لا مكان للتكتيك في السودان حالياً

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
احتاج نظام ثورة الإنقاذ في السودان الشقيق إلى ما يقارب الخمسة عشر عاماً لكي يدرك أن الشعار البراق، الذي اعتمده مع بداية انطلاقته (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) لم يكن سوى كلام جميل مرتبً من الناحية اللغوية الديماغوجية التي تعتمد عادة لتخدير الشعوب وتغييبها عن الواقع، واكتشف أيضاً أنه لا يمكن لمثل هذا الشعار أو غيره، تحت أي ظرف كان، أن يصل باقتصاد البلاد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، القادر على تحقيق الحد الأدنى من الأمن الغذائي أو الصناعي، حتى وإن كانت السودان تستقبل سنوياً أكبر كمية من مياه النيل، مقارنة بغيرها من الدول الأخرى التي تطل على هذا النهر العظيم وتستفيد من مياهه.

كما أن منظر النظام الدكتور حسن الترابي (سابقاً) قد احتاج إلى ذات الفترة الزمنية تقريباً، لكي يدرك متأخراً أن مسألة إقصاء الآخر التي اعتمدها وسيلة لتصفية الخصوم السياسيين، لم تكن سوى مبدأ عقيم، لايمت للثقافة الإنسانية ولا السياسية بصلة، وأن إرسال قوافل الشهداء لقتال أبناء الجنوب السوداني الباحثين عن حقوقهم المشروعة في المواطنة والثروة في خطوط موازية لخط هروب رفيق دربه السيد الصادق المهدي من عذاب النظام، لم يكن ليلغي الاستحقاق السياسي لأهل الجنوب ولا لصهره زعيم حزب الأمة، باعتبارهما أرقاما صعبة في المعادلة السودانية، لا يمكن القفز عليهما أو تجاوزهما مها عزت الشعارات ومهما مرضت الأحلام.

وربما أن النتيجة في شكلها النهائي كانت قاسية جداً ومؤلمة لشخصية فكرية في حجم الترابي، الذي اكتشف بعد هذا الزمن، أن أول المستقبلين له بعد خروجه من أقبية النظام الذي أسسه بنفسه، كان المهدي الذي طارده ذات يوم وأمر بالقبض عليه، وأن الزعيم الجنوبي جون قرنق خصم النظام اللدود، كان قبل خروجه بيوم واحد فقط، قد فرش له السجاد الأحمر فوق أرضية مطار الخرطوم، ليتم استقباله بما يشبه استقبال الفاتحين، بعد أن ضمن لأبناء الجنوب من الحقوق ما فاق تصوراتهم وأحلامهم المشروعة التي ناضلوا من أجل تحقيقها عقوداً من الزمن.

وبالأمس فقط، خرج جون قرنق على متن طائرة أوغندية فوق الأراضي الأوغندية في رحلة داخلية ولم يعد .. ثم أعلن رسمياً أن طائرته التي اصطحب على متنها ستة من رفاقه، قد انفجرت في الجو أو وقعت على الأرض في ظروف جوية سيئة وربما غامضة، الأمر الذي خلط الأوراق التي بدت للعيان أنها قد رتبت في الداخل السوداني بشكل عادل وجيد، وبما يحقق سيادة فكرة المواطنة المتساوية وضمان حقوق الجنوبيين ومختلف القوى السياسية في السودان الشقيق، إلا أن هذه الحادثة تبدو خطيرة جداً على المشهد السوداني بأكمله، كما أنها تثير الكثير من الشكوك والريبة في حسن النوايا وصدقها، وهي بالمناسبة تحمل النظام الحالي مسؤولية جسيمة، ينبغي الشروع في تنفيذها فوراً دون إبطاء أو تساهل، وهي ضرورة طمأنة جميع أهل هذه البلاد وخاصة الجنوبيين منهم، بأن لا علاقة لهم بمقتل قرنق المفاجئ، وأنهم ماضون في تطبيق الاتفاق الذي أبرم بين الطرفين وتنفيذه بحذافيره ومواقيته المتفق عليها.

واعتقد شخصياً .. أنها ستكون كارثة كبرى، لو تراجع النظام عن تعهداته وشرع بتكتيكات سياسية ترتكز على حقيقة جديدة تتمثل في غياب زعيم الحركة وعمودها الفقري الدكتور جون قرنق، لأن الاستحقاق السياسي المطلوب تحقيقة حالياً، لا يخص قرنق وحده وإنما يخص السودان وأبناء السودان الذين مثل حقوقهم قرنق ورفاقه، وستكون الكارثة أكبر وأطم لو ثبت أن هناك علاقة ما بين الفكر الرسمي الذي اغتال الحريري بالتفجير على الأرض في بيروت وقرنق في الأجواء حتى وإن كانت السماء أوغندية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى