بعد فراقه لعدن المجذوب وصعوبات الاغتراب

> «الأيام» نعمان الحكيم:

> عاش معنا، علـّمنا، غرس فينا الاحترام وحب الناس، والثقة بالنفس، قوّم ألسنتنا وجعلها تنطق صحيح اللغة ومفرداتها وهو الذي ينطق القاف (غيناً) كمعظم أهل النيل في سوداننا الحبيب.. إنه المربي الفاضل الأستاذ القدير محمد مجذوب علي، الذي عاش في اليمن أكثر من 40 عاماً مدرساً في مدارس عدن ومعاهدها وصحفياً في «الأيام» و«الأخبار» و«فتاة الجزيرة» ثم مؤخراً في «14 أكتوبر» وغيرها من الصحف السيارة .. وكاتباً مرموقاً وشاعراً مقتدراً وأديباً بكل معنى الكلمة.

له ديوان: (قمري والمد والجزر) وهو ديوان بث فيه صبابة الصبا وشوق المحب، ولواعج المفارق وعشق الحياة في عدن وساحل أبين وفي ثانوية الجلاء. كان معظم مستقره في التدريس ومعهد (14 أكتوبر) للأستاذ علي الشيباني حيث كان يتنقل لأداء رسالته النبيلة.

محمد مجذوب، من لم يسمع به وقد تعلم على يديه عشرات، بل مئات اليمانيين فصار يمانياً أكثر منه سودانياً وقد أطلق عليه الشاعر الدكتور نزار غانم السوماني (وهي كلمة مركبة من كلمتي سوداني ويماني) وكان نزار محق في ما ذهب إليه فالرجل لم يترك اليمن إلا للمرض الشديد ولتخلي التربية عنه في أواخر عمره وهو الذي دخل إلى عدن وهو شاب يافع وخرج منها عجوزاً يعاني جلطة في الدماغ قيل أنها قابلة للعلاج، لكنه لم يقو على مواصلة العلاج، باع منزله وسيارته للعلاج ولم يوفق ومن كثر المعاناة انتقل للسكن في جاراج بورشة (مجدلة) بخورمكسر وذهب إلى صنعاء لكي يتم صرف راتبه الشهري فجوبه بظلم كبير وأوقف راتبه كمتعاقد، تصوروا بعد إثنين وأربعين سنة في عدن ولحج اعتبروه متعاقداً، هكذا هي أنظمتنا نحن العرب والمسلمين، وانتكست صحته فغادر إلى السودان وهو الذي كان يقول: لا أتنفس هواءً نقياً إلا في ساحل أبين ولا أقوى على العيش إلا في عدن.

وبلغت المأساة أوجها .. فأصيبت أم العيال بشلل نصفي وهي التي كانت لا تكل ولا تمل، تتابع قضايا زوجها وتـُدرس تلاميذها وتربي أولادها .. واكتمل امتحان الخالق عز وجل لكن البشر لم يتعظوا ولم يعرفوا كيف يساعدون هذا العلم والطود الشامخ.

محمد مجذوب من حبه لليمن سمى أولاده بـ العيدروس والهاشمي والدودحية عدا البنت الكبيرة التي على ما أظن أن اسمها زينب، ألا يدل هذا على يمنية الرجل، وأننا تخلينا عنه .. وما زال هناك بقية من وفاء.

كان للدكتور عبدالعزيز بن حبتور، نائب وزير التربية والتعليم، والدكتور مهدي عبدالسلام مدير مكتب التربية السابق بعدن وآخرين كثيرين، كان لهم اسهامات في إنقاذ حياة المجذوب، لكنه الآن يعاني وأسرته كلها من ضائقة المرض، فمن يمد له يد العون الحقوقي كواجب هام علينا جميعا أن نؤديه على أكمل وجه؟

الأمل في الدكتور بن حبتور لكي يكمل جميله وحنانه وهو الرجل النادر في مثل هذه المواقف، فهل نطلب منه مخاطبة نظيره في السودان ليقدم دعما شهرياً للرجل وأسرته؟أم نقول له بإمكانكم يا أخينا النائب وأنت صاحب الأيادي البيضاء.. بإمكانكم اعتماد مبلغ مائتين أو ثلاثمائة دولار شهرياً كراتب ومكافأة لما قدمه هذا المربي لليمن حتى يبرأ من مرضه وحرمه المصون؟ أو أن يستمر ذلك معاشاً تفاخر به اليمن عن حق وحقيق في موقف قل أن يوجد تجاه علم من أعلام العرب وأفذاذها.

المجذوب في حياة صعبة والأسرة التي كانت أنمودجاً في الرفاه والاستقرار صارت حياتها مرهونة بمتطلبات إنقاذ مربيي الأسرة اللذين يعانيان أزمات المهنة التربوية التي قضياها في اليمن .. ونحن لا نطلب له مساعدة عابرة بل نطلب اتخاذ موقف نابع من حق الخدمة لهذا العربي اليمني الأصيل.

ولا أظن أن كلامنا هذا سيذهب سدى كما يقولون. وللمناسبة الخرطوم عاصمة للثقافة العربية وهي امتداد لصنعاء عاصمة للثقافة العربية العام المنصرم، فإن العاصمتين معنيتان بالسوماني محمد مجذوب وتكريمه كعلم سوداني يمني أصيل .. بدون جدال .

فهل يتحقق ذلك إنصافاً لأحد أعلام الأدب والتربية العربية؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى