ر أس الرجاء الصالح تسمية أطلقها الأهالي على الطريق الطويل المؤدي إليها «الحشأ.. 1 عزلة يقطنها 60 ألف نسمة دون طريق أو ماء أو كهرباء»

> «الأيام» محمد علي محسن:

>
مديرية الحشأ
مديرية الحشأ
من حسن الحظ أننا زرنا مديرية الحشأ في فصل الخريف وكنا محظوظين باستنشاق نسمات ذلك الصباح الجميل في مجرى وادي تبن وبرؤية تلك المناظر البديعة والخلابة طوال ساعات رحلتنا أو المياه الفضية التي بدأت تدب في عروق أصابها الجفاف والنضوب مذ سنوات خلت، وها هي منابعها تنبس على خجل واستحياء، هنا في بلاد الحيقي حيث عادت الحياة لها من جديد أو هناك في عزلة عمارة، الشريان الآخر الرافد لتبن، ومع كل ازهار الياسمين وخرير المياه ورونق الثوب الأخضر الذي يضفي على الطبيعة ألقاً وسحراً أخاذاً يصعب على بؤبو البصر مبارحته.. لا شك أن في أعماق الانسان في الحشأ معاناة وألماً وآمالاً وتحدياً لقهر المستحيل.. وحظنا تسطير جملة من هموم ومشكلات السكان في هذا الوقت بالتحديد.

رغم أن المهمة الصحفية أخذت منا كل الوقت في الطريق الطويل لبلوغ المنطقة المقصودة والواقعة أسفل عزلة عمارة السفلى من مديرية الحشأ وعلى تخوم آخر منطقة من مديرية الازارق، الا أن هذا الالتفاف الطويل حول جبل الحشأ الشبيه برأس الرجاء الصالح كما يحلو للسكان وصفه عند قصدهم عاصمة المحافظة لم يأخذ منا حماسة الكتابة أو التقاط الصور البديعة الجمال والقبيحة الحال على حد سواء، الزاخرة بها مديرية الحشأ أينما يممت وجهك طوال الزمن المقطوع من الضالع إلى عاصمة المديرية (ضوران) والواقعة في خاصرة جبل الحشأ الشاهق الارتفاع، من الجهة الشمالية الشرقية للجبل تطل عزلة المديرية على قاع الاحذوف وبلاد الحيقي شرقاً وعزلة عمارة غرباً، فيما خلفك وأنت واصل لعاصمة المديرية تبرز قلعة يراخ التاريخية بطولها وشموخها وارتفاعها البالغ 1840 متراً عن سطح البحر وأمامك في الناحية الغربية جبال سورق المتاخمة لمديرية ماوية بمحافظة تعز، أما إذا قدر لك النظر لناحية الجنوب والشرق من مبنى السلطة المحلية في الحشأ فحتماً ستجد عاصمة المديرية (ضوران) ببيوتها القديمة المترادفة جنب بعضها، وهي مسالمة مستظلة بحضن جبل عصيّ تطويعه حتى لنفاذ أشعة شمس الصباح لهذه القرية المحروسة ولو من لفحة شمس مشرقة تغازل بخيوطها المكان في كل صباح جديد دونما فائدة ترجى، فجميع المحاولات تتكسر وتخيب عند إصرار وعناد كتلة الصخر غير المبالية أو المستشعرة بمقدار فعلها المقترف بحق المكان وأهله، مثلما يحلو لجبل الحشأ حجب عين الشمس عنه كل صباح وبدواع شتى من الحب والغيرة والعشق .. أليس في المقولة الشهيرة القائلة (من الحب ما قتل) ما يتطابق مع الجبل المنيف والباسق وضوران الرابضة في خاصرته كحمل وديع شارد من نوائب الدهر، وجد في الجبل الحصن الحصين.. هكذا هي ضوران وهكذا هو الجبل لا أحد قادر على مفارقة الاعزاء والانسلاخ عنهم، وبعكس بقية العزل الـ 12 المحفوف بها دوماً من جانبيه أو أمامه أو خلفه أو فوق رأسه، والأخيرة تتراءى قراها المتناثرة فوق قمة الجبل أشبه بتاج اغريقي على رأس ملك لا يأبه بشي لموضع قدميه مثلما يهمه مطاولة ومعانقة السماء، كذلك جبل وعالي وجبل المكراب أعلى قمة في المديرية وهي تنتصب في كبرياء وشموخ بوجه جبل جحاف الشقيق التوأم والجار المستفز والمتغطرس بعلو كعبه ومقامه. الطريق إلى الحشأ تبدأ بمنعطف سوق سناح القريب من مبنى المحافظة الجديد، ومن هناك تجاه مغرب الشمس انطلقت بنا السيارة صوب منطقة حجر في مديرية الضالع مروراً بقرب حبيل السوق ولكمة الدوكي الواقعتين في الطريق الرئيسي الجاري تنفيده من سناح إلى الحشأ مأوية وبطول 76 كيلومترا وكلفة مليار و 200 مليون، ومع أهمية الطريق الاستراتيجي للضالع وتعز مضت سنوات خمس على تدشينه وسفلتة 6 كيلو لم تتجاوز جبل لكمة الدوكي الواقف بعناد وسط الخط دونما قدرة على اجتيازه، فيما الشق للمشروع وصل إلى مسافة قدرها 25 كيلومترا وتحديداً في عزلة المشارقة من مديرية الحشأ، وأثناء اجتيازنا للمنطقة الحدودية الشطرية(سابقا) الواقعة ما بين مناطق التخوم السابقة أشار لنا مرشدنا في الطريق إلى بقعة عبارة عن تلة صغيرة لا شيء يميزها عن الوادي سوى كونها حداً فاصلا بين دولتين، وفي الناحية الأخرى حبيل الجب المعروف لمدة طويلة بمقبرة البشر بفعل الألغام الكثيفة المدفونة في بطنه، والتي تسببت بقتل أو إعاقة الكثير حتى تم مؤخراً إزالة ألغام الرعب .. وبينما نحن ماضون في الطريق المؤدي للمديرية قدر لنا مشاهددة أعمدة الكهرباء وهي منتصبة بجانب الطريق كما تركناها بوقت سابق دون ربط الشبكة، وقد قيل لنا إن هذه الأعمدة وضعت إبان حملة الدعاية الانتخابية، ومنذ ذلك الحين وهي (محلك سر) تنتظر حظها العاثر.. أما أغرب الغرائب فكانت عبارة عن مدرسة تم تشييدها أيضاً في مناسبة انتخابية سابقة للأخيرة، وبدلاً من خدمة المدرسة كثافة طلابية أُنشئت في حبيل قفر كحل توفيقي لكسب الأصوات، فضاعت المدرسة جراء ذلك وتكسر زجاجها وأبوابها، أما منظر المدرسة وعلى كبرها وشكلها فيثير الشفقة والحزن إزاء حالها وحال المال العام السائب، علماً أن إجمالي عدد الطلاب في المديرية خلال العام الدراسي الماضي من واقع الاحصاء بمكتب التربية بلغ 13956 طالباً وطالبة، منهم 8436 من الذكور و 5520 من الإناث وعدد المدارس 43 مدرسة بعدد فصول 486 فصلاً وهذه المدارس موزعة ما بين 35 مدرسة أساسية و 63 فصلا ثانويا و 8 مدارس مشتركة أساسية وثانوية، ولكم أن تتصوروا حجم الحاجة لمثل هكذا مدرسة في مديرية مازالت بحاجة للمدرسة والمعلم والكتاب...إلخ فكل ما هو لدى المديرية من الكادر التعليمي لا يزيد عن 263 موزعين ما بين 258 معلماً و 5 معلمات فقط، فيما إجمالي الاحتياج للمرحلتين الأساسية والثانوية 85 معلماً من العدد 72 معلماً و 8 معلمات.

والعجب العجاب وأنت في طريقك للحشأ هو رؤية الكيلومترات القليلة التي تمت سفلتتها من قبل المقاول المنفذ وبظرف سنوات خمس، حيث التكسرات والحفر بادية للعيان، كما أن نوعية السفلتة يعتورها الكثير من العيوب الفنية والتي يمكن لسالك الطريق مشاهدتها بكل يسر دونما حاجة لمهندس جيد في الطريق، ويكفي النظر في الإسفلت الاغبر الذي لا يوحي بأن المشروع ما زال قيد مرحلة الإنشاء بل ربما تم تنفيذه قبل ذلك بعقود. أما أعمال الشق فطوال العشرين كيلو التي مررنا بها إلى عزلة المشرقي فجلها ارض ترابية وأكثر ما تتطلب لا يزيد عن آلية شق (حرارة) إذ أن الصخور معدومة تماماً منذ نقطة البدء وحتى أسفل هضبة ضوران ببضعة كيلومترات، ومع هذه المزية التي يتمتع بها مشروع الطريق في الـ 40 كيلومترا الواصلة ما بين المحافظة وعاصمة المديرية باتت سمة التعثر مقرونة به لسنوات مضت وحتى اللحظة التي تجرى فيها إجراءات التسليم والاستلام ما بين المقاول ومؤسسة الطرق والمحضر الموقع بين السلطة المحلية ووزارة الاشغال العامة يوم 6/9/2005م والتزمت المؤسسة بموجبه بتنفيذ المشروع الذي طال تعثره بعد سحبه من المقاول خلال أسبوعين والشروع في تنفيذه بعد شهر رمضان،

وهذا الاجراء باعتقادي تأخر كثيراً عن موعده وسبق للمحافظ السابق متابعة أمره دون تمكنه من استبدال المقاول، الذي أُعطي له أكبر وأطول مشروعين في المحافظة: طريق الحشأ ومشروع الضالع الأزارق المسيمير بطول 69 كيلو وكلفة مليار ومئة مليون والمرحلة الأولى منه بطول 15 كيلو وكلفة 300 مليون، والذي سحب منه مؤخراً لمشاريع الطرق الريفية بعد سنوات من التوقف والتعثر.

أما ما هو أعجب فيتمثل بالشق الآخر من مشروع الطريق والذي أعترف لكم أنني فوجئت بمساره الآتي من ماوية إلى عاصمة المديرية وبطول أكثر من 30 كيلو وكلفة 700 مليون، فلأول مرة أعرف أن مشروع الضالع الحشأ ماوية المتعثر في مساحته السهلة والبسيطة أجده مقسماً بين مقاولين اثنين الأول من عاصمة المديرية المحافظة والآخر من الاتجاه الآتي من تعز.

وبقدر ما سررت بإجابة الشيخ عبدالله المشرقي، حول حقيقة ماثلة لمسار الطريق الجاري إنجازه من قبل مقاول ينتمي لنفسي المديرية بذات القدر شعرت بالحزن والضيق إزاء مقارنة عرجاء لا يستقيم لها عود وذلك أمام وتيرة الشق لصخور عاتية وصعبة حتمت علينا التقاط صور في عزلة السفلى، فالأعمال الإنسانية الجارية هناك ربما ليست بالسرعة المأمولة لسكان هذه العزلة أو غيرها الذين طالما طرحوا في مناسبات عدة معاناتهم المستمرة مع طريق الرجاء الصالح البالغ طوله 235 كيلو بينما في حال إنجاز المشروع لا تتجاوز 70 كيلو إلا أن إنجاز المقاول لـ 26 كيلو شق و7 كيلو سفلتة فيما المتبقي 4 كيلو من إجمالي الشق .. وتلك الصخور والطبيعة القاسية قد تشفع له القصور والتأخير.

بلغ عدد سكان مديرية الحشأ بحسب التعداد السكاني العام الماضي 2004م (60.145) نسمة (29.951) أنثى و (30.194) ذكرا وهذه الكثافة السكانية موزعة بين 13 عزلة أو مركز هي: ضوران، عمارة السفلى، عمارة العليا، الحيقي الأسفل، الحيقي الأعلى، الاحذوف، عتابة، زربة، بني عبدالله، البيت، بني مالك، بني صبح، المشرقي، فيما عدد القرى 124 قرية ومساحة المديرية 432 كيلومترا مربعا، ومع هذه الكثافة في السكان والمراكز يشعر أبناء الحشا بضيم وحرمان يحاصران مديريتهم من كل النواحي، وأبلغ وأدل على هذا الشعور ما قاله لنا أحد المواطنين البسطاء عندما وصف المديرية بجزيرة أو محمية طبيعية يراد لها الحفاظ على خصائصها البيئية النادرة، فهي جزيرة في عزلتها وبعدها عن نطاقها الجغرافي الذي تحسب نفسها عليه وإذا هي مختلفة تماما نتيجة افتقارها لكافة الخدمات الحديثة من طرق وكهرباء وماء واتصالات والتي جميعها وصلت للمناطق المجاورة للحشا من اتجاه تعز وإب والضالع بينما عاصمة المديرية تعيش في ظلمة حالكة وكل ما يمكن مشاهدته من إنارة في بعض القرى لا يعدو عن كونه من مولدات صغيرة خاصة، أما مشروع المياه فحدث ولا حرج فمركز المديرية تصل إليه مياه الشرب على ظهور الحمير من مسافات بعيدة، ولعل هذا النبع المتدفق من وسط الجبل خلال فصل الخريف خير شاهد.

أما مشروع المياه فمنذ ثمانينات القرن المنصرم والأهالي ينامون ويصحون على أضغاث أحلام المشروع الذي طال انتظار ربط أنابيبه، وفي جانب الخدمات الصحية ففي المديرية مركزان صحيان واحد منهما بعشرين سريرا والآخر بدون، وعدد الوحدات الصحية 11 وحدة ومركز للأمومة، وإجمالي الكادر الطبي 45 موزعين: 4 مساعدي أطباء و2 أشعة و 23 ممرضاً و16 قابلة .

ورغم وجود هذه المنشآت المتواضعة والكوادر تنعدم الأدوية الأساسية والمعدات والأجهزة مما يحتم نقل المرضى للضالع أو تعز أو غيرها لأبـسط الأمـراض.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى