الإرهاب..دعوة ايديولوجية لإقامة سلطة مستبدة

> عبدالعزيز يحيى محمد:

>
عبدالعزيز يحيى محمد
عبدالعزيز يحيى محمد
إذا كنت قبل تنفيذ تلك العمليات الإرهابية التي وقعت في العاصمة البريطانية (لندن) بتاريخ 7-7-2005م، وقتل فيها 55 وجرح أكثر من 700 من المواطنين الأبرياء، وما تلاها من تفجيرات، وقبل الكشف عن هوية منفذيها، كنت مقتنعا تماماً أن الاسباب والعوامل التي دفعت وتدفع الحركات والجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة كتنظيم القاعدة للقيام بأعمال إرهابية في العديد من دول العالم، بما فيها البلدان العربية والإسلامية كالعراق والسعودية ومصر كما جرى في شرم الشيخ، وبالتالي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها من وراء تلك العمليات، ليست سياسية ولا اقتصادية مرتبطة بما تعاني منه وتواجهه البلدان والشعوب الإسلامية.

فإن ما عزز من قناعاتي تلك بصدد أسباب وأهداف الإرهاب هو أن التحقيقات التي أجرتها السلطات الامنية البريطانية على إثر تلك الهجمات قد كشفت أن منفذيها هم بريطانيون مسلمون من أصول باكستانية، مما يعني أن ما دفعهم لتنفيذ تلك العمليات ليس هو الظلم أو القهر أو الفقر الذي يعاني منه شعبهم البريطاني، كوننا نعلم أن بريطانيا تعد بلد الديمقراطية الأول في العالم، ويتمتع شعبها بمستويات معيشية مرتفعة.

وفيما يتعلق بمنفذي العمليات الإرهابية التي تتبناها تلك الجماعات في العديد من بلدان العالم، فمعظمهم يعيشون وينتمون لمجتمعات وبلدان وطبقات لا يعاني أو يشكو أفرادها من الفقر كالمجتمع السعودي والكويتي والإماراتي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التنظيمات والجماعات التي ينتمي إليها منفذو العمليات الانتحارية لا تؤمن بالديمقراطية وبما تعنيه من علنية في النشاط والممارسة السياسية والحزبية، وفصل بين السلطات، ومساواة بين جميع المواطنين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم أمام الدستور والقانون، إذ يرون في هذا دار الكفر والجاهلية الجديدة التي تستحق الهدم والدم لبناء دار الاسلام، فأصبح الخلاف بين (الجميع) وبين (قلة) تدعي احتكار الدين، بينما الاسلام لا يعرف الكهنوت، والمسيحية لا تعرف التشريع كما قال الدكتور غالي شكري.

ومن ناحية ثالثة فإن كل منفذي تلك العمليات الارهابية والمتبنين لها هم ممن يعتنقون الديانة الاسلامية في حين لا تنحصر مظاهر انعدام الحريات العامة والشخصية وعدم المشاركة في الحياة السياسية،و الفقر الناتج عن الممارسات السياسية والاقتصادية الخاطئة للسلطات والانظمة الحاكمة، لا تنحصر على البلدان الإسلامية والمسلمين وحدهم.

وعليه فإنني أرى أن ما دفع ويدفع تلك الجماعات المتطرفة للقيام بأعمال وأنشطة ارهابية يعود في الاساس لأسباب ايديولوجية مضمونها هو جعل المسلمين أوصياء على البشرية، وإن حاولت التستر ببعض مظاهر الظلم والقهر والفقر التي تعاني منها وتواجه معظم الشعوب الاسلامية، والناتجة لأسباب وعوامل سياسية واقتصادية داخلية وخارجية، واتخاذها كذرائع لتبرير ما تقوم به.

فمن خلال الاطلاع على الدعوات التي تتبناها وتروج لها تلك الجماعات والحركات الارهابية وعلى المناهج التي تعتمدها في الفكر والعمل، نجد أنها مستقاة ومستمدة من خطابات عدد من مؤسسي ومنظري الحركات والتيارات الاسلامية المتطرفة كحسن البنا وسيد قطب، فمثلاً رأى الأول: «أن دورة التاريخ قد بلغت من جديد المرحلة التي سيقوم فيها المسلمون بقيادة العالم، وأن القرآن يقيم المسلمين أوصياء على البشرية العاجزة»، وقد كرر الثاني في كتابة «معالم على الطريق» معنى حسن البنا ذاته حيث قال: «الاسلام ينوط بالأمة المسلمة مهمة هائلة: مهمة الوصاية على البشرية».. مضيفاً في نفس الكتاب أن المعركة صليبية في صميمها، لا سياسية ولا اقتصادية. وحين نبحث عن السبيل الذي يرونه مناسبا لتحقيق وصاية المسلمين تلك على البشرية، فإننا نجده متجسدا في رؤيتهم التي تقول: إن ذلك سيتم من خلال إقامة ذلك النظام المتكامل الذي لا تجد له مثيلاً في أي نظام عرفته الأرض، إنه النظام القائم على أساس أن الحاكمية لله وحده، فبحسب رأيهم أن النظم القائمة على تشريع إنساني هي نظم جاهلية، لذلك فالبشرية كلها تتمرغ في الجاهلية، فلا مجال للمهادنة أو التعايش بين حاكمية الله وحاكمية البشر، ولا بد أن تزيح واحدة الأخرى.

ولا شك أن أفكار مثل الحاكمية وتكفير المجتمع.. إنما تخلق جواً من الارهاب يؤدي كما قال سعدالله ونواس إلى إلغاء الحوار وتخدير الناس بالأوهام وصرف اهتماماتهم عن مشاكلهم الحقيقية إلى مظاهر شكلية كالّلباس واللحية والتحية، الأمر الذي يجذر الاستبداد، لتصبح هذه الجماعات امتداداً إضافياً من امتدادات الاستبداد في المجتمعات الإسلامية.

لذلك لم يكن أمام الكثير من أنصار وأعضاء تلك الجماعات سوى الاستسلام لسحر الأيديولوجيات التي تعطيهم عظمة الوصاية على البشرية، ووهم النقاء، ونعمة الهدى.. وأنهم الكتائب التي ستمتطي عليها الايديولوجيا إلى السلطة، والواقع أن هذه الدعوة ليست سوى أيديولوجيا لإقامة سلطة مستبدة وإرهابية معاً، كونها شمولية وقطعية ولا تاريخية وانتقائية كما وصفها المفكر سعد الدين إبراهيم.وفي رأيي أن النجاح الذي حققته تلك الحركات والتنظيمات والمتمثل في إقناع أعداد من المسلمين بصحة وسلامة دعوتها تلك، وما ترتب ويترتب عليها من أعمال وأنشطة إرهابية وتكفيرية مختلفة، وفي انضمام أعداد منهم لعضويتها وتجنيد البعض منهم لتنفيذ ما يوكل إليهم من مهمات وواجبات، حيث تأتي العمليات الانتحارية في مقدمتها، قد جاء ت لجملة من الأسباب والعوامل، يأتي في مقدمتها وجود آلة إعلامية ضخمة، وظف وجند وسخر لها إمكانيات وطاقات وقدرات بشرية ومادية ومالية كبيرة وهائلة، تم ويتم بواسطتها إيصال ما يدعو إليه ويروج له منظرو ودعاة التطرف والغلو والعنف إلى ملايين الأفراد في العالم، وذلك بالكلمة المطبوعة والصوت والصورة المسجلة والمبثة بأحدث وأرقى وسائل وأدوات الطباعة والنشر والبث وبصورة مجانية.

ناهيك عن تواجد أعداد كبيرة من مناصري ومؤيدي تلك الجماعات في الأجهزة والمؤسسات التربوية والثقافية والتعليمية والإعلامية الرسمية التابعة للدول العربية والإسلامية، وكذا تغاضي السلطات الحاكمة عن الدعوات التي تتضمن التحريض والحث على ممارسة الارهاب والتطرف، بحجة أن ذلك ضمن حرية التعبير وإبداء الرأي، علماً أن هذه الظاهرة توجد حتى في البلدان الغربية، وهو ما دعا بالحكومة البريطانية إلى أن تسعى لإصدار قانون يعاقب بموجبه كل من يدعو ويحث على الإرهاب والعنف، بعد أن قامت الولايات المتحدة بذلك من قبل.

وفي مقابل كل ذلك نجد أن المبدعين العرب والمسلمين في شتى حقول المعرفة الإنسانية وأعمالهم والمؤسسات التي تعنى بشؤونهم، لا تحظى بالدعم والعناية والرعاية والاهتمام المطلوب والمناسب، إذ نجدهم عاجزين عن إنتاج وتقديم وعرض ونشر وتسويق أعمالهم وغيرها من الاعمال الهادفة والجادة، الأمر الذي جعل معظم العرب والمسلمين لا يعرفون شيئاً عن روادهم ومفكريهم من دعاة النهضة والتحديث والديمقراطية، وإن عرف البعض شيئاً عنهم فذلك لا يتجاوز معرفة أسمائهم وفي أحسن الأحوال معرفة عناوين لبعض أعمالهم.

لذلك سيظل خطاب الإسلام السياسي وما يتفرع عنه من أعمال مختلفة هو سيد الساحة الثقافية في العالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص العربي منه، إلى حين يتم تطوير العناصر الإيجابية في الثقافة الوطنية وإغناؤها بالعناصر العلمية وبالطاقات الإبداعية المتنوعة، كي تصبح عملية لها حضور إيجابي قادر على المشاركة المبدعة لخلق عالم جديد ومتجدد خال من العنف والتطرف والإرهاب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى