكون البلدية قد فوتت أحد مصادر إيرادات المديرية ووقعت في خطأ إحالة تقديرها للنيابة، وتكون المجالس المحلية أسهمت في ذلك الخطأ من خلال عدم ممارستها لدورها في تحصيل إيرادات المديرية والتوجيه والإشراف والرقابة على الأجهزة التنفيذية في الوحدة الإدارية، وفي عدم تطبيق القانون وعدم الاهتمام بشؤون المواطن التي هي من أولى اهتماماتها، وقضايا البناء هي من أهم ما يهم المواطن مما يجب أن يوليه المجلس اهتمامه ومسؤوليته تطبيقاً لصحيح أحكام المواد (61، 7) من قانون السلطة المحلية رقم 4 لعام 2000م ولائحته التنفيذية.

المبحث الثالث:الآثار الناجمة عن تغييب لجان التظلمات وعدم تفعيلها كجهة مختصة بنظر منازعات قضايا البناء.. وأثر ذلك على المواطن

من المحتمل وربما (وهو أمر يقتضي التأويل) أن نكون قد استطعنا أن نبرهن إثباتاً عدم جواز إخضاع منازعات قضايا البناء لقانون الأحكام العامة للمخالفات رقم 17 لسنة 94م باعتبار أن هناك قانوناً خاصاً سنّه المشرع اليمني لتنظيم قضايا البناء وهو القانون رقم 19 لسنة 2002م بشأن البناء.

وربما أيضاً نكون قد استطعنا بيان أسباب حتمية وجود لجان التظلمات كجهة مختصة قانوناً بنظر منازعات البناء وما يترتب على قراراتها من حق الطعن أمام القضاء مباشرة دون المرور بالنيابة. كما تناولنا في موضوعنا هذا أيضاً الأسباب والعوامل الكامنة وراء تغيب لجنة التظلمات، ومنها مكاتب البلدية والمجالس المحلية، مستندين في ذلك على أحكام القوانين المعمول بها والمنظمة لهذه العلاقة.

غير أنه ومما يجدر بنا توضيحه هنا هو أن تلك الخروقات الناتجة عن التطبيق غير الصحيح للقانون والخلط في قواعد الاختصاص وتغييب دور بعض الجهات عن نظر قضايا تختص بها كلجنة التظلمات وعدم تفعيلها، قد ترك أثره على النظام العام والتقنين من جهة، وعلى المواطن من جهة أخرى، ولعل أهم هذه الآثار تكمن في الآتي:

أولاً: الآثار المتعلقة بالنظام العام
1- الخطأ في قيام نيابة المخالفات بنظر قضايا البناء كمنازعات، وإلغائها للقرارات الصادرة من البلدية بخصوص مخالفات البناء، باعتبار أن مخالفات البناء عمل إداري تنظمه وتختص به البلدية (راجع نص المواد «26، 58، 12» من قانون البناء النافذ والمادتين «9 و6» من قانون المخالفات والمواد 175 من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 260 لعام 97م).

2- الخطأ في قيام نيابة المخالفات بدور ومهام مكاتب البلديات في تقدير وتحصيل بعض الإيرادات المالية الناتجة عن مخالفات البناء والمقرر تحصيلها بالطريق الإداري وعن طريق مكاتب البلديات (راجع نص المادة 6 من قانون المخالفات العامة والمادتين «12 و26» من قانون البناء).

3- الخطأ في قيام نيابة المخالفات بدور ومهام لجنة التظلمات ونظرها لمنازعات قضايا البناء بدلاً عن لجنة التظلمات كجهة مختصة (راجع نص المواد «26، 65، 58، 61، 63 من قانون البناء).

4- الخطأ في الإسهام في تغييب لجان التظلمات وعدم تفعيلها كجهة مختصة بنظر منازعات البناء.

5- الخطأ في الإسهام في تغييب بعض درجات التقاضي كدرجتي الاستئناف والنقض التي يجوز الطعن أمامهما من قبل المخالف في الأحكام الصادرة من محكمة أول درجة بشأن مخالفات البناء (راجع نص المادتين «63، 65» من قانون البناء).

ثانياً: الآثار المتعلقة بالمواطن
1- حرمان المواطن من حقه في الاستفادة من عدم نفاذ قرارات مكاتب البلدية بشأن إزالة البناء أو عدم منح التراخيص أو رفض طلباته إلاّ بعد انتهاء المدة المقررة قانوناً للتظلم والطعن من هذه القرارات أمام كل من لجنة التظلمات والقضاء، وذلك في المدة المحددة قانوناً بعشرة أيام للجنة التظلمات وستين يوماً أمام القضاء (راجع نص المواد «26، 58، 63، 65» من قانون البناء النافذ).

2- حرمان المواطن من حقه في البناء المؤقت (التسوير) دون الحصول على ترخيص والاكتفاء بإذن كتابي من البلدية في هذه الحالات (راجع نص المادة 19 من قانون البناء النافذ).

3- حرمان المواطن من حقه في الاستفادة من بطلان قرارات مكاتب البلدية بقوة القانون في حالة عدم تسبيبها (راجع نص المادة 7 من قانون البناء النافذ).

4- حرمان المواطن من حقه في منحه الترخيص بعد عملية البناء في حالة استيفاء الإجراءات السابقة عليه ووقوع البناء وفقاً للمخطط، والاكتفاء في هذه الحالة بفرض الغرامة المالية للبناء دون الحصول على ترخيص مسبق (راجع نص المادة 1 من لائحة مخالفات التخطيط وأعمال البناء).

5- حرمان المواطن من حقه في الاستفادة من اعتبار طلبه للتراخيص مقبولاً في حالة عدم الرد عليه من قبل مكاتب البلدية خلال المدة القانونية المحددة بأسبوعين (راجع نص المادة 7 من قانون البناء).

6- حرمان المواطن من حقه في التظلم من قرارات مكاتب البلدية أمام لجنة التظلمات خلال المدة القانونية المقررة لذلك وقبل الإزالة (راجع نص المواد «26، 58، 63» من قانون البناء).

7- حرمان المواطن من حقه في الطعن بقرارات لجنة التظلمات أمام المحاكم الابتدائية المختصة مباشرة ودون المرور بنيابة المخالفات وقبل الإزالة (راجع نص المادة 65 من قانون البناء).

8- حرمان المواطن من حقه في الاستفادة من المدة المقررة قانوناً للطعن بقرارات البلدية أمام القضاء والمقدرة بستين يوماً وفقاً للقانون وليس أسبوع (راجع نص المادة 65 من قانون البناء).

9- حرمان المواطن من حقه في الاستفادة من الطعن بقرارات محكمة أول درجة بشأن مخالفات البناء أمام درجتي الاستئناف والنقض باعتبار أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة قابل للطعن فيه وفقاً لدرجات التقاضي في القانون اليمني.

لهذه الأسباب..
فإننا نهيب بالإخوة القضاة الأفاضل رؤساء محكمة ونيابة استئناف عدن، ومدراء مكاتب البلديات، ومدراء عموم المديريات، ورؤساء الوحدات الإدارية والمجالس المحلية والإخوة رئيس وأعضاء لجنة التظلمات من المحافظ وأمين عام المجلس المحلي للمحافظة ومدير عام مكتب الأشغال العامة وبقية الأعضاء، الإسهام في التطبيق الصحيح للقانون من خلال تشكيل لجان التظلمات وتفعيل دورها كجهة مختصة بنظر منازعات قضايا البناء وما يتعلق بها، إسهاماً في التطبيق الصحيح للقانون وحفظ حقوق المواطن وتخفيف العبء عن كاهل نيابة المخالفات لما من شأنه إصلاح ذات البين.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى