رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- عقيد عبدالله علي مجور: قدم صدره للثوار فطعنوه من الخلف...الميلاد والنشأة من مواليد 20 يناير 1934م وينتمي إلى آل مجور، إحدى الفخائذ الأساسية من قبيلة آل يسلم بن دحّة العولقية ومن مراجعها الهامة. كانت (الصعيد) حاضرة مشيخة العوالق العليا (سابقاً) هي موئل ولادة العقيد مجور، ونشأ وتلقى تعليمه في تلك المدينة.

التحق عبدالله علي مجور في صدر شبابه بالأمن الريفي أو ما عرف حينئذ بـ «الحرس القبلي TRIBAL GUARDS وهي قوة أمنية شكلت من رجال القبائل المحليين وكانت مهمتهم المحافظة على الأمن في مناطقهم القبلية، وقد قام بإنشائها الضابط السياسي البريطاني هاميلتون وشملت في بداية الأمر الإمارات الرئيسية التي تمر عبرها القوافل كإمارات الحواشب والضالع والفضلي، وأخذ الحرس القبلي في التوسع في محمية عدن الغربية منذ عام 1937م باستثناء سلطنة لحج التي كان لها جيش خاص بها، كما تأسس في العام 1938م «الحرس الحكومي GOVERNMENT GUARDS بناء على اقتراح باسيل سيجر، إلا أن الضابط السياسي هاميلتون كان وراء إخراج الحرس إلى الوجود، وانحصرت مهمة الحرس الحكومي في مرافقة الضباط السياسيين البريطانيين إلى المناطق الريفية، واندمجت القوتان الأمنيتان عام 1959م وعرفت بـ «الحرس الوطني الاتحادي

FEDERAL NATIONAL GUARDS

مجور يرتقي درجات السلّم
أظهر عبدالله علي مجور نفسه في سلك الجندية بالمظهر الذي جعله يستحق الدورات التأهيلية في الداخل والخارج، وجعله يستحق ايضاً الترقيات حتى وصل إلى رتبة «مقدم» وذلك من خلال انضباطه وتقيده بالنظام العسكري الصارم وحرصه على بناء وتطوير ذاته.

تنقل مجور في عدد من السلطنات والمشيخات قبل الاستقلال، حيث شغل هناك منصب قائد الأمن، وآخر موقع له كان قائداً لـ «مدينة الاتحاد» - مدينة الشعب حالياً - عاصمة الحكومة الفيدرالية (الاتحادية) قبل الاستقلال.

لا يختلف اثنان ممن تعاملوا أو عملوا مع عبدالله علي مجور، رؤساء أو مرؤوسين، في المزايا والسجايا التي تحلى بها ومنها بساطته وشجاعته وكرمه، ويذكره شهود العصر من الأحياء بكل خير، ليجسدوا بذلك حبهم ووفاءهم للعقيد مجور.

مجور في ركاب العمل الوطني السري
كان عبدالله علي مجور واحداً من العناصر العسكرية والأمنية القيادية التي التحقت بالعمل الوطني السري، وكان منتمياً للجبهة القومية وربطته وشائج وثيقة بالقائد السياسي والميداني فيصل عبداللطيف الشعبي وأعضاء قياديين آخرين منهم سالم ربيع علي وعبدالله الخامري، واستقطب العقيد مجور العديد من الأفراد والقيادات العسكرية في صفوف الجبهة القومية.

يحسب للعقيد مجور دوره في تأمين تنقلات الفدائيين في عدن وتوفير أماكن آمنة لهم وتزويدهم بالسلاح والذخيرة، ولا سيما في الظروف الحرجة التي واجهتها الجبهة القومية جراء الحصار الذي فرضته القوات المصرية عليها بعد انسلاخها عن الإطار الاندماجي «جبهة التحرير».

مجور ورفاقه يكملون مشوارهم الكفاحي مع الجبهة القومية
ساهم العقيد عبدالله علي مجور وزملاؤه في المؤسسات العسكرية والأمنية في التحضير والإعداد والتنفيذ لإسقاط العديد من السلطنات والمشيخات لتأمين سيطرة الجبهة القومية على المناطق، لأن وجودها على الأرض مكنها من تعزيز موقعها السياسي الذي أدخلها مفاوضات جنيف، التي نتج عنها إعلان الاستقلال وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة قحطان محمد الشعبي في الثلاثين من نوفمبر 1967م، على الرغم من وجود عرض بريطاني بتسليم قيادة الجيش والأمن مقاليد الدولة الجديدة، قوبل بالرفض.

اكتفى العقيد مجور بوضعه العسكري بعد نيل الاستقلال وكان قائداً لأمن مدينة الشعب ولم يتطلع إلى أي منصب سياسي كبير، كما اكتفى بانتمائه التنظيمي في الجبهة القومية الذي تعزز في المؤتمر الرابع للجبهة، الذي عقد في مدينة زنجبار بمحافظة ابين في مارس 1968م الذي انتخب عبدالله علي مجور، من القيادات الأمنية وعلي عبدالله ميسري، من القيادات العسكرية، عضوين في القيادة العامة للجبهة.

العقيد مجور يؤمن هروب قياديين من مكان إقامتهم الجبرية
عصفت الخلافات بقياديي الجبهة القومية بعد عقد مؤتمر زنجبار الذي أسفر عن تمرد مجموعة من العناصر القيادية على القيادة الشرعية للتنظيم والدولة، فأقدم الجيش على اعتقالهم فيما عرفت بحركة 20 مارس، فعالجت القيادة السياسية القضية بحكمة، وأطلق سراح عدد كبير من الموقوفين باستثناء عدد قليل منهم لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهروب آخرين وتجمعهم في أبين وقعطبة وميفع حجر.

اقتحم الجيش منطقة أبين ولم يبد المتمردون مقاومة تذكر فنزحوا إلى الجبال ومنها إلى المناطق الشمالية من الوطن، وسميت تلك الحركة بـ «حركة 14 مايو» وسميت الجماعة بـ «جماعة الجبل».

قام العقيد عبدالله علي مجور مع بعض إخوانه والمقربين منه «بوضع وتنفيذ خطة لتهريب علي سالم البيض وعبدالله صالح البار ومحمد سعيد عبدالله (محسن) وأحمد ثابت من موقع إقامتهم الجبرية في مدينة الشعب، وسخر لتلك الخطة كل إمكاناته».

«تم تهريب (محسن) من مقر إقامته الى كريتر ليبيت فيها ليلة واحدة بناء على رغبته، وفي اليوم التالي تم تهريبه الى الضالع واجتاز الحدود الى قعطبة والتحق هناك بآخرين على رأسهم سالم ربيع علي، أما البيض والبار وثابت فتم تهريبهم الى شقرة ومن هناك استؤجرت لهم سيارة نقلتهم إلى ميفع حجر بناء على طلبهم».

خاب ظن المجور بجماعة الجبل
عملت جهات في الخفاء على إحداث فتنة، أسفر اشتعالها عن تصدع النسيج الاجتماعي في البلاد، حيث دبت الفتنة في كور العوالق، وحتى لا يتسع نطاق الفتنة آثر قائد الأمن العام الشخصية الوطنية والاجتماعية المعروفة العقيد عبدالله صالح سبعة التواري عن الساحة، فغادر عدن مع مجموعة من رجاله تقدر بـ (200) رجل إلى الأراضي الشمالية من الوطن، مستقلين عربات مدرعة في 2 أغسطس 1968، وكان العقيد عبدالله علي مجور من ضمن المرافقين للعقيد سبعة.

عادت جماعة الجبل إلى السلطة في 22 يونيو 1969، وتوسم العقيد مجور خيراً فيهم واعتقد أنه آن الأوان لترد جماعة الجبل المعروف الذي أسداه لهم بالسماح له بالعودة إلى وطنه وقد سئم الإقامة في المنافي.

سنحت الفرصة للعقيد مجور لتحقيق حلم العودة عندما قام وزير خارجية النظام في عدن بزيارة القاهرة في طريق رحلته إلى ليبيا عام 1970م. التقاه العقيد مجور وقدم له طلبه المتواضع ووجد ترحيباً وقبولاً لدى البيض، الذي اشترط عليه العودة بعد عودته من زيارته لليبيا والتزم مجور بذلك الشرط.

عند نزول العقيد مجور من سلم الطائرة احتجزته قوات الأمن وتم التحفظ عليه لبضعة أيام وأودع بعدها في سجن المنصورة المركزي، ووجد هناك والده الشيخ علي بن محمد مجور، الذي أمضى وراء القضبان اكثر من (10) أعوام ظلماً وعدواناً.

وفي العام 1973، جرى نقل العقيد مجور مع زميله في السلاح والكفاح العقيد الصديق قائد الأمن العام السابق وآخرين بحجة توزيعهم على سجون خارج عدن، وفي الطريق وجد الأسرى أنفسهم أمام مئات الطلقات النارية تحاصرهم من كل جانب، وسقطوا شهداء عند ربهم.

أسرة الشهيد العقيد مجور والحصاد المر
خلف الشهيد العقيد عبدالله علي مجور وراءه رصيداً طيباً من الأعمال الوطنية والسيرة الحسنة وأرملة و(6) أولاد نصفهم من الذكور، ولم تحصل أسرته على الرعاية التي تستحقها بعد أن فقدت عائلها، الذي خدم الثورة والوطن، وكل ما حظيت به هو مسكن متواضع تقيم فيه بمدينة المنصورة.

2- الفنان طه فارع: أول من رحب برمضان من إذاعة عدن..الولادة والنشأة من مواليد مدينة الشيخ عثمان، إحدى ضواحي مدينة عدن في 6 أبريل 1941م، وعاش في كنف والده محمد فارع صالح، وكان والده عيناً من أعيان الشيخ عثمان وموظفاً في سلطة ضواحي الشيخ عثمان، وكان عميد منتدى دغبوس في الشيخ عثمان.

عاش طه فارع في جو أسري دافئ، لأن والده محمد فارع صالح فنان في أسلوب حديثه وفنان في علاقاته بالناس وفنان في ملبسه وفي ابتسامته بل وفي أسلوب تحيته، والذي أحبه الله بإنجاب ولدين فقط هما: طه فارع، فنان الغناء وفاروق فارع، فنان التصوير، الذي عرفته الأوساط الرسمية والإعلامية.

تلقى طه فارع دراسته الابتدائية في المدرسة الحكومية للبنين (الشرقية) بالشيخ عثمان، وأكمل دراسته المتوسطة في مدرسة النهضة العربية بالشيخ عثمان، أما تعليمه الثانوي فحصل عليه في المعهد الفني بالمعلا (كلية التكنولوجيا حالياً) وتخصص في قسم الكهرباء.

طه فارع ومشوار الوظيفة المتنوع
عمل طه فارع بعد إكمال دراسته في المعهد الفني بمصافي الزيت البريطانية (B.P) بالبريقة، حيث التحق بقسم الكهرباء، وبعد عام واحد التحق بالخزانة العامة THE TREASURY بوظيفة كاتب وتدرج حتى فوصل إلى رئاسة قسم الأرشيف، وأكمل مشوار عمله في الخزانة قائماً بأعمال الضابط الإداري.

مثل العام 1976م انعطافاً مصيرياً في حياة الفنان طه فارع وذلك عندما انتقل من الخزانة العامة إلى معهد الفنون الجميلة، للعمل هناك فناناً شعبياً في الفرقة الوطنية بناء على طلب قدمته وزارة الثقافة إلى الخزانة العامة. انتقل طه فارع إلى ديوان وزارة الثقافة حيث عمل مشرفاً لقسم الموسيقى، ومن خلال ذلك القسم تمكن من التفرغ لكتابة المقالات الفنية التي بدأ كتابتها منذ 1963م بل والتفرغ لمشاريع أكبر من ذلك منها كتابه التوثيقي القيم (لمحات من تاريخ الأغنية اليمنية الحديثة)، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1985م.

طه فارع وريادة الترحيب
برمضان المبارك

شكل الشيخ عبدالله محمد حاتم ومحمد مرشد ناجي وطه فارع أضلاعاً في عملية إبداعية برزت إلى حيز الوجود عام 1956م ورسخت في وجدان أفراد المجتمع آنذاك، إذ كتب الأول نصاً شعرياً جميلاً رحب فيه بقدوم شهر رمضان المبارك، فيما صاغ الثاني لحن ذلك النص، وكان لحناً رائعاً، أما الثالث- وقد كان في الـ (15) من عمره - فقد قام بعملية الأداء وكان أداء رائعاً بروعة النص واللحن، الذي تغنى به جيلنا وهو يردد: مرحب مرحب يا رمضان .. يا مرحباً بك يا رمضان، كلما سمعناه يشدو عبر الأثير من إذاعة عدن.

طه فارع يغني لآخرين وآخرون يغنون له
غنى طه فارع مجموعة أغان للعديد من الفنانين منهم محمد مرشد ناجي ومحمد سعد عبدالله ومحمد بن محمد باسويد ويوسف أحمد سالم وفيصل عبدالعزيز حمود، نذكر منها:

(نظرة عيونك سهام) يوسف أحمد سالم،(يا ساجي العيون) محمد بن محمد باسويد، (يا غارة الله ، دار الحبيب ، على كيفك ، زمان) فيصل عبدالعزيز حمود.

وفي عام 1964م دخل طه فارع مجال التلحين، حيث غنى لنفسه وغنى له آخرون منهم فؤاد الشريف واسمهان عبدالعزيز ورجاء باسودان ونجيب سعيد ثابت وكفى عراقي، ومن تلك الأغاني التي قدمت: (ماشنفعك إلا أنا ، أنا اتحداك تتكلم صراحة، على النقيل) طه فارع، منولوج (ياويل لا قالت لي) فؤاد الشريف، (زمان كنت احنق وأغير) اسمهان عبدالعزيز. أما رصيد طه فارع من الأغاني التي لم نشر إليها فهو:

1- من نساك انساه، 2- يا أهل الهوى، 3- أنا عايش على الذكرى، 4- يبعدك عني كلام، 5- يخاصمني ويضحك لي، 6- غلطة عمر، 7- ماشي تفيد الآه، 8- في عيونك كلام، 9- فرقة الأحبة صعيبة.

طه فارع وكتاب مرجعي
يعتبر كتاب (لمحات من تاريخ الأغنية اليمنية الحديثة) الذي ألفه طه فارع من الكتب المرجعية في الغناء ولا غنى عنه، لأنه وثق لأعمال الكلمات الغنائية والفنانين والفرق الموسيقية، ويقع في (227) صفحة، والكتاب ينعش الذاكرة كثيراً، حيث قدم طه فارع مجموع أغاني كل فناني الستينات.

طه فارع وصراع مرير مع المرض
قضى طه فارع السنوات العشر الأخيرة في صراع مرير مع المرض، ودارت الحرب سجالاً بينهما وتحمل الآلام بقلب متعب، لكنه صبر على بلاء ربه، حتى فاضت روحه الطاهرة قبل منتصف ظهر الثلاثاء الموافق 30 اغسطس 2005م عن عمر ناهز الـ 64 عاماً.

خلف طه فارع وراءه رصيداً فنياً واجتماعياً طيباً وأرملة و(5) أولاد هم: نزار، ألحان، أنغام، محمد ورياض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى