قراءة على صفحة الواقع..مليشيا..حيث تشرق الشمس قبل العالم

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

>
نائب رئيس الوزراء نجيب تون عبدالرزاق في حي العرب
نائب رئيس الوزراء نجيب تون عبدالرزاق في حي العرب
الوصول إلى ماليزيا أو مليشيا كما يدللها أهلها عبر مطار كوالا لمبور، وهو من المطارات العجيبة والفخمة ولا يشبه مطاراً آخر أبداً، بناؤه وما بداخله يدهش ويثير الاعجاب الحقيقي، حط رجليك فإذا أنت وسط قطار المطار الداخلي وبه تذهب إلى حيث الإجراءات والجوازات والحقائب، وهناك صالات وأسواق وعالم ساحر، وبأول خطوة تلتقي بالعقل والمهارة الماليزية الذكية وعنوان لحضارة جديدة يكتبها هذا الشعب، ومن هذا المقياس تنتاب الزائر الصحفي أو التاجر والمفكر والعالم، اكتشاف العقل والفكر والتخطيط الذي يسيطر على الحياة هنا، وتفهم أن هناك ترابطا ما بين انظمة مختلفة تسخر لرقي وازدهار ونمو ماليزي بارز لا يختفي. لانني ممن استعين بالقراءة عند السفر للتعرف على المقصد، ومن شغفي أفادتني هذه الرحلة في التعرف الى حضارة وثقافة وفنون أخرى غير الحضارة الاوروبية التي عرفتها وقريب منها، وخلال دقائق من مغادرة مطار كوالالمبور أيقنت مبكراً ما نسميه الآن تعدد الحضارات والثقافات وحوار الحضارات، وانقطع الشك لدي في أن أحدا لا يدعى لحضارة واحدة في العالم أن تدعي أنها الحضارة الانسانية الوحيدة .. ودخلنا ماليزيا، نزهة العقل وفردوس الشرق.

فجأة أمام عملاقين هما معجزة
فندق كورس ((CORUSهو مقصدنا في قلب العاصمة، وعلى بعد خطوتين اثنتين تقع أبراج بتروناس أو كما تختصر باللغة المحليةKLCC)) وهما شاهدان على دخول عصر النهضة والسفر إلى التقدم اللامنتهي للفكر التنموي والسياسي الماليزي، وأمام هذا نضع السؤال: ما هي ماليزيا؟ إنها دولة فيدرالية عبارة عن 13 ولاية ومنطقتين فيدراليتين هما العاصمة وجزيرة لايون، وتسع ولايات يحكمها سلاطين بالتوارث، ولأنها مملكة إذ يصعد الملك من كل ماليزيا لمدة خمس سنوات بانتخاب ما بين السلاطين وبالتداول، وقال لي دبلوماسي هناك: الملك رجل بسيط، إذ يقدم لضيفه الأكل بيده، ولا صور له في الشوارع ولا ضجيج سياسي و(محازي)، بل العقل يا أهل العقول. وللعلم الماليزي قصة إذ يرفع وبجانبه علم الولاية، ولكل ولاية رئيس وزراء ومجلس عام وقرارات تلائم الوضع ولا تخرج عن سياسة ماليزيا النهضوية والسياسية، وأبرز ما شاهدته هو ظهور العلم الماليزي في أناقة وفخر ودلع، وهو مكون من 4 خط عرض أحمر وأبيض رمز كل ولاية وركن أيسر للحكومة الفيدرالية واللون الأصفر الملكي التقليدي.

عائلة ماليزية ويظهر الصارون والكلومه والجرم .. التأثير الحضرمي
عائلة ماليزية ويظهر الصارون والكلومه والجرم .. التأثير الحضرمي
صحيفة في كل يد
نهضنا يوم الجمعة مبكرين قبل السادسة للفطور والذهاب إلى المؤتمر الدولي هدفنا، وفتحنا الباب فإذا الصحيفة أمامي (مقرطسة) صحيفة الصباح ومعلقة على الباب، انبهرت وسررت في آن واحد وقلت إنهم يعرفوننا بأنهم يسيرون في الطريق الصحيح، قرعت باب الدكتور الأديب سعيد الجريري وسألته هل شاهدت؟ هز رأسه فقال ماذا تتوقع في بلد ينهض وشعب يتحرك في كل ثانية، أما صديقنا الحبشي فقد قال إنها بلد أخرجوها من قرطاسها للتو، تصفحنا ما تيسر من الصحف وغادرنا برفقة المصور خالد بن عاقلة ونبيل مطبق إلى الجامعة الإسلامية، ولكن ما يجب أن أنقله الى القارئ الكريم وخلال جولات مبكرة في الشوارع المحيطة، حيث يركض الناس الى العمل من الحافلات والانفاق والدراجات الكثيفة، أن كل شخص في الشارع بيده صحيفة إنها صحيفة الشمسThe Sun)) وعليكم أن تحسبوا معي، لقد مر أمامي ذات صباح ما يقرب من خمسة آلاف يد وصحيفة، فكم في كل شارع ومنطقة؟ إنها غابة من الأيادي والصحف! وانتابتني الحسرة .. شعب يقرأ وينهض مبكراً يستحق أن يكون مع الشعوب المتطلعة. وفي العاصمة كوالالمبور تصدر أعداد من الصحف اليومية منها «داميلي ميل»، «باريتاها ريال»، «انديان رنابان»، «تنشاينابرس»، «صن تشو»، «نان يانغ»، «توسان ماليزيا» وهي مشهورة و«ستار» والصحف المسائية اليومية «بيلي ميل»، «منزو»، وصحف الاعمال «استريت تايم»، «نيوز»، وصحف سياحية، ومنذ الثانية صباحا توزع بالملايين وهي على المدرسة الانجليزية معظمها قطع متوسط ورقيقة وعناوين وصور جذابة وألوان لطيفة وتشعر أن كل صحيفة بها جهد وتحرير متكامل. وشعب ماليزيا متعدد الأعراق ولهذا فالقانون سيد الجميع، وتجد الدولة في الشارع .. ولا أبواق سيارات ولا صراخ ولا تجاوز ولا نهب أراض ولا وساطات ولا استبداد هذا على ذاك .. إنهم مشغولون بالمحبة وبناء ماليزيا الحديثة، وهذا ما تراه وتسمعه عند كل ماليزي (الملاوي والصيني والهندي والبنغالي).

وسألنا عن مهاتير محمد رجل الاقتصاد والشخصية المعروفة، قالوا اذهبوا إلى الجامع هو يؤدي صلواته ويذهب لا فخفخة ولا ثراء حوله، ومثله يقابل الماليزيون بالاحترام والصيت الطيب تنكو عبدالرحمن رائد الاستقلال وتون عبدالرزاق باني الدولة ثم ابنه نجيب عبدالرزاق الذي شاركناه حفل حي العرب، وجاء دون جنود وحشم بسيطاً وجلس بقربنا، وهم يعتبرونه من رموزهم الوطنية، وكل مسؤوليهم بسطاء وملتحمون مع الشعب لا أطقم ولا نفيخ النفيخ .. إنه النسق الماليزي ويا قلب لا تتعب!

المسجد القديم بملاقا للحضارم الاوائل والمنارة مثل مساجد عدن
المسجد القديم بملاقا للحضارم الاوائل والمنارة مثل مساجد عدن
ملاقا .. البداية والتاريخ
تقع ملاقا جنوب العاصمة، وبدأ معها تاريخ ماليزيا.. هذه المدينة لها سحر خاص مميز تعبق برائحة التاريخ والماضي بروائعه وقصص الطموح والنصر والهزيمة، وتتكون تركيبة المدينة من التواجد الصيني، عرب، هنود، بنغال، ولها طابع تجارة وبصمة وثقافة، وصلها البرتغاليون 1511 من ثم هولندا 1795م ثم الاستقلال 1975م وملاقا تعايش بها الجميع الملايو تزاوجوا مع الحضارم والصينيين والهنود وأحفاد البرتغاليين، وهي البوابة الأولى لدخول الحضارم الى هناك، وأسسوا مساجد وتجارة ودخلنا المسجد العريق (كمفونج كلينخ) وهو من اشهر المساجد، وجدنا حضارم (أحفاد) وصلينا الظهر والعصر قصراً، وتبادلنا الحديث .. وفي مقبرة المسلمين الأوائل قرأنا الفاتحة ثم زرنا المعبد الصيني البوذي والمعبد الهندي في شارع واحد وتعايش.

قصة الفرسان الخمسة
في عهد السلطان منصور شاه (1455-1477) سلطان عصر ذهبي ماليزي ظهر فرسان خمسة، وهم من العرب الحضارمة قدموا من الهند، وارتبطت بهم قصص يرددها السكان وهي جزء من تراث ملاقا، وفي هذه المدينة تقبع سفن الغزاة البرتغاليين التي تحولت إلى مزار، وأما الشيء الذي أضحكني هو أنهم قالوا لي إن قرية باسم (تانجنح) فازت مرتين كأحسن قرية منظمة ونظيفة، وقلت في سري نحن نبحث عن محافظة تفوز ليس إلا.. ولا تُحدث الماليزي بصوت مرفوع ولا تمد السبابة في وجهة، فهذا وقاحة وهم مؤدبون وفتياتهم رقيقات وأنيقات، والمرأة عضو عامل وفاعل. وخلال حفل الاختتام للوفد الفني أشاد الوسط المـاليزي بـالتراث الحي الحضرمي اليمني.

جاءت فكرة الاستاذ عبدالقادر علي هلال المحافظ بنقل معرض الصور من ديوان المحافظة وعرضه هناك للمصور الصحفي خالد بن عاقلة ناجحة، وأعجب به الضيوف والصحف واحتفظت به السفارة، وبعد هذا كله سيظل ما نشرته -قبل وبعد- ناقصا ما لم أنحنِ أمام كل ما قدمه لي من جميل وخدمات صحفية الشاب المتطوع بالسفارة الطالب وائل الاغبري، وكذا الزهرتان اليمنيتان الفتاتان الطالبتان فردوس ومها اللتين تجشمتا عناء إرسال بعض المواد لـ «الايام» وحضرموت نت وإذاعة المكلا وتذليل بعض المصاعب .. أدعو لهم بالنجاح وحفظهم الله جميعاً وكذا كل من تعاون معي في السفارة .. ويسر صحيفة «الأيام» أن تتقدم أيضاً بالشكر لهذا الاهتمام. وفقنا الله وسدد خطانا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى