رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> السلطان فضل بن علي العبدلي..المولد والنشأة..فضل بن علي بن أحمد بن علي محسن العبدلي، من مواليد الحوطة، حاضرة السلطنة اللحجية العبدلية عام 1326هـ (1908م) والده السلطان علي بن أحمد الذي حكم لحج خلال الحرب العالمية الاولى، حيث تولى السلطنة في مارس 1914م وتوفي في عدن في يوليو 1915م.

تلقى السلطان فضل تعليماً بسيطاً في قصر والده على يد فقهاء وتلقى بعد ذلك تعلميه في المدرسة المحسنية العريقة بالحوطة، وتوسعت مداركه بالتأهيل الذاتي.

عُرف السلطان فضل بأنه كان إدارياً متمرساً، حيث تولى المالية في عهد السلطان فضل عبدالكريم، ثم رئيساً لمجلس المديرين (مجلس الوزراء) في عهد السلطان علي عبدالكريم ونائباً له، وأصبح سلطاناً للحج عام 1958م بعد ما جردت الإدارة البريطانية السلطان علي عبدالكريم من الحكم عام 1958م.

كان السلطان فضل بن علي خبيراً متضلعاً في الشؤون القبلية اللحجية والتاريخ المحلي (شهادة أدلى بها السلطان علي عبدالكريم وردت في كتاب «علاقة سلطنة لحج ببريطانيا - 1918/1959م» لمؤلفته د. دلال بنت مخلد الحربي).

أسس تولي السلطنة
خضعت السلطنة العبدلية لأسس متفق عليها، حيث كان الحكم محصوراً في بيوت خمسة وهي بيوت آل فضل محسن وآل منصر وآل عبدالله محسن وآل علي محسن وآل عبدالكريم محسن، ويصوت على عملية انتخاب السلطان ضمن الهيئة الانتخابية: منصب الوهط وشيوخ العزيبة وشيوخ آل سلام. كما خضعت السلطنة لقانون أساسي (دستور) تمت صياغته وإقراره عام 1954م في عهد السلطان فضل عبدالكريم، وشهدت السلطنة حراكاً في مجالات الزراعة والثقافة والفن والعمل البرلماني من خلال مجلس تشريعي معين.

السلطان فضل من رموز النظام الفيدرالي
رسا حكام السلطنات والمشيخات والإمارات فيما كانت تعرف بمحمية عدن الغربية (باستثناء سلطنة الواحدي من محمية عدن الشرقية) على الأخذ بخيار النظام الفيدرالي في 11 فبراير 1959م، وكانت الولايات المؤسسة للدولة الاتحادية (اتحاد الجنوب العربي FEDERATION OF SOUTH ARABIA)

هي : 1)إمارة بيحان، 2) إمارة الضالع، 3) السلطنة العوذلية، 4) السلطنة الفضلية، 5) مشيخة العوالق العليا، 6) سلطنة يافع بني قاصد.

ثم انضمت السلطنة اللحجية العبدلية في 8 ديسمبر 1959م وانضمت بعدها: سلطنة العوالق السفلى وولاية دثينة ومشيخة العقارب وسلطنة الواحدي وولاية عدن وسلطنة الحواشب ومشيخة الشعيب وسلطنة العوالق العليا ومشيخة المفلحي ومشيخة العلوي.

سارت الهوية المحلية جنباً إلى جنب مع هوية الدولة الاتحادية وعاصمتها «مدينة الاتحاد» التي أصبحت لاحقاً تعرف بـ «مدينة الشعب».

وقع السلطان فضل بن علي قرار الانضمام عن السلطنة اللحجية التي ضمت 5 مناطق وهي :

1) منطقة الحوطة، 2) منطقة طورالباحة، 3) منطقة الشط، 4) منطقة العارة، 5) منطقة كرش.

السلطان فضل في إحدى تجليات الاستثمار
أصدر السلطان فضل بن علي القانون رقم 2 لعام1385هـ ، الموافق 1966 بشأن تأجير الأراضي البور هذا نصه:

«نحن فضل بن علي سلطان لحج.. برعاية الله: وافق المجلس التشريعي في جلسته المنعقدة بتاريخ 20 ذي الحجة 1384هـ، الموافق 22 أبريل 1965 على القانون التالي، لذلك وافقنا عليه وأصدرناه:

المادة (1): يخصص قسم من الأراضي البور لتؤجر على من يرغب في استئجارها من أبناء السلطنة والاتحاد على أن يكونوا عرباً.

المادة (2): تحديد الحد الأقصى للشخص الواحد (50) ضمداً.

المادة (3): تحديد الحد الأقصى لفترة التأجير (30) سنة قابلة للتجديد.

يعفى المستأجر من السنوات الثلاث الأولى ويدفع إيجار السنة الرابعة في أول السنة.

المادة (4): عدم جواز تحويل الإيجار إلى شخص آخر إلا بموافقة الحكومة.

المادة (5): عند عدم رغبة المستأجر بالتجديد تؤول الأرض بما عليها من شجر وثمار وعمارات وخلافه إلى الحكومة.

المادة (6): يجدد إيجار الأرض لثلاث دفعات فقط.

المادة (7): يجوز للحكومة استرداد الأرض بتعويض تحدده لجنة من الخبراء الزراعيين عند اقتضاء المصلحة بذلك.

الآنسة هالة عبدالهادي في ذاكرة عدن
عائلة عبدالهادي من العائلات الفلسطينية العريقة في نابلس وكان منير عبدالهادي، قائداً للجيش العربي العامل تحت إمرة الملك عبدالله بن الحسين في الطائف، وبعد سقوط الحجاز اعتزل منير عبدالهادي الحياة العسكرية وسافر إلى تركيا لدراسة المحاماة وأصبح واحداً من أبرز المحامين في الأردن، وكان محامي البنك العربي عندما أسسه الحاج عبدالحميد شومان.

استناداً لوثائق عدن الإدارية التحقت الآنسة هالة منير عبدالهادي بسلك التعليم في عدن (مع مجموعة مدرسات وافدات) في 1 أكتوبر 1960م، حيث عملت معلمة في المدرسة المتوسطة الحكومية للبنات في كريتر، وبرزت إبداعاتها في سلك التدريس والنشاط النسوي الاجتماعي من خلال برنامج «ركن المرأة» من إذاعة عدن.

مع اقتراب منتصف الستينات اقترنت الآنسة هالة عبدالهادي بالسلطان فضل بن علي، سلطان لحج وأثمرت تلك الزيجة عن ولد واحد فقط وهو محسن بن فضل. تواصل اهتمام السيدة هالة عبدالهادي أثناء فترة زواجها من السلطان فضل ومن ثمرات اهتمامها إنشاء مستشفى للولادة في لحج.

مخاطر الكفاح المسلح على السيدة هالة ووليدها محسن
شهدت ولاية عدن والولايات الأخرى المتاخمة لها أحداث عنف في سياق الكفاح المسلح، حيث شهدت خلال الشهرين الأخيرين من عام 1964م وحتى الأسبوع الأول من نوفمبر 1967م واستنادا لجوليان باجيت في الكتاب المشهور : 67 -1964 LAST POST: ADEN

حيث ورد أن عام 1964م شهد (36) حادثة وإصاباتها (36) وشهد العام 1965م (236) حادثة وإصاباتها (239) وشهد العام 1966م (510) حوادث وإصاباتها (573) وشهد العام 1967م حوالي (2900) حادثة إصاباتها (1248) بإجمالي (3682) حادثة وإجمالي إصابات (2096) إصابات.

بالعودة إلى أرشيف صحافة عدن سيتمكن الراصد من حصر أحداث العنف كماً ونوعاً، وسيخلص أيضاً الى أن أحداث العنف لم تمس الوجود البريطاني والقوى المرتبطة به، وإنما أيضاً حصدت أرواحاً أخرى، في سياق تصفية الخصومات السياسية وإزهاق أرواح بريئة لا علاقة لها بالشأن السياسي، ناهيكم عن حربين أهليتين حصدتا مئات القتلى والجرحى من المقاتلين والأبرياء.

كان السلطان فضل بن علي واحداً ممن طالتهم أعمال العنف، فقد نجا بأعجوبة من تفجير لغم تحت سيارته وكان في طريق عودته من مكتبه إلى مسكنه على الطريق من مكتب البريد حتى بستان الكمسري في الشيخ عثمان.

قال لي الشيخ محسن فضل، نجل السلطان الراحل فضل بن علي: إن الثوار استهدفوا حياته ثلاث مرات. فأبديت دهشتي لأنه من مواليد 4 مارس 1966م فقال لي : أثناء فترة حمل الوالدة اعتادت الخروج في كل عصرية لتمشي برفقة الحراسة لمسافة معينة وتعود بعد ذلك إلى البيت، وفي إحدى العصريات ألهمها الله بعدم الخروج وجعل لذلك سبباً وهو عدم الرغبة بالخروج، فانفجر لغم في نفس المساحة التي اعتادت أن تمشي فيها.

أما المحاولة الثانية التي استهدفته عندما كانت والدته برفقة والده في حفل دعيا إليه في أحد المساكن بمدينة كريتر. أحست والدته بالإرهاق من الحمل فطلبت من والده أن يستأذن لهما بالإنصراف وبعد مغادرتهما بدقائق ألقيت قنبلة على صالة الحفل وألحقت شظاياها أضراراً بعدد من الضيوف.

المحاولة الثالثة استهدفت حياة الطفل الرضيع محسن وكان في شهره السابع من العمر عندما ألقيت قذيفة هاون من داخل بستان الكمسري بالشيخ عثمان على دار السلطان فضل المجاور للبستان. ارتطمت القذيفة ببلكونة الغرفة التي احتضنت الطفل محسن. أيقنت والدته أنه- أي محسن - ميت، تقدمت بخطى متثاقلة نحو الغرفة وتنفست الصعداء عندما وجدت وليدها سليماً بحمد ربّها لأن إرادته سبحانه وتعالى كانت فوق إرادة الثوار.

السيدة هالة ترحل مع وليدها إلى بيروت
انتقل السلطان فضل إثر حادثة الهاون مع زوجته ووليده إلى مدينة الشعب عساه يجد الأمن والأمان، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقرر ترحيلها إلى بيروت للعيش بسلام هناك.

السلطان فضل يكمل مشوار عمره في السعودية
قبل أن تنال المحافظات الجنوبية استقلالها في 30 نوفمبر 1967م، كان السلاطين قد حزموا أمتعتهم وغادروا مع أفراد أسرهم إلى المملكة العربية السعودية وكان السلطان فضل بن علي من ضمن النازحين إلى مقر إقامتهم الجديد.

قال لي الشيخ محسن فضل العبدلي نجل السلطان فضل، كان والدي، رحمه الله، يصرف ثلثي وقته في استقبال النازحين أو المقيمين من الجنوبيين عامة أو منطقته لحج خاصة، وينظر في قضاياهم الخاصة وتقديم المساعدة، أما الثلث الباقي من وقته فقد كان يقضيه في الوقوف مع الوالدة التي اشتغلت بالعمل التجاري واقتضت الضرورة وقوفه إلى جانبها باعتبارها أول سيدة أعمال في المملكة العربية السعودية، كما كانت أول امرأة تنزل إلى ميدان سياقة السيارات في وطنها الأول المملكة الأردنية الهاشمية.

بعد إقامة في ربوع ورعاية المملكة العربية السعودية والتي ناهزت الـ 18 عاماً، انتقل السلطان فضل بن علي العبدلي إلى جوار ربه في 12 فبراير 1985م عن عمر ناهز 77 عاماً، وخلف وراءه صفحات من التاريخ لم يبت فيها المؤرخون، كما خلف أرملة أصبحت متفرغة لحالتها الصحية التي تعثرت مؤخراً، وخلف نجلاً وحيداً هو الشيخ محسن فضل العبدلي.

الشيخ محسن فضل وآلام المعاناة
عاد الشيخ محسن فضل إلى أرض الوطن وعزم على إنهاء مسلسل المنافي والاستقرار في وطنه، وأبرز وثائق ملكية والده الراحل والتي تقدر بـ 30 ألف فدان وسلمت السلطات المختصة بصحة وثائقه وعلى أساسها صدرت وثائق إعادة الملكية بالأراضي الزراعية والعقارات.

إن ما يبعث الإحباط في النفوس أن يصبح الواقع واقعين، واقع على الورق (دستور وقانون ووثائق رسمية ومذكرات وغيرها) وواقع على الأرض مناف تماماً لما هو موجود على الورق ويتجسد في قضية الشيخ محسن وآلاف غيره.

تمكن الشيخ محسن حتى الآن من استعادة 250 فدانا من جملة 30 ألف فدان موثقة ومقرة، في الوثائق والمذكرات والتوجيهات، أي أنه تمكن من استعادة نسبة قدرها 0.8% أي أقل من واحد بالمائة، ناهيكم عن عقاراته التي لم يتمكن من استعادتها، منها مبنى تشغله جهة تتبع وزارة الدفاع ورفضت إخلاءه.

الشيخ محسن فضل العبدلي، من مواليد عدن- المستشفى العسكري- في 4 مارس 1966م وتلقى دراسته الجامعية بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية ودراسته العسكرية بأكاديمية ساندهرست في بريطانيا. متزوج ولديه 3 أولاد: 1- فضل بن محسن العبدلي، 2- وهبي بن محسن العبدلي، 3- تان بنت محسن العبدلي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى