يـوم من الأيــام...مواعظ الثعالب تفقدك دجاجك

> محمد علي محسن:

>
محمد علي محسن
محمد علي محسن
المثل الشهير القائل «متى بدأ الثعلب بالوعظ فقدت دجاجتك» أجده دوماً يقفز لمخيلتي، وهذه الأيام على وجه التحديد فرض سطوته وحضوره بشكل غير مألوف من قبل، خاصة أمام زيادة جرعة الخطاب الوعظي المفتوح على مصراعيه لكل من هب ودب من البشر، دونما أية انتقائية أو تمييز ما بين الصالح والطالح، أو حتى أدنى مراعاة لنواميس وأصول وفنون هذا الخطاب الإرشادي والوعظي، الداعي في الأساس للشرف والأمانة والعدل والمساواة والإخلاص للوطن والثورة والوحدة..إلخ، والرافض في مجمله للفساد والمحسوبية والرشوة ومصادرة الحقوق والحريات وانتهاك النظم والقوانين والديمقراطية، وغيرها من المسميات التي بات الإنسان في هذا البلد مجبولاً عليها في كل الأوقات حتى عند أكله وراحته أو في منامه ويقظته.

في هذا البلد القابع في ذيل قائمة الدول الأكثر فقراً وفساداً، بكل يسر يمكنك رؤية العجب العجاب كله هنا في بقعة واحدة، مما يغنيك عن مشاهدة المعجزات السبع أو السفر والتجوال بحثاً عن سحرة الهند وثعابينها، أو بقايا من فضيلة جمهورية أفلاطون الأسطورية أو مدينة الفارابي الفاضلة.

فكما بوسع الواحد منا إشباع أذنيه لحد الإصابة بالتخمة جراء الإطناب في مواعظ الفضيلة ومحاربة الفساد، بالقدر ذاته باستطاعته رؤية الرذيلة بأم عينيه وهي بادية أمامه في أبشع صورها وقبحها.

في كل بقاع الدنيا، للفضيلة أناس جديرون بها، وللرذيلة بالمقابل أصحاب وأنصار يدفعون حياتهم ثمناً لهذا الانحراف السلوكي غير السوي، في هذا البلد يوجد كثير من أصناف البشر، وخاصة من أولئك المسؤولين الذين يجمعون أو يخلطون بين الفضيلة والرذيلة في آن واحد، بحيث يمكن رؤية مسؤول ما في وظيفة ما، مثقلاً بشتى أنواع الفضيلة إذا ما تطلب الأمر الحديث عن القانون والنظام والنزاهة والأمانة والعدل والأخلاق الحميدة وهكذا دواليك، ولا يختلف كذلك أثناء ممارسته لوظيفته بغير العكس تماماً، فكل الأفعال والتصرفات لا صلة لها البتة بذلك الخطاب الوعظي المثالي، الذي قيل ربما لضرورة وقتية أو لعادة جبل عليها الناس أو تحت وطأة النشوة واللحظة، بل لها صلة وارتباط بكل ما هو قبيح وذميم بحق المجتمع والمسؤولية والقانون والأخلاق والشرف والأمانة والوطنية والعدالة والمساواة.

إن أكبر مصائب هذا البلد ليس الفقر أو الجهل أو المرض، وهي التي مازلنا نلقي بها على كاهل الأئمة بعد مضي أربعة عقود ونيف، ولا هي بشحة الموارد، كما يدعي وينظر جهابذة السياسة والاقتصاد، فجميع هذه الادعاءات تكذبها كثير من الدول التي قدر لها مغادرة مثلث التخلف، وبظرف عقد أو عقدين، وبلا ثروات معدنية أو نفطية، حجزت لها مقعداً متقدماً لم تبلغه دول الخليج بثرواتها المالية والنفطية، أو دول القارة السوداء بذهبها وماسها، بل غياب الإدارة والتخطيط والمحاسبة الفاعلة القادرة على مبارحة فساد الدولة الهشة ومواعظ الثعالب التي ما فتئنا نتقاطر لسماع فضائلها ونسيان حقيقة قبحها ونتانة ريحها. ورغم الصفات الذميمة كالمكر والحيلة والجبن، وهبنا هذه الثعالب البشرية شرعية الفتك بنا وحرية تصنيفنا لأرانب أو ديكة أوقطط، وذهبنا جميعاً بغير مشيئة أو إرادة نصغي ونتعلم معاني الفضيلة على يدي ثعالب ازدانت بثياب الوعظ والهدى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى