في ندوة بمنتدى خورمكسر حول أوضاع الصحافة اليمنية قبل الوحدة وبعدها..هشام باشراحيل: الأمل معقود بقيادتنا السياسية أن تراجع وتصحح حساباتها لتواكب ما هو حاصل في العالم

> «الأيام» محمد فضل مرشد:

> بحث منتدى خورمكسر بمحافظة عدن أمس الأول الخميس أوضاع الصحافة اليمنية عبر مختلف المراحل السابقة والحالية وذلك في ندوة حافلة استضاف فيها الزملاء هشام باشراحيل، رئيس تحرير «الأيام»، نجيب يابلي، د. هشام السقاف، علي هيثم الغريب، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والإعلاميين والشخصيات الاجتماعية.

وافتتحت الندوة بكلمة للأخ علي السيد، رئيس منتدى خورمكسر، أوضح فيها واقعة تاريخية بقوله: «لا أفاخر أن أقول إن الروابط التي ربطتني بأسرة باشراحيل الكريمة تمتد إلى عام 67م وربما البعض قد يفاجأ ببعض هذا الحديث، فالغالبية لا يعرفون الروابط التي ربطتني بهذه الأسرة، وكان ذلك في انتفاضة 20 يوليو 67م عند دخول الإنجليز إلى مدينة كريتر فيومها كنت أنا والفقيد أحمد امعبد - وهو ابن عم محمد علي أحمد وتوفي على إثر مرض قبل سنتين أو ثلاث - هاربين بأسلحتنا باتجاه المحكمة بمدينة كريتر وفوجئنا بالإنجليز قادمين من الاتجاه نفسه بمدخل طريق المحكمة فعدنا أدراجنا ومشينا إلى البجيشة باتجاه الملعب حاليا وأثناء مرورنا بمنزل المرحوم محمد علي باشراحيل لم نكن نعرفه بصفته الشخصية حينها، وبالأمس عندما زرت صحيفة «الأيام» شاهدت صورته، فسألت الأستاذ هشام باشراحيل هل هذا والدك؟ وهل هذا منزلكم القديم؟ فأجابني بنعم، فقلت له إن لي ذكريات تربطني بهذا المنزل، حيث كان والده المرحوم محمد علي باشراحيل قد رآنا ونحن هاربين من الإنجليز بعد أن قطعوا علينا الطريق إلى حقات وقام بإدخالنا إلى منزله وأبقانا فيه يومين حتى هدأ الوضع وغادرنا البيت بسلام وتحمل هو على عاتقه مسؤولية إيصال سلاحنا إلى جهة حددناها، وهذا دليل وشهادة تاريخية على ارتباط هذه الأسرة بالحركة الوطنية والنضال الوطني وتأكيد لدور عميد «الأيام» الفقيد محمد علي باشراحيل وأنه كان مرتبطا بالثورة والثوار حينها والا لما استضافنا وأوصل سلاحنا إلـى قيادة الفدائيين، وهذه صورة تاريخية بسيطة أعتز أنا بها كونها ربطتني بهذه الأسرة».

عقب ذلك ألقيت في الندوة مداخلة عبارة عن قراءة مقارنة لأوضاع الصحافة قبل الوحدة وبعدها معدة من قبل الزميلين هشام باشراحيل ونجيب يابلي.

وجاء في المداخلة التي ألقاها الزميل نجيب يابلي:

قراءة لواقع الصحافة:
1- في النطاق المحدود: خضعت عدن لحكم الإدارة البريطانية خلال الفترة 1839-1967م، وخضعت من جانب آخر لسلطة النظام والقانون ومنها القانون رقم (27) لعام 1939م الذي أصدره حاكم عدن آنذاك السير برنارد رايلي في 3 يوليو 1939م بشأن النشر وتسجيل الكتب.

كانت عدن مدينة ميتروبوليتان، أي متعددة الأعراق وعكس ذلك الواقع التنوع في الأعراق والديانات، والتنوع بدوره يعكس التعايش، الذي بدوره يعكس القبول بالآخر، ومن هنا نجد أنفسنا أمام الظاهرة التي يقال عنها «المجتمع المدني».

إن القيم التي سبق التطرق لها هي المجسدة للديمقراطية، لأن الديمقراطية تعني تنوع الأفكار، والتعايش معناه القبول بالآخر، ووسط ذلك المجتمع تجذرت وتأصلت تلك القيم التي رافقها تطور اقتصادي وثقافي واجتماعي.

من وسط ذلك المجتمع المدني برزت منابر اجتماعية وثقافية ذات وظيفة مزدوجة: تهذيب العقول وإصلاح النفوس، ومن تلك المنابر على سبيل المثال لا الحصر: نادي الإصلاح العربي في كل من كريتر والتواهي والشيخ عثمان، ومخيم أبي الطيب في كريتر، ونادي يعرب بن قحطان.

مارس السكان حقوقهم المدنية والسياسية من خلال إنشاء أحزاب سياسية، فظهرت بادئ ذي بدء الجمعية الإسلامية وتلتها الجمعية العدنية التي أصبحت لاحقا المؤتمر الشعبي، ثم الحزب الوطني الاتحادي وحزب رابطة أبناء الجنوب وحزب الشعب الاشتراكي.

دخل لون آخر على العمل الحزبي وهو التيار القومي والأممي تمثل في حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب والاتحاد الشعبي الديمقراطي وأصبح مزاج العمل الحزبي حادا عندما أعلنت حركة القوميين العرب من خلال الجبهة القومية الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني، مما دفع حزب الشعب الاشتراكي إلى التنسيق مع جماعات أخرى لتاسيس منظمة التحرير، التي اندمجت بعدئذ مع الجبهة القومية في إطار ما عرف بجبهة التحرير.

اتخدت الأحزاب منابر لها من داخل الصحف، حيث اتخدت الجمعية العدنية (المؤتمر الشعبي لاحقاً) صحفا مثل «فتاة الجزيرة» و«القلم العدني» و«الأخبار» وهي صحف محمد علي ابراهيم لقمان المحامي ونجله الأكبر علي محمد لقمان، فيما وظف الحزب الوطني الاتحادي صحفاً منبرية له مثل الكفاح (حسين بيومي) والشعب (حسين اسماعيل خدابخش) والزمان (محمد حسن عوبلي) واليقظة (عبدالرحمن جرجرة).

أما النقابات العمالية فقد كان لها صحفها مثل «العامل» التي صدرت عام 1956م مع إنشاء المؤتمر العمالي أو مؤتمر عدن للنقابات، وكان رئيس تحريرها عبده خليل سليمان وعندما احتجبت عام 1966م حلت محلها «العمال» وكان رئيس تحريرها محمد سعيد باشرين.

كما ساندت صحيفة «البعث» لصاحبها محمد سالم علي عبده الاتجاه النقابي والوطني وسارت في الاتجاه نفسه صحيفة «القات» لصاحبها علي ناجي محسن.

(رابطة أبناء الجنوب) أحاطت بها عدة صحف وفي مقدمتها «النهضة» الأسبوعية ومن بعدها «اليقظة» وكلتاهما رأس تحريرها عبدالرحمن جرجرة، و«الجنوب العربي» ورئيس تحريرها أحمد عمر بافقيه، و «الحق» ورئيس تحريرها عبداللطيف كتبي عمر.

أما حركة القوميين العرب ووريثتهم (الجبهة القومية) فقد ساندتها «المصير» ورئيس تحريرها حسن مسعد الحمزي، و«الأمل» ورئيس تحريرها عبدالله عبدالرزاق باذيب.

وفي الجانب الآخر برزت «الأيام» ورئيس تحريرها محمد علي باشراحيل كساحة ليبرالية احتضنت الأقلام من كل ألوان الطيف ودارت المعارك القلمية سجالا بين رموز العمل الوطني والحركة الأدبية.

هناك مجلات أخذت طابع الترفيه مثل «أنغام» التي عنت بأمور الفن ورئيس تحريرها علي أمان، وطابع السخرية مثل «الصباحش ورئيس تحريرها سعيد الجريك، وقضية المرأة التي عبرت عنها «فتاة شمسان» أول مجلة نسوية في الجزيرة عام 1960م وتولت رئاسة تحريرها ماهية أحمد عمر جرجرة (ماهية نجيب).

2- في النطاق الواسع:المحافظات الجنوبية بعد الاستقلال

لم تتمتع المحافظات الجنوبية أو ما كانت تعرف بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ومن بعدها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بالاستقرار السياسي، البوابة الواسعة إلى عالم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذا
حسنت الرؤيا وصلحت الأدوات، فلا هذا ولا ذاك تحقق.

تعددت الصحافة وتنوعت في المحافظات الجنوبية، إلا أنها لم تؤت أكلها لأنها عملت من تحت مظلة واحدة وبصوت واحد وضخامة من العمالة الممولة من الدولة، ومن تلك الصحف 14 أكتوبر والثوري والشرارة والحارس والراية والشباب وصوت العمال والفلاح ولجان الدفاع الشعبي والجندي والثقافة الجديدة ومجلة التربية ومجلة نداء الوطن وقضايا العصر وغيرها.

لم تبرز الصحافة كسلطة رابعة نظراً لعدم التعامل بمبدأ فصل السلطات وهو المبدأ الحاسم في ظل أي نظام ديمقراطي والدليل على ذلك شعارهم لا صوت يعلو فوق صوت الحزب ، ولم تكن الصحافة في المحافظات الشمالية أسعد حالا من نظيراتها الجنوبية.

3- في النطاق الأوسع: في ظل الوحدة
قامت دولة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م على ركيزتي الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وحملت المادة (6) من الدستور اليمني اعترافا بالمواثيق الدولية، التي تتحدث عن حرية التعبير وأهمها «الميثاق الدولي في الحقوق المدنية والسياسية» وأهمها المادة (19) وتشمل (5) مبادئ، وقد ضمنت المادة (42) من الدستور حرية التعبير عن الرأي وعن الفكر. كما صدر القانون رقم (25) لعام 1990م بشأن الصحافة والمطبوعات وأصبحت الصحافة من الناحية النظرية «سلطة رابعة» لكنها من الناحية العملية تتعرض لخضّات ناتجة عن ليونة عظام المؤسسات الثلاث للدولة، لأن قوة تلك المؤسسات هي بالضرورة قوة للسلطة الرابعة «الصحافة».

تفشت على السطح اختلالات حادة في مسيرة العمل الحزبي وصحفه وتمثلت تلك الاختلالات في التالي:

- تزايد ملاحقات الصحف ورجالها في السنوات الأخيرة.

- تم رصد عدد من حوادث مخلة بالأمن منها اختطاف بعض الصحفيين.

- تم رصد عدم استقرار صحف الحزب والمعارضة، حيث لم تشهد رئاسة تحرير «الميثاق» و«22 مايو» استقراراً وينطبق الحال على «الصحوة» لسان حال الإصلاح، أما «الثوري» لسان حال الاشتراكي فقد أوقفت لمدة أسبوعين لإعادة النظر في توجه الصحيفة.

- بروز دعوات لاستقلال الصحف الحزبية عن أحزابها وهي ظاهرة غير مشجعة لأنها تتناقض مع نفسها، فكيف يمكننا أن نقول إن هذه الصحيفة أو تلك هي لسان حال الحزب وهي في الوقت ذاته معارضة لتوجه الحزب؟ وكيف تكون معارضة لتوجه الحزب وتمويلها منه؟

حتى أختصر مهمتي اسمحوا لي أن أستقطع من حوار أجرته مجلة «نزوى» العمانية مع المفكر العربي السوري ميشيل كيلو في عددها الصادر في شهر أكتوبر 2001 وورد في حواره عن العمل السياسي وفشله، والحديث هنا عن فشل الأحزاب وعقم البرامج التي لا تطال الإنسان :«عن أي إنسان يتكلمون؟ في الوقت الذي لا يرى هذا الإنسان سوى التهميش وإعطائه دروساً في الذل والقمع ويطالبون أنفسهم اللحاق بركاب الثورة المعلوماتية وعولمة الكيانات وآلامها على العالم العربي الذي هو خارجها متباكين لا فاعلين. نحن شعوب تتلقى لا تنتج».

وبدوره أضاف الزميل الأستاذ هشام باشراحيل، رئيس تحرير «الأيام» قائلا: «حرية الصحافة فيما كان يعرف باتحاد الجنوب العربي، بدأت في أول الأربعينيات عندما أصدر آل لقمان صحيفة «فتاة الجزيرة» التي اشتركت فيما بعد مع صحف أخرى مثل «النهضة» و«الأيام» في كثير من القضايا المتعلقة بتوعية المواطنين بحقهم السياسي، كما أسهمت إسهاماً كبيراً في نشر الوعي لدى إخواننا في الشطر الشمالي آنذاك، بل إن قضية الأحرار اليمنيين الفارين من النظام الإمامي إلى عدن كانت محور ومصب اهتمام الصحف في الجنوب آنذاك.. ولولا هذه الصحف ودورها الإيجابي في نصرة قضايا إخواننا في المناطق الشمالية لكانت مهمتهم أصعب مما كانت عليه، وأيضا هذا ليس معناه أن حرية الصحافة شهدت صفحة بيضاء في أيام الإدارة البريطانية، لكن الحكم الوطني وللأسف الشديد في كثير من الدول العربية جاء على أساس قمع هذه الحريات، وما حصل في الجنوب خير مثال، وعلى سبيل المثال في بداية الاستقلال قام وزير الإعلام باستدعاء رؤساء تحرير الصحف التي كانت تزدهر بها عدن أكثر من أي مدينة في الجزيرة العربية وقال لهم: إن تصريحات الصحف التي بحوزتهم هي تصاريح صادرة عن الإدارة البريطانية وهي لاغية وأن هناك قانونا سوف يصدر في خلال أسبوعين وعليهم التقدم بطلبات وأن الوزارة ستمنحهم التراخيص اللازمة، وهذا القانون الذي أشار إليه الأخ الوزير آنذاك لم يظهر إلا بعد موته وبعد 27 عاما من قوله هذا.

النظام الوطني أعطى صورة سيئة في كيفية تكميم الأفواه ومحاربة الأقلام ورفض الكلمة وعدم القبول بالآخر، وجاءت الوحدة والواقع أن قيادة الدولة بعد الوحدة كانت تؤكد أن حرية الصحافة مكفولة والتعددية الحزبية مكفولة ولهذا صدرت الكثير من الصحف بعد قيام الوحدة المباركة، ولكن ما حصل بعد ذلك أن القيادات الدنيا لا سيما ما هي دون فخامة الرئيس علي عبدالله صالح جاءت لتمارس أشياء لا تنسجم مع حرية الصحافة بل محاربة هذه الحرية وفرض أمر واقع للسير في ركاب ما تريده وإلا تعرضت لصنوف من الإيذاء وليس أدل من ذلك أن صحيفة «الأيام» كانت تجابه في يوم من الأيام ثمان قضايا وحكم عليها وعلى الزميل علي هيثم الغريب بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ بإحدى القضايا وألغى فخامة الرئيس بقية القضايا على كل الصحف و«الأيام» إحداهن. هذه دلالة واضحة أن القيادات الدنيا تسير بعكس ما تصرح به وتتمناه القيادات العليا، وحتى اليوم نرى كثيرا من القضايا القضائية مرفوعة ضد عديد من الصحف والصحفيين، وصحيح أن هنالك سوء استعمال من قبل بعض الصحف لحرية الصحافة والخروج على قواعدها باستخدام لغة لا تليق على سبيل المثال برئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء، كما نجد أن هناك صحفا متخصصة في تناول الشخصيات السياسية الجنوبية وهذا يترك انطباعا سيئا لدى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية بأن هؤلاء القادة أو الساسة المتبوئين للمناصب لا قانون ولا دولة تحميهم.. خلاصة القول إن حرية الصحافة للأسف الشديد الآن تتلاشى، وإن الهامش الديمقراطي الذي كان موجودا في أوائل التسعينيات لم يعد موجودا اليوم بل هنالك متغيرات دولية هي التي تضغط على الحاكم العربي للاعتراف بحقوق وحريات يرفض الاعتراف بها. وفيما يتعلق بوضعنا اليمني فإن الأمل معقود بقيادتنا السياسية لمراجعة وتصحيح حساباتها وأن تواكب ما هو حاصل في العالم بأجمعه وإلا يخشى المرء أن يجد اليمن في فوضى عارمة لعدم اعتراف الدولة بحرية الانسان وحقوقه التي كفلتها المواثيق الدولية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى