رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- د. محمد عبدالقادر بافقيه: مشوار كفاحي طويل متنوع ومثمر..الميلاد والنشأة..من مواليد مدينة الشحر، من مدن السلطنة القعيطية عام 1928م «من أسرة علمية لها مكانتها الاجتماعية والروحية تمتد جذورها إلى صاحب (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر) للعلامة الطيب الذكر محمد عمر بافقيه المولود في سنة 970هـ ، وأسرة بافقيه فرع من أسرة آل عيديد المعروفة بحضرموت». (راجع ما كتبه الزميل سند بايعشوت عن الدكتور بافقيه الذي نشرته «الأيام» في 9 نوفمبر 2002م).

نشأ محمد عبدالقادر بافقيه في مناخ ثقافي واجتماعي خصب يسر له ختم القرآن وهو في السادسة من عمره، ودأب على الاستئناس بالمجالس الأدبية التي تصدرها والده وعمه السيد محمد بن أحمد بافقيه. شاءت محاسن الصدف أن فتح السلطان عمر بن عوض القعيطي «المدرسة الإنجليزية» في 15 أبريل 1934م وأوكلت إدارتها للماستر ابراهيم سوجانMaster) لقب يمنح لتربويين بارزين آنذاك في عدن ومنهم حمود ماستر وعلي ابراهيم لقمان، والد الراحل الكبير محمد علي لقمان والتربوي الراحل محمد سعيد عقربي) وكان الماستر سوجان من المدرسين البارزين للغة الانجليزية في مدارس عدن والمدرسة التبشيرية الدنماركية في كريتر، عدن.

بافقيه في ذاكرة محمد سعيد مديحج
انتقل عميد الأسرة السيد عبدالقادر بن أحمد بافقيه إلى المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية عام 1940م للعمل في سكرتارية السلطنة وانتقلت معه أسرته، والتحق محمد بالمدرسة الوسطى بالمكلا وبرزت تباشير الطالب الواعد في مجال الصحافة عندما أصدر مجلة «المدرسة الوسطى» الحائطية مع زميله الألمعي فرج باظفاري، والتي زينت بخط زميل دراسته صالح مخروش.

ورد في كتاب (المدرسة الأم) للتربوي الكبير محمد سعيد مديحج أن «المدرسة الوسطى» الجديدة افتتحت بغيل باوزير في مايو 1944م، وأن من طلاب الدفعة المنتقلة إلى تلك المدرسة: محمد سعيد مديحج وأحمد عمر الصافي ومحمد عبدالقادر بافقيه.

ومن ذكريات الأستاذ مديحج أن محمد عبدالقادر بافقيه كان أول الطلاب المبعوثين للدراسة الثانوية في السودان عام 1945م، حيث التحق بثانوية حنتوب، إلا أن الزميل سند بايعشوت أورد في مقاله أن بافقيه ابتعث للدراسة الثانوية والجامعية في السودان خلال الفترة من 1946م حتى 1952م ويكون بذلك أن بافقيه من خريجي كلية جوردن (جامعة الخرطوم حالياً).

أفاد الأستاذ مديحج أن من المدرسين الذين تعاقبوا في التدريس بالمدرسة الوسطى بغيل باوزير إلى جانب البعثة السودانية: عبدالله سعيد باعنقود وسالم يعقوب باوزير وفيصل بن شملان وفرج بن غانم وسالم محمد عبدالعزيز وسعيد عبدالخير النوبان وكرامة سليمان بامؤمن ومحمد سعيد مديحج ومحمد عبدالقادر بافقيه.

بافقيه خلفاً لخوجلي
ورد في كتاب (المدرسة الأم) لمؤلفه الأستاذ مديحج أن الشيخ حسين خوجلي، سوداني الجنسية، تولى إدارة «المدرسة الوسطى» بغيل باوزير منذ افتتاحها عام 1944م حتى عام 1954م وخلفه في العام نفسه في إدارة المدرسة الأستاذ محمد عبدالقادر بافقيه حتى عام 1957م.

بافقيه ناظراً للمعارف
ورد في مقال الزميل بايعشوت أنه تم تعيين الأستاذ بافقيه عميداً لمدارس منطقة الصالحية بالغيل عام 1956م ثم نائباً لناظر المعارف (التربية والتعليم آنذاك) للدولة القعيطية، ثم ارتقى السلم الوظيفي وأصبح ناظراً للمعارف، وشهد التعليم في عهده طفرة كمية ونوعية، حيث وصل عدد المدارس خلال الفترة 1959-1963م إلى نحو 49 مدرسة ابتدائية للبنين و(9) مدارس ابتدائية للبنات و(5) مدارس وسطى للبنين ومدرسة وسطى للبنات.

بافقيه وتجربة التعليم الثانوي
شهد الفاتح من سبتمبر 1962 افتتاح أول مدرسة ثانوية في منطقة القرية بالمكلا، وكان للأستاذ محمد عبدالقادر بافقيه، ناظر المعارف، بصمات بارزة في افتتاح ثانوية المكلا باحتفال كبير أقامته المدرسة حضره السيد رجيهان خان، وزير السلطنة القعيطية، ودشنت الدراسة بفصل واحد وأربعة مدرسين وهكذا توسعت الدراسة الثانوية في السلطنة بعد أن كان الطلاب يبتعثون للدراسة الثانوية في كلية عدن أو ثانويات السودان. صمم الأستاذ بافقيه الدراسة الثانوية بنظام الأربع سنوات محاكياً بذلك نظام الدراسة الثانوية بعدن والسودان، وكان نظاماً نوعياً قل أن تجد له مثيلاً في هذه الأيام. من بصمات الأستاذ بافقيه البارزة أنه اعتمد نظام إصدار «الإحصاء التربوي» الشهري خلال فترة إدارته لمعارف الدولة القعيطية وهي خطوة تشهد له برقيه في مجال التربية والتعليم، كما عمل الأستاذ بافقيه على إقامة المحاضرات المنتظمة في غرفة المعلمين الأدبية.

بافقيه أحد فرسان الصحافة
بدأ محمد عبدالقادر بافقيه علاقته بالصحافة عندما نشرت له مجلة «السودان الجديد» قصة (الدقة بالدقة) أثناء فترة دراسته في السودان، وتواصلت رسالته مع الصحافة منذ العام 1946م حتى عام 1993م.

ورد في كتاب (نشوء وتطور الصحافة في عدن) لمؤلفه الزميل عبدالرحمن خبارة (ص 164) أن الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه أدلى بحديث في منزله في 15 يناير 1990م عن فكرة إصدار صحيفة «الرأي العام» وكانت البدايات في عام 1957م باقتراح تقدم به الى هيئة (النادي الثقافي) بإصدار صحيفة تحت مسمى «الرأي العام» وتم استقدام مطبعة من اليابان بواسطة تراب علي، وتمهيداً لإنشاء الصحيفة تم انشاء شركة (المستقبل الأهلية للطباعة) وأسندت رئاسة مجلس الإدارة للأديب والشاعر حسين البار، وجرى الاتفاق معه على التقدم بطلب ترخيص لإصدار صحيفة أسبوعية تحت مسمى «الرائد».

توجه البار في إجازة الى مسقط رأسه (دوعن) واستغلت جهات ما فترة غيابه وأسندت المسؤولية لعمر مثنى، موظف بإدارة الجمارك والموانئ، واكتشف البار بعد عودته أن الوظيفة طارت من يديه وعلم بأن اتفاقاً قد تم مع أحمد عوض باوزير لإصدار مجلة «الطليعة» التي صدرت عام 1959م.

يمضي الدكتور بافقيه في حديث ذكرياته قائلاً: «أنشأنا عام 1960م (دار حضرموت للطباعة والنشر) كشركة مساهمة من الرأسمال الوطني واشترينا مطبعة مستعملة من عيدروس الحامد وهو مهتم بالمطابع والأسطوانات وغيرها، وفي نفس الوقت استدعينا علي عبدالرحمن بافقيه من عدن ، الذي كان محرراً في صحيفة «الأيام» اليومية ليكون مديراً للمطبعة». وأضاف الدكتور بافقيه: «وبالفعل صدرت (أي «الرأي العام») عام 1963م من (دار حضرموت) للطباعة وكنت أحد المساهمين فيها مع غيري من الشخصيات السياسية والأدبية والاجتماعية في حضرموت».

بافقيه وأياد بيضاء في مجال الآثار والنقوش
شكل العام 1964م انعطافاً كبيراً في حياة الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه عندما كان ناظراً للمعارف، عندما تلقى نسخة من كتاب (نصوص العقلة) لمؤلفه الدكتور جام والمهدى له من رئيس البعثة الامريكية التي أجرت مسحاً أثرياً سطحياً لوادي حضرموت خلال الفترة 1961-1962م، وقد انتدبت الحكومة القعيطية الدكتور بافقيه للتفاوض مع رئيس البعثة الامريكية الدكتور فان بيك وقد أسندت للدكتور بافقيه مسؤولية الآثار في السلطنة ويحسب له إنشاء (متحف المكلا للآثار والفنون الشعبية) الذي افتتح رسمياً في أغسطس 1966م.

بلغت ذروة اهتمامات الدكتور بافقيه في الآثار والنقوش بتأليفه وتحقيقه في بعض الكتب المرجعية ومنها (تاريخ اليمن القديم) و(آثار ونقوش العقلة) و(العربية السعيدة) و(المستشرقون وآثار اليمن) من جزئين إلى جانب العديد من المقالات والبحوث نشرت في العديد من المجلات، ولا يفوتنا الإشارة إلى درجة الدكتوراه التي حصل عليها الأستاذ بافقيه من فرنسا لأطروحته (تاريخ اليمن وتوحيدها في التاريخ) التي أعدها باللغة الفرنسية.

بافقيه في مشوار تكميلي مع الوظيفة العامة
عين محمد عبدالقادر بافقيه وزيراً للتربية والتعليم في أول حكومة وطنية بعد نيل الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م برئاسة المناضل الوطني الكبير قحطان محمد الشعبي، ثم عين سفيراً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في لندن والقاهرة وباريس ومندوباً لليمن الديمقراطية في منظمة اليونسكو، وبعد قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م عين الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه رئيساً للهيئة العامة للآثار والمتاحف.

انتقل الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه إلى رحمته تعالى في مدينة عدن في 26 أغسطس 2002م عن عمر ناهز الرابعة والسبعين عاماً بعد حياة حافلة بالإنجازات والعطاءات قوبلت بالنسيان من أهل الشأن.

2- مصطفى رفعت عبدالله: شخصية اجتماعية بارزة تميزت بالثقافة..الميلاد والنشأة..من مواليد عام 1917م في حافة حسين (كريتر - عدن) التي استمدت عبق التاريخ من العلامة وولي الله الصالح حسين الأهدل، وحافة حسين حافة العمالقة من أرباب الصحافة والتربية والموسيقى والعمل الوطني والنقابي، ومن حافة حسين خرجت فكرة إنشاءATUC) ) حيث عقدت المباحثات بين رجال النقابات في منزل محمد بن محمد زليخي يومي 3 و 4 مارس 1956م وتأسس مؤتمر النقابات على خلفية ذلك اللقاء في حافة حسين يوم 6 مارس 1956م.

التحق مصطفى رفعت بكتّاب (معلامة) الفقي العولقي لتلقي مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن، ثم التحق بعد ذلك بالمدرسة الابتدائية التي عرف اسمها بـ (مدرسة الاقامةResidency School ( (السيلة لاحقاً والمتحف الحربي حالياً) وانتقل بعد ذلك إلى مدرسة الريزميت Regiment School (ثانوية لطفي أمان النموذجية حالياً) لتلقي دراسته المتوسطة، وكان من زملاء دراسته عبدالرحمن جرجرة وحسن وحسين بيومي وعبدالله إبراهيم صعيدي.

مصطفى رفعت والمستشارية البريطانية
أنهى مصطفى رفعت دراسته في بداية الثلاثينات من القرن الماضي وخرج إلى ميدان الحياة والعمل، حيث الآفاق الأوسع، فحمل عصا الترحال إلى حضرموت وكانت أولى فرص العمل هناك عندما التحق بمكتب المستشارية البريطانية في المكلا، حاضرة السلطنة القعيطية وأقام هناك حوالي 12 عاماً.

انتقل مصطفى رفعت بعدئذ إلى جعار، حاضرة سلطنة يافع السفلى حيث عمل ضابطاً سياسياً لدى المستشارية البريطانية، وبحكم طبيعته المفطورة على الاندماج، نسج مصطفى رفعت علاقات اجتماعية مع محيطه في جعار وأدى مهامه بسلاسة، إلا أن قاضياً وإماماً لأحد المساجد هناك تمادى كثيراً في التندر بأبناء عدن، وجاءت عقوبة مصطفى رفعت مغلظة لكنها بالأسلوب الذي اشتهر به رفعت في حباكة «المقالب» وفور تنفيذ رفعت لمقلبه ضد القاضي والإمام غادر جعار إلى غير رجعة.

ومن أصدقائه وزملائه الأعزاء في المستشارية البريطانية: مصطفى عيسى (والد هاشم وعلي) وعبدالله شوطح(والد فضل ود. جعفر وأنيس وسمير) وعبدالقادر حميدان (والد المحامية راقية وغازي).

مصطفى رفعت صاحب فلسفة في العمل
بقدر ما عرف عن مصطفى رفعت حبه للمرح وصنع المقالب، إلا أنه كان مولعاً بالقراءة وآخر قراءاته قبل وفاته كانت مذكرات ونستون تشرشل، كما كان مولعاً بالفن وكان عازفاً على آلة العود وولهان بفن محمد عبدالوهاب.

كان مصطفى رفعت ضليعاً في اللغتين العربية والإنجليزية، وعلى تلك الخلفية أسندت إليه مهمة ترجمة خطاب جلالة الملكة اليزابيت الثانية في المجلس التشريعي عند زيارتها لعدن في 27 أبريل 1954م.

التحق مصطفى رفعت بشركة كالتكس البترولية الأمريكية بمكتبها في عدن وكان من الناشطين في العمل النقابي وكان أول من رفع شعار ) Slow Workالعمل البطيء) كوسيلة ضغط قبل الشروع في إضراب عام.

كان مصطفى رفعت صاحب مقولة «العقل أن تعطي منه ما تريد ولمن تريد وقتما تريد !».

مصطفى رفعت نجم منتديات عدن
كان مصطفى رفعت من الشخصيات الأجتماعية البارزة التي عرفتها مجالس (مبارز) عدن، حيث اشتهر بقفشاته ومقالبه ومساجلاته في معترك الرأي والرأي الآخر، وعلى خلفية قاعدته الاجتماعية الواسعة تقدم لانتخابات المجلس البلدي في إحدى دوراته الانتخابية إلا أنه لم يوفق.

أفادني نجله حسين بأن من أبرز أصدقاء الوالد: علي ربيع عبدالله (ابن عمه) وحسن علي بازرعة وعبدالمجيد لقمان وحسن بيومي وحسين بيومي وعبدالرحمن جرجرة وعبدالقادر حميدان ووديع حميدان ومحمد عبدالله العرجي وعبدالله الأصنج وعبدالله سالم باسندوة ومحمد سالم باسندوة.

انتقل مصطفى رفعت إلى جوار ربه في 24 يونيو 1964م وخلف من الأبناء: 1- فاروق، 2- حسين، 3- مصطفى، 4- ابراهيم، 5- رفعت وبنتاً واحدة وهي ثريا (ترتيبها الثاني بين الأولاد).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى