الشعر والحداثية بين مدرستي الديوان وأبوللو

> «الأيام» علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
ويبدو أن تصنيفاً نقدياً قد استقر، قسم بموجبه فقهاء النقد الأدبي حالة الشعر في خضمِّ عصر النهضة في عالمنا العربي إلى ثلاث جماعات أو تيارات أو حركات، كانت أولها الإحيائية فالديوان ثم أبوللو. إلا أن الإحيائية لم تكن سوى معبر مرت من خلاله حركتا الديوان وأبوللو. لذلك كان عمر المدرسة الكلاسيكية الجديدة قصيراً فعند مطلع القرن العشرين كما جاءت الإشارة إلى ذلك في الجزء الأول من هذا المقال، برزت الحركات الأدبية وخاصة في بلاد النيل مصر، وبعد أن تهيأت لها نهضة علمية، وبما اكتسبته من تنوع في الثقافات التي جلبها معهم من ابتعثوا للدراسة في أوروبا وعادوا وهم مزودون بتعليم راقٍ، ومتذوقون لشتى فنون الأدب والثقافة، ومطّلعون على كل المذاهب الأدبية الغربية، وبعد أن تشبعت أفكارهم برؤى المعارك والمساجلات الأدبية التي خاضها أصحاب تلك المذاهب في فرنسا وبريطانيا وشيء منها في ألمانيا وغيرها من الدول الغربية، فتلقحت أفكارهم وانبعثت فيهم الروح الأدبية بسموها الأصيل، وكذلك الشأن في العراق حيث بدأت حركة أدبية نشأت تحت مسمى حركة شعراء الإحياء الأدبي، وقد اتخذوا من محمود سامي البارودي فارسهم في الشعر الكلاسيكي التجديدي مثلاً ورائداً في نهضة الشعر العربي، ووجدوا في شعره القدرة على استنهاض جمود الأدب، والشعر بخاصة بعد أن أضعفه التقليد الهزيل، رغم المحاولات في إدخال (المحسنات البديعية والمعنوية التي ظن الشعراء من قبل البارودي أنها الفن، فأكثروا منها وسعوا وراءها) أما البارودي فقد أعرض عن هذا كله وعن تراث القرون التي مضت، وإنما وقف عند النمادج الشعرية الشامخة فيها التي أعجب بها، وعاش معها وتشبع بفنها، فكان أن وجد الفرصة سانحة ليحرر الشعر من قيود العصور السابقة، فجعل من حركته التي تزعمها (حركة الإحياء) تياراً شعرياً متصلاً بشعر النابغين في أوج ازدهار الأدب العربي في القصر العباسي.

ومن خلال هذا التيار - تيار الإحياء- قام شعراؤه بمبادرة المعارضة لعمالقة الشعراء في كثير من قصائدهم، ولكنهم لم يتجاوزوا في مبادراتهم تلك الأغراض الشعرية التقليدية المرعية، وفي الوقت ذاته كانوا يلتفتون إلى أنفسهم ليعبروا عن بعض الجوانب التي كانت تمس حياتهم الخاصة (كما كانوا يرتبطون بقضايا مجتمعهم السياسية والوطنية والاجتماعية ويعبرون عن مواقفهم من تلك القضايا بروح الجماعة والصوت الواحد) فاكتسب شعرهم قبولاً كبيراً، كما كان له ثأثيرٌ بالغٌ في نفوس الناس فَوُسِمَت هذه الحركة بالمدرسة الكلاسيكية الجديدة.

وحسب رأي أدونيس في كتابه (الثابت والمتحول) في جزئه الثالث (صدمة الحداثة) يقول بما يفيد أن تلك المدرسة الكلاسيكية الجديدة قد خلقت جواً من ردود الفعل عند أدباء أكثر حماساً ورغبة في التغيير، فظهرت أمامها مُنافِسة قوية هي المدرسة الرومانسية التي أدى إلى ظهورها عوامل كثيرة أهمها الآتي:

1- المناداة بالتحرر أولاً من النمط التقليدي الذي سارت عليه المدرسة الكلاسيكية الجديدة من خلال جماعة الإحياء، وذلك بغرض أن يصبح الشعر أكثر قرباً من نوازع النفس الإنسانية واستجابة للواقع النفسي للشاعر وملاءمة للواقع الاجتماعي - المتغير- وقدرة على التغيير.

2- فضل اتصال الشعراء العرب بالنتاج الشعري لشعراء الرومانسية الأوربيين وخاصة الشعراء الفرنسيين والانجليز، وتأثرهم بأدبهم سعياً لتغيير مفهوم الشعر لديهم بسبب ذلك.

3- تغيّر الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي مرت بها مصر واستجابة لدعوات التحرر الوطني وتحرير وجدان الفرد والجماعة من القيود حتى لا تُعيق انطلاقها. فتبلورت نزعات الرومانسية عند أولئك الأدباء المتحمسين لإرساء شعرٍ عربيٍ حديثٍ في ضوء تلك المتغيرات، فكان أن برزت إلى الساحة مدرستان متعاصرتان مع استباق إحداهما على الأخرى ببعض الوقت، فكانت الديوان ثم أبوللو. حركة الديوان أو مدرسة الديوان اتخذت اسمها من «مؤلَّف الديوان» في نقد الشعر، الذي ألّفه عباس محمود العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازني، وتلخَّصَ في موقفهما الرافض والمواجهة الساخرة لشعراء المدرسة الكلاسيكية المتمثلة بجماعة الإحياء التي كانوا يعتبرونها مدرسة اتّباعية ويصفون شعراءها بالمقلدين، مطالبين بنبذ الطريقة القديمة (البالية) تلك حسب رأيهم، والتخلي عن شعر المناسبات (وتمجيد الشخصيات وعبادة الأفراد) شأنه في ذلك شأن المديح في العصور السابقة. وكان أن شمل نقدهما في المؤلف قصائد كثيرة لأولئك الشعراء وأوسعوها نقداً وتجريحاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى