منظمة العفو الدولية تكشف وقائع تعذيب 3 يمنيين الاعتداء الجنسي وصدمات كهربائية والجلوس على قنينة

> «الأيام» متابعات:

>
معتقلو جونتانامو
معتقلو جونتانامو
كشفت منظمة العفو الدولية في وثيقة أصدرتها أمس الأول الخميس 4/8/2005 تسرد ما رواه مواطنان يمنيان هما: محمد فرج أحمد باشميلة (37 عاماً) وصلاح ناصر سليم علي (27 عاما) صديقان من مدينة عدن، عن تفاصيل القبض عليهما ثم احتجازهما لمدة 4 أيام في الأردن، وبعد ذلك «تعرضا للتعذيب على حد قولهما، وطيلة ما يزيد عن عام ونصف العام احتجز الرجلان بمعزل عن العالم الخارجي وبدون تهمة أو محاكمة في أماكن غير معلومة».

وثيقة منظمة العفو الدولية نقلت عن صلاح ناصر سليم قوله: إنهم كانوا يبصقون عليه ويشتمونه ويهددونه بالإيذاء الجنسي وبالصعق بالصدمات الكهربائية، وحاولوا في إحدى المرات أن يرغموه على الجلوس على قنينة بحيث تخترق فتحة الشرج، ولم يتوقفوا إلا عندما هدد الحراس بضربهم بالقنينة .. أما محمد فرج باشميلة فقد اكتفى بالقول إنه كان يعامل معاملة «غير لائقة».

ويشير الرجلان الى أنه بعد 4 أيام من الحبس الانفرادي في عمان عصبت أعينهما وكبلا بالأغلال، ثم نقلا على متن طائرة عسكرية صغيرة إلى موقع آخر في رحلة استغرقت ما بين 3-4 ساعات، مؤكدين أن الحراس خلال عملية النقل كانوا من أمريكا.. ووصفا المكان الذي نقلا إليه بأنه معتقل من طراز قديم يقع تحت الأرض وله أسوار عالية، ثم نقلا إلى مكان آخر على متن طائرة عسكرية صغيرة في رحلة استغرقت 3 ساعات .. بعدها نقلا على مروحية أقلتهما في رحلة استغرقت ساعتين، حيث استقر بهما المقام في مكان تحت الأرض مكثا فيه حتى 5/5/2005م، حيث سلما إلى اليمن ومازلا في السجن المركزي بعدن.

في 20 يونيو 2005، زار مندوبون من منظمة العفو الدولية معتقلين يمنيين قيل إنهما نُقلا مؤخراً من المعتقل الأمريكي في خليج جوانتانامو بكوبا. إلا إن ما رواه الرجلان كان وصفاً لمعتقل أمريكي آخر لا يقل بشاعةً عن معتقل جوانتانامو، وإن كان يفوقه من حيث السرية والتكتم، مما يعني أن الرجلين كانا على ما يبدو من ضحايا السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية والمتمثلة في احتجاز أشخاص في معتقلات سرية في أماكن شتى من العالم. وهكذا، ظل الرجلان فعلياً في عداد "المختفين" لما يزيد عن عام ونصف العام.

وهذه الوثيقة، التي تسرد ما رواه الرجلان، تدعو الإدارة الأمريكية إلى تنفيذ الإجراءات التالية:

تقديم معلومات وافية عن هذه الحالات
الإفصاح عن أماكن معتقلاتها السرية في مختلف أنحاء العالم وفتحها بحيث تخضع للفحص

الإفصاح عن هويات المعتقلين وجنسياتهم

اتخاذ خطوات على وجه السرعة لإنهاء أسلوب الاعتقال السري بشكل كامل

وكان محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي، وهما صديقان من مدينة عدن اليمنية، قد وصفا لمنظمة العفو الدولية تفاصيل القبض عليهما ثم احتجازهما لمدة أربعة أيام في الأردن، حيث تعرضا للتعذيب على حد قولهما. وطيلة ما يزيد عن عام ونصف العام، احتُجز الرجلان بمعزل عن العالم الخارجي وبدون تهمة أو محاكمة في أماكن غير معلومة، وكان يتولى احتجازهما واستجوابهما حراس أتوا من الولايات المتحدة، على حد قولهما. ولم يُبلغ أي منهما على الإطلاق بسبب الاعتقال. وقال الرجلان إنهما احتُجزا في زنازين انفرادية طوال مدة اعتقالهما، دون أن يُسمح لهما بالاتصال بالأهل أو المحامين أو ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو المعتقلين الآخرين.

وبالرغم من عدم احتجازهما في زنازين انفرادية في الوقت الراهن، فلا يزال محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي معتقلين في اليمن، وإن كانت السلطات اليمنية تعترف بأنه لا توجد أسباب قانونية لاحتجازهما. وقال مسؤولون يمنيون لمندوبي منظمة العفو الدولية إن استمرار حجز الرجلين هو بطلب من السلطات الأمريكية.

وتهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات الأمريكية واليمنية أن يكفلا الإفراج فوراً عن محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي ما لم تُوجه لهما على وجه السرعة تهم جنائية معترف بها. كما ينبغي أن يُوفر للرجلين فوراً العلاج الطبي الملائم فضلاً عن إعادة التأهيل.

وتعرض هذه الوثيقة أيضاً محنة المواطن اليمني وليد محمد شاهر محمد القدسي، الذي أُعيد إلى اليمن من جوانتانامو في مطلع إبريل 2004، ولا يزال هو الآخر معتقلاً في اليمن، بالرغم من اعتراف السلطات اليمنية بأنها لا تملك سبباً قانونياً لاحتجازه.

وفي هذه الوثيقة، تهيب منظمة العفو الدولية بالسلطات الأمريكية واليمنية أن يكفلا الإفراج عنه فوراً ما لم تُوجه إليه على وجه السرعة إحدى التهم الجنائية المعترف بها.

2- محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي
الاعتقال في إندونيسيا واليمن

كان صلاح ناصر سليم علي، البالغ من العمر 27 عاماً، يعيش في العاصمة الإندونيسية جاكرتا مع زوجته الإندونيسية عائشة عندما قُبض عليه في 19 أغسطس 2003. وقد اعتقله أفراد من الشرطة يرتدون ملابس مدنية بينما كان يتسوق في منطقة تانه أبانغ في جاكرتا، واقتادوه إلى مركز الهجرة الرئيسي في منطقة كونينغان في جاكرتا، حيث احتُجز أربعة أيام وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين وبلا طعام، على حد قوله.

وقد رُفضت طلباته من أجل الاتصال بعائلته هاتفياً. وفيما بعد، اكتشف أن زوجته كانت تتصل بالمركز بصفة مستمرة للاستفسار عما حدث له. وفي 22 أغسطس، أُبلغ أن سلطات الهجرة هي التي تحتجزه، وطُلب منه أن يدفع بعض المال مقابل الإفراج عنه. وبعد الأيام الأربعة الأولى من الاعتقال، والتي انقضى فيها جواز سفر صلاح ناصر سليم علي، أُبلغ أنه سيتم ترحيله إلى اليمن مروراً بتايلند والأردن.

وكان محمد فرج أحمد باشميلة، البالغ من العمر 37 عاماً، يعيش في إندونيسيا أيضاً. وفي أكتوبر 2003، سافر إلى الأردن مع زوجته زهرة ليكون بجانب أمه التي كانت على وشك أن تتلقى علاجاً طبياً هناك. ولدى وصوله إلى مطار عمان، أخذت سلطات الهجرة الأردنية جواز سفره وأبلغته أن عليه أن يتسلمه بعد ثلاثة أيام، يوم 19 أكتوبر. ولكن عندما حاول أن يستعيده، اعتقلته دائرة المخابرات العامة وسألته إن كان قد سبق له السفر إلى أفغانستان، فرد بالإيجاب. ومنذ ذلك الحين لم ير أي شخص سوى حراس السجن والمحققين الأردنيين والأمريكيين، إلى أن نُقل إلى الحجز في اليمن بعد أكثر من عام ونصف العام.

وعندما اتصلت والدته بمسؤولين أردنيين للاستفسار عن ابنها، اكتفوا بالقول إن "ابنك إرهابي". وعندما حاولت زيارته أثناء الاعتقال رُفض طلبها في المرة الأولى، ثم قيل لها في المرة الثانية إنه أُبعد من البلاد.

وفي 22 إبريل، بعثت منظمة العفو الدولية برسائل إلى وزير الداخلية الأردنية وإلى رئيس دائرة المخابرات العامة، طلبت فيها معلومات عن محمد فرج أحمد باشميلة، وكذلك تأكيدات بأنه إذا لم يكن محتجزاً لدى السلطات الأردنية فسيتم إجراء تحقيق في ملابسات "اختفائه" على ما يبدو. وحتى الآن، لم تتلق منظمة العفو الدولية أي رد على هذه الرسائل.

التعذيب في الأردن
لم تتم إعادة صلاح ناصر سليم علي إلى الأردن في عام 2003 كما كانت السلطات الإندونيسية قد أبلغته، ولكنه اعتُقل لدى وصوله إلى مطار عمان في الأردن. وقد سُلمت متعلقاته الشخصية إلى قوات الأمن الأردنية وقيل له إنه سيُنقل إلى أحد الفنادق.

إلا أن الفندق لم يكن سوى معتقل المخابرات الأردنية، وهناك تعرض للتعذيب مراراً لمدة أربعة أيام، على حد قوله. ويضيف صلاح إن كان يتعرض للضرب بصفة منظمة على أيدي مسؤولين أردنيين، كما كانوا يبصقون عليه ويشتمونه ويهددونه بالإيذاء الجنسي وبالصعق بالصدمات الكهربائية. ووصف صلاح بالتفصيل أيضاً تعرضه للتعذيب بالأسلوب المعروف باسم "الفلقة" (أي الضرب بالعصي على باطن القدمين)، وقال إن اثنين من الحراس كانا يكبلان يديه وقدميه بحيث يُصبح معلقاً في وضع مقلوب، بينما ينهال الحراس ضرباً على قدميه.

ويقول صلاح إنه حدث في مرات أخرى أثناء مدة الأيام الأربعة أن كان 15 حارساً يحيطونه في دائرة، ويرغمونه على أن يجري وسطها إلى أن يستبد به الإرهاق، وعندئذ يركض الحراس وراءه وهم يضربونه بالعصي. وإذا ما بلغ التعب منه مبلغه ولم يعد قادراً على الجري، يضعه الحراس في وسط الدائرة ثم يتناوبون ضربه.

كما يضيف صلاح إن الحراس حاولوا إيذاءه جنسياً. ففي إحدى المرات حاولوا أن يرغموه على الجلوس على قنينة بحيث تخترق فتحة الشرج، ولم يتوقفوا إلا عندما هدد الحراس بأن يضربهم بالقنينة.

ولم يخضع صلاح ناصر سليم للاستجواب إلا في بداية اعتقاله في الأردن، على حد قوله، حيث لم يُسأل إلا عن وجوده في أفغانستان. ولم يُبلغ في أي وقت بسبب اعتقاله، كما لم يُسمح له بالاتصال بمحامين أو إجراء اتصالات هاتفية.

أما محمد فرج أحمد باشميلة فكان عاجزاً عن الحديث بالتفصيل عن التعذيب الذي قال إنه تعرض له خلال أيام الاعتقال الأربعة في الأردن، وكان يكتفي بالقول إنه كان يُعامل معاملةً "غير لائقة" ثم ينهمر في البكاء. وقد اقترح أن يسأل مندوبو المنظمة صلاح ناصر سليم ليصف صور التعذيب. وقال أحد المسؤولين اليمنيين لمندوبي المنظمة إن صنوف التعذيب التي وصفها محمد فرج أحمد باشميلة في أحاديثه الخاصة أسوأ بكثير من تلك التي ذُكرت آنفاً.

ويحتاج الرجلان إلى علاج طبي وإلى سبل لإعادة التأهيل، ولكنهما بالرغم من ذلك لا يزالان رهن الاعتقال في اليمن بدون تهمة أو محاكمة.

ويُذكر أن منظمة العفو الدولية قد أعربت مراراً عن قلقها بشأن ما يبدو من استمرار "دائرة المخابرات العامة" في الأردن في استخدام الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، حيث من المعروف أن المعتقل يتعرض خلاله للتعذيب ولغيره من صنوف المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المعاملة السيئة). وكان من بين الذين احتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي على مر السنين أشخاص قُبض عليهم للاشتباه في صلاتهم بجماعات إسلامية.

النقل إلى أماكن غير معلومة يديرها مسؤولون أمريكيون
"ليس لديكم أي شيء ضدي. فلماذا تحتجزونني إذا لم يكن لديكم أي شيء ضدي"

صلاح ناصر سليم علي، متحدثاً إلى مسؤولين أمريكيين.

وصف محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي، كل على حدة، لمنظمة العفو الدولية المراحل التالية من احتجازهما. وجاءت أقوالهما متماثلة بشكل ملحوظ، من حيث وصف أماكن الاحتجاز، والجنسية المفترضة للحراس، وتفاصيل معاملتهما والتحقيق.
هما. ولا يعرف الرجلان، كما لا تعرف منظمة العفو الدولية، موقع تلك المعتقلات، وإن كان محمد فرج أحمد باشميلة قد أكد صراحةً أنه لم يكن محتجزاً في خليج جوانتانامو.

وقال الرجلان إنه بعد حوالي أربعة أيام من الحبس الانفرادي في عمان، عُصبت أعينهم وكُبلا بالأغلال ثم نُقلا على متن طائرة عسكرية صغيرة، حسب وصفهما، إلى موقع آخر، في رحلة استغرقت ما بين ثلاث ساعات ونصف الساعة وأربع ساعات ونصف الساعة. وأكد الرجلان أن الحراس خلال عملية النقل كانوا من الولايات المتحدة.

ووُصف المكان الذي احتُجز فيه الرجلان لمدة تتراوح بين ستة وثمانية أشهر بأنه معتقل من طراز قديم يقع تحت الأرض وله أسوار عالية. وكان طول كل زنزانة نحو مترين وعرضها نحو متر ونصف المتر وبها دلو لقضاء الحاجة لتحل محل المراحيض. وكانت موسيقى غربية صاخبة تُبث في الزنازين طيلة 24 ساعة يومياً. وكما كان الحال من قبل، لم يُبلغ الرجلان بأي سبب لاحتجازهما، أو بالحقوق المكفولة لهما. وتحدث الرجلان عن استجوابهما على أيدي مسؤولين أمريكيين عن أشخاص يُحتمل أن يكونا قد تعرفا عليهم، وعما قاما به من أنشطة في أفغانستان وإندونيسيا. وباستثناء الحراس والمحققين والمترجمين، لم يتحدث الرجلان مع أي شخص آخر ولم يشاهدا أي شخص آخر خلال تلك المرحلة من احتجازهما. كما لم يكن أي منهما يعرف أن زميله محتجز، حيث كان كل منهما محتجـزاً فـي زنزانة انفرادية، وكان الاثنان فـي عداد "المختفين" بالنسبة للعالم الخارجي.

وبعد ذلك، وصف الرجلان نقلهما مرة أخرى، حيث اقتيدا مكبلين بالأغلال ومعصوبي الأعين أيضاً على متن طائرة عسكرية صغيرة في رحلة استغرقت حوالي ثلاث ساعات. وبعد ذلك، نُقل الرجلان إلى طائرة، يعتقدان أنها طائرة مروحية، حيث أقلتهما في رحلة استغرقت ساعتين أخريين. وأعرب محمد فرج أحمد باشميلة عن اعتقاده بأنه كان هناك معتقلون آخرون على متن الطائرتين.

ووصف الرجلان مكان الاحتجاز الجديد غير المعروف بأنه معتقل حديث بُني لهذا الغرض ويديره مسؤولون أمريكيون. وذكر صلاح ناصر سليم علي أن مكان هذا المعتقل لم يكن خليج جوانتانامو. وخلصت منظمة العفو الدولية، من الأوصاف التي أدلى بها الرجلان، إلى أن المعتقل كان في مكان آخر.

وعبَّر الرجلان عن اعتقادهما بأن المعتقل كان تحت الأرض، لأنهما نزلا على درج عند دخولهما إليه، كما صعدا على درج عندما غادراه. وكان المعتقل مكيف الهواء بشكل كامل، وبه مراحيض حديثة وآلات تصوير للمراقبة في الزنازين. وذكر الرجلان أنهما تسلما كتباً إسلامية ونسخاً من القرآن الكريم، بالإضافة إلى ساعات وجداول بمواقيت الصلاة. كما أُعطي الرجلان أفلاماً عربية وغربية لمشاهدتها. وقال صلاح ناصر سليم علي أن طبيباً كان يحضر لفحصه مرة كل أسبوعين. وقد احتُجز الرجلان في هذا المعتقل لأكثر من عام ونصف العام، وكان كل منهما في زنزانة انفرادية مكبلاً بالأغلال وأصفاد اليدين معظم الوقت.

ويُذكر أن عدداً من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية قد حاولوا مؤخراً تبرير الإبقاء على من تحتجزهم الولايات المتحدة في خليج جوانتانامو، وذلك بوصف ما يفترضون أنها أوضاع احتجاز طيبة. فعلى سبيل المثال، صرَّح ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، قائلاً "إنهم يقيمون في معتقل من طراز جديد في جوانتانامو. وقد أنفقنا أموالاً باهظة لبنائه. وهم يُعاملون معاملة جيدةً جداً. إنهم يعيشون في المنطقة الاستوائية، وينالون تغذية جيدة. إنهم يحصلون على كل ما قد يرغبون فيه". ديك تشيني، نائب الرئيس، في مقابلة مع قناة CNN الإخبارية، 24 يونيو 2005. أما عضو الكونغرس دونكان هنتر فصرح للصحفيين مؤخراً بأن "أولئك السجناء لم يحصلوا من قبل على طعام أفضل مما يحصلون عليه الآن... ولم يُعاملوا من قبل معاملةً أفضل، ولم يكونوا في أي وقت أكثر راحة في حياتهم مما هم عليه الآن". دونكان هنتر، عضو الكونغرس، في مؤتمر صحفي، 13 يونيو 2005. ولعل هذا المنطق نفسه هو الذي يستخدمه المسؤولون الأمريكيون لتبرير الاحتجاز السري في معتقلات "حديثة".

وبينما يتعين على الولايات المتحدة، طبقاً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، أن تحتجز جميع المعتقلين في ظروف إنسانية، فإن هذه التصريحات وغيرها من جانب المسؤولين الأمريكيين تسعى إلى حرف الأنظار عن بواعث القلق المتمثلة في أن احتجاز المعتقلين في جوانتانامو وفي أماكن أخرى أمر غير قانوني، وأن المعتقلين تعرضوا للتعذيب والمعاملة السيئة، وأن ثمة مخاطر تهدد سلامتهم البدنية والنفسية على المدى الطويل، كما تتجاهل مثل هذه التصريحات معاناة أهالي المعتقلين.

وربما يكون محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي قد حصلا على كتب وأفلام ووُفرت لهما مراحيض حديثة، إلا إنهما ظلا في عداد "المختفين"، واحتُجزا في زنازين انفرادية تحت الأرض لما يزيد عن عام ونصف العام، وبقيا مكبلين بالأغلال وأصفاد اليدين في أحيان كثيرة، ولم يُسمح لهما أن يلمحا أشعة الشمس طوال تلك الفترة. كما مُنع الاثنان من الاتصال بالأهل، وكذلك من سبل الطعن في قانونية احتجازهما أمام المحاكم. وإذا كان الأمر كذلك، فعل يعتبر المسؤولون الأمريكيون أن هذين الشخصين قد حصلا أيضاً على كل ما كانا يرغبان فيه؟

وقد كان محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي، وفقاً لشهادتيهما، محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي على أيدي مسؤولين أمريكيين في مكان غير معلوم، وفي عزلة تامة لما يزيد عن عام ونصف العام، ودون أن تُقدم أية معلومات عن احتجازهما أو عن مكان وجودهما سواء لهما، أو لمحاميهما، أو لأهلهما، أو للجنة الدولية للصليب الأحمر، أو لأية شخصيات أو هيئات أخرى معنية. ومن الواضح أن الأعمال التي وصفها محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي كانت من أعمال "الاختفاء".

التحقيقات والإيذاء النفسي
"لم أعد أتحمل هذا الوضع على الإطلاق... حتى لو كنت حيواناً لما استطعت أن أتحمله"

صلاح ناصر سليم علي متحدثاً عن احتجازه سراً على أيدي مسـؤولين أمريكيين

تشير الأوصاف التي قُدمت للمعاملة في مركز الاحتجاز السري الأمريكي "الحديث" إلى استخدام الضغط النفسي والمعاملة السيئة لانتزاع معلومات. وكما كان الحال في مركز الاحتجاز السابق، كانت موسيقى غربية صاخبة تُبث في الزنازين المعتقل الجديد على مدار 24 ساعة يومياً، مما يجعل من المستحيل على المحتجزين التركيز في القراءة أو أداء الصلاة أو النوم على نحو ملائم.

وقال صلاح ناصر سليم علي إن الحراس كانوا في بعض الأحيان يحضرون له قطعاً من الشيكولاتة والفطائر ولعب الأطفال، وأن أحد الحراس كان "يلعب معه" أحياناً. كما كان كل من المعتقلين يُؤخذ بمفرده بين الفينة والفينة إلى صالة للألعاب تحت الأرض مخصصة للتنس وكرة القدم وغيرهما من الألعاب، ثم يُعطى كرة أو مضرباً ليلعب وحده. ومع ذلك، لم يحدث مطلقاً أن اتصل محمد فرج أحمد باشميلة أو صلاح ناصر سليم علي بالمعتقلين الآخرين. ولم يكن بمقدورهما أن يسمعا أية أصوات من الزنازين الأخرى بسبب الموسيقى الصاخبة، وإن كان محمد فرج أحمد باشميلة يعتقد، استناداً إلى مواعيد الاستحمام، ولم يكن يُسمح لهم بالاستحمام إلا مرة كل أسبوع، أنه كان هناك عدداً يتراوح بين 15 و20 شخصاً آخرين على الأقل محتجزين في نفس المعتقل.

وكان الاثنان يخضعان للتحقيق كل يوم. ولم يُسمح لهما في أي وقت بالاستعانة بمحامين. وقال محمد فرج أحمد باشميلة إن وجوه الحراس والمحققين كانت مغطاةً تماماً "مثل النينجا". وأضاف إنهم كانوا جميعاً يتحدثون الإنجليزية وأنه كانت هناك حارسات إناث. وكانت تُعرض على الاثنين بشكل منتظم صور لأشخاص آخرين، بعضهم ماتوا، ثم يُسألان إن كانت لهما معرفة سابقة بهم. وإذا ما تعرف أحدهما على أي من الأشخاص في الصور كان يُقتاد لمزيد من التحقيقات.

وروى محمد فرج أحمد باشميلة أن القلق استبد به وأعياه النوم لعدة أيام عندما اتهمه المحققون ذات مرة بأنه يعرف شخصاً ما في صورة وأن ذلك الشخص "صيد ثمين". وأضاف إن المحققين اعتذروا له فيما بعد وقالوا إنهم أخطأوا وإن ذلك الشخص ليس "الصيد الثمين" الذي يبحثون عنه.

الاحتجاز في اليمن بأمر من الولايات المتحدة
"كنت أظن أنهم في اليمن سوف يفتحون لي قلوبهم، ولكنهم فتحوا لي السجون. كنت أظن أنهم سيقدرون مدى المعاناة التي كابدتها"

محمد فرج أحمد باشميلة، من سجنه في عدن، 20 يونيو 2005

في يوم 5 مايو 2005 أو نحو ذلك، وبدون أية تفسيرات، أُفرج عن محمد فرج أحمد باشميلة وصلاح ناصر سليم علي من المعتقل السري، وأُعيدا إلى اليمن. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال الرجلان محتجزين في السجن المركزي في عدن. وأكد الاثنان أن معتقلين آخرين نُقلوا من نفس المكان في اليوم نفسه. ولم يُتهم أي منهما بأية تهم، ولم يقدم للمحاكمة، ولا يدري كلاهما السبب في استمرار احتجازهما.

وقد رُزق صلاح ناصر سليم علي بطفلة وُلدت منذ قرابة عامين، بعد اعتقاله، ولم يرها مطلقاً. وقالت زوجته إنها أُصيبت بصدمة مما حدث، وإنها تكافح بمفردها من أجل رعاية ابنتها وتنشئتها. ومنذ زيارة منظمة العفو الدولية، أصبح بمقدورها أن تتصل هاتفياً بزوجها في السجن، كما أنها على اتصال مستمر بعائلته في عدن.

وقال مسؤولون يمنيون لمنظمة العفو الدولية إنه لا توجد أسباب لديهم لاحتجاز الرجلين، باستثناء أن نقلهما من المعتقل الأمريكي كان مشروطاً باحتجازهما في اليمن. واشتكى أحد المسؤولين قائلاً "نحن الآن ندير سجوناً لصالح الأمريكيين".

وقال مسؤول آخر إن السلطات انتهت من التحقيق مع الرجلين وخلصت إلى أنه لا يوجد أي اتهام ضدهما، وأضاف قائلاً: "لم يبق سوى إبلاغ السلطات الأمريكية بأننا سوف نطلق سراحهما".

ويُذكر أن الاعتقال التعسفي بدون تهمة أو محاكمة هو نمط من انتهاكات حقوق الإنسان طال عليه الأمد في اليمن وتفاقم من جراء أحداث 11 سبتمبر 2001. ومن حق المعتقل في اليمن، بموجب المادة 76 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 47 (ج) من الدستور اليمني أن يُعرض على أحد القضاة أو وكلاء النيابة في غضون 24 ساعة من القبض عليه، كما أن من حقه الطعن في الأساس القانوني لاعتقاله.

تنص المادة 76 على أن "كل من يُقبض عليه بصفة مؤقتة للاشتباه في ارتكابه جريمة يجب أن يمثل أمام القضاء في غضون قترة أقصاها 24 ساعة من القبض عليه. وعلى القاضي أو عضو النيابة العامة أن يبلغ المقبوض عليه بأسباب القبض عليه، وأن يستجوبه ويمكنه من تقديم دفاعه أو اعتراضاته، وأن يصدر على وجه السرعة أمراً بأسباب الحبس الاحتياطي أو الإفراج".

وتكفل المادتان 73 و77 من قانون الإجراءات الجزائية حق المعتقل في الحصول على مشورة قانونية على وجه السرعة. كما تقضي المادة 7 بأنه لا يجوز اعتقال أي شخص إلا بسبب أعمال يعاقب عليها القانون.

وبالرغم من ذلك، لم تُتح لأي من المعتقلين الذين عادوا من معتقل جوانتانامو أو غيره فرصة الطعن في قانونية اعتقاله، كما لم تُوجه إلى أي منهم إحدى التهم الجنائية المعترف بها ولم يُقدم إلى المحاكمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى